الهدف الأساسى للدراما هو غرس المبادئ النبيلة فى الأجيال الحالية والقادمة، لكن الأعمال الدرامية التى تعرضها الفضائيات هذا العام تجاوزت كل حدود الابتذال والإسفاف بل وقلة الأدب، وأصبحت وسيلة لبث الانحلال وغرس القيم القبيحة فى المجتمع. وفى شهر رمضان المبارك، كان يجب أن يراعى القائمون على هذه الأعمال منزلة هذا الشهر وقدسيته، فما يقبله المشاهد فى الأيام العادية يدخل فى نطاق الممنوعات فى الشهر الكريم، وهنا يأتى دور الرقابة سواء التابعة للتليفزيون المصرى أو المصنفات الفنية فى فحص الأعمال التى تقدم لها وتقييم مدى صلاحيتها للعرض الرمضانى، وفى كل الأحوال ليس هناك ما يمنع من تدخل مقص الرقابة بالحذف للمشاهد التى نراها مخلة بالقول أو بالفعل، ولكن للأسف طلت علينا الأعمال الدرامية فى هذا الشهر الفضيل وبها حشد من الألفاظ والتعبيرات التى صدمت المشاهد وأصابته بالصدمة، وعمت حالة من الغضب فى أوساط المجتمع. تقول هادية جلال (موظفة): إنها لا تجد مبررًا لإقحام مثل هذه الألفاظ السوقية فى الأعمال الدرامية التى تقتحم بيوتنا ويراها أبناؤنا فنرجو من القائمين على هذه الأعمال مراجعة أنفسهم. أما ماريان وهبة (موظفة) فتقول: أنا لا أترك أولادى وحدهم أمام جهاز التليفزيون حتى الكبار منهم وجهاز الريموت فى يدى باستمرار حتى أستطيع تغيير المحطة سريعًا إذا تعرضت لمشهد مسىء بالقول أو بالفعل ونناشد الرقابة التدخل. أما أم أشرف، وهى ربة منزل فتقول: فين الإبداع فى حوارات كلها شتايم؟، كان لازم يكون فى رفض من البداية من الرقابة لكل ما هو مخالف لمبادئنا وعاداتنا. أما أحمد سالم، صاحب محل منظفات، فقال: أصلهم عايزين يطلعوا الناس إللى فى الشارع على طبيعتهم عشان الألفاظ دى كلها ألفاظ أولاد الشوارع، وأنا كنت منتظر السنة دى أعمالاً تاريخية أو دينية أو أعمال تتحدث عن الثورة وما حدث فيها، فجاءت لنا مسلسلات خليعة. ويطالب محمد معتز بأن يكون هناك قانون لتنظيم عمل القنوات وما يعرض خلالها للحد من ترويج أفكار أصحاب رؤوس الأموال وذوى الأغراض والاتجاهات المتناقضة مع قيم وعادات مجتمعنا حتى نستطيع بناء أجيال قادرة على العطاء وعلى النهوض بالأمة. وبعرض هذه الآراء على الدكتور سيد خطاب، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، أوضح أن الجملة عندما تأتى على لسان شخصية ما فى لحظة ما فى موقف درامى ما فإنها لن تكون مستنكرة حيث أن اللفظ لا يقيم بمعزل عن الفعل الدرامى أو عن الشخصية الدرامية التى تقوم بالعمل، فتقييم المشهد لا يأتى ولا يتم إلا من خلال المسلسل نفسه، ولا نحكم على العمل من خلال لفظ أو جملة فإن الحلقات نفسها لا يوجد فيها أى شىء وتتضمن قدرًا كبيرًا من الحرية والالتزام ومناقشة قضايا المجتمع المختلفة كما تعودنا دائمًا من المبدعين فى شهر رمضان، فنحن نسمع فى الشارع ألفاظًا أسوأ بمراحل مما نسمعه فى الأعمال الدرامية، ولكن هناك مشكلة تواجه المبدعين وهى أن لغة الإبداع لابد أن تكون متجاوزة للواقع حتى تستطيع التعبير عنه، فمثلا شخصية البلطجى أو الزوجة الفاسدة أو سائقى الميكروباص أو السجين المظلوم كلها شخصيات لها أسلوب معين فى الحوار، والله سبحانه وتعالى أباح الجهر بالسوء "عند الظلم"، والإبداع يعكس صورة المجتمع ولابد من نقلها على حقيقتها دون تزييف؛ لأننا لو أظهرنا الناس فى الأعمال الفنية كلهم كأنهم ملائكة فإن ذلك سيكون تزييفًا للإبداع، ونفقد الدراما، ولابد من تقييم العمل الفنى بالقوانين الداخلية، فلا يقيم العمل الفنى بمعزل عن الموقف الدرامى، فاللفظ الواحد يستخدم فى معانى مختلفة ومتعددة ولكى نصل لصيغ مقبولة ومتوازنة لابد من وجود صيغة تبادلية بين المجتمع والمبدعين بمعنى أن المجتمع خلال رحلته لتعديل قيمه ومبادئه وأولوياته هو نفسه سيفرض اللغة التى يريدها على الإبداع فهى رحلة ثنائية بين المجتمع والمبدع، ولن تتم بين عشية وضحاها فسوف نحتاج لسنوات طويلة حتى نصل لصيغ متوازنة.