أبناؤنا صداع فى الرأس, وقلق دائم لا يستقر بالقلب, "إنما أولادنا أكبادنا تمشى على الأرضِ", تشملهم فى اللغة لفظة "عيال" نعولهم, ومسئولون عنهم, نعمة من المنعم, وهدية مغلفة بشوك الكد والعمل والسهر, ننظر إليهم, فلا نهدأ, مشطورون نحن بين التمنى والترقب, ومحشورون نحن بين هواجس وآمال. والأبناء مجرد كلمة, وكلامنا كما قال صاحب الألفية: "لفظ مفيدٌ كاستقم"، واللفظ المفيد صعيب, فالكلمة تخرج من العالم والفاجر, يلفظها شيخ الجامع, ويسردها قسيس بكنيسة, يضعها إلى جوار أخواتها كاتب, ويلعب بها شاعر. الكلمة علاقة بين قائل ومتلقٍ, هى لأحدهما, أو على كليهما, ما إن تخرج من الفم حتى تنطلق، لا تعود إلى يوم الدين. فالكلمة لك أو عليك, شعلة ضوء, أو عتمة نار تتلظى, وكثيرون يستحقون وصف "الأشقى". والكلمة حجر الطاولة، زهر النرد.. ترتج داخلنا فنقذفها, فيكون الربح أو الخسران. حينما جعل الله تعالى المسيح عليه السلام كلمة منه, لم يحتملها البشر, فتاه أكثرهم وزاغت منهم الكلمات, وجاء محمد صلى الله عليه وسلم - بأبى هو وأمى - فجعل "كلمة" حدا فاصلا بين الحق والباطل, بين السعادة والشقاء, قال لعمه وهو على فراش الموت: "يا عم قل لا إله إلا الله, كلمة أحاج لك بها عند الله"، يا الله مجرد كلمة تصبح حُجة عند الله! فيا الله على من كان لفظه حكمة, ولفتته مشوار سلامة, وإعراضه غلق لباب ندامة, فصلى عليك الله يا عَلَمَ الهدى. الكلمة تخرج أحيانا على انبساط, وكثيرا ما تقف بالزور, وما إن تخرج حتى تكون كالسيف القاطع, لا تبقى صديقا, وتصنع ألف عدو, حتى قيل: "سامح الله قول الحق لم يدع لى صديقا". الكلمة مقال يرتفع بك, أو هى مآل بك ينخفض، قال أحمد بن حنبل كلمة, فسُجن و جُلد, وقال الحلاج كلمة فُقتل, وبين الكلمتين كلام مفارق, وحدٌ بين المغارب والمشارق, وكلاهما عند من لا يظلم مثقال ذرة, ومن لديه كتاب ينطق بالحق, سبحانه. هناك كلمة لا تجاوز الفم والأذن, وهناك كلمة ينزفها القلب كنبضة, وتسكن الشرايين والأوردة, وتخرج فلا تكاد تهدأ الأفئدة. والعيال – كما قلت لك يا أبا العيال - كلمة, وإعرابها بسيط عرفه صاحبى, مع أنه كان يعرفه ولا يعرف أنه يعرفه, وهذه قصة قصيرة: "قال إنه حفظ آل عمران طفلا, ثم استمع إلى قارئ يتلعثم بقوله تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم". فقال: "طيب ماذا يفعل؟" فتلا القارئ: "فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا". فاقترب وكاد يسأله: هل هذه آية فى كتاب الله؟ فصدق الله العظيم. [email protected]