عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وان أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن: قدّر الله وما شاء فعل، فان لو تفتح عمل الشيطان." رواه مسلم. ويتناول الجزء الثاني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامع توجيها عمليا مبنيّا على مسلمة عقدية، وهي الإعتقاد في قضاء الله وقدره، وما يجب على المسلم من تصرف فيما لا يقدر على دفعه مما قدّر الله سبحانه، وهو أمر تاهت فيه عقول وزّلت فيه قلوب وانحرف فيه فكر لمّا استقلّ بالبحث فيه دون أن يهتدى بهديّ الرسالة المحمدية في هذا الشأن. فإن قدر الله سبحانه لا يعنى بأي شكل من الأشكال الفكرة الجبريّة على أفعال الإنسان التي يروّج لها فرع من فروع الفلسفة اليونانية والتي تبناها الجبريّون من فرق البدع المنحرفة عن الفكر الإسلامي. وجماع الأمر في هذا الشأن هو علم الله المحيط بما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان فكيف يكون، وهي الأربعة أقسام الممكنة في هذا المجال. وقد قال تعالى: "ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير" فعلم الله سبحانه بما سيكون عليه مصير الإنسان وتصرف واختياراته، ثم تدوين ذلك في الكتاب الحفيظ، لا يعنى بأي حال أن الله قد "أجبر" الإنسان على فعله! فهذه الكلمة لا أصل لها في الشريعة، وكون أن مصير الإنسان وتصرفاته وإختياراته لا تخرج عما هو مدوّن مسطور قيد شعرة لا يعنى هذا "الجبر" المزعوم، بل يعنى بكل بساطة أن علم الله محيط لا يخطئ، وإنه لو أخطأ لما كان علم الله محيط وهو ما لا يكون من الله سبحانه. فصفة العلم التام الشامل هى ما ضلّت فيه عقول الجبرية، وغفلت عنه بصائرهم، وأما أن هذه الأفعال والتصرفات والمصائر لا تكون إلا بمشيئة الله فلأنه سبحانه لو أراد أن يغيّرها أو يبدّلها لفعََل، فهي لا تتم إلا بإذنه ، قال تعالى "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا" يونس 99، وقال "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة" الشورى 8، لكنه سبحانه لم يشأ أن يفعل هذا في مشيئته الكونية التي لا يعدو عنها شيئ، فتركنا نفترق ونختلف حسب ما نريد، فهو سبحانه شاء لنا إختيارَنا، ثم بيّن ما هو في مشيئته الشرعية التي وضحها على لسان رسله وفي كتبه، فمن أراد اتباعها هدى ورشد، ومن خالفها ضلّ وكفر، بهذه البساطة والوضوح. وينبنى على هذا التصور الإسلامي الرشيد أن الفعل إن وقع فقد وقع موافقا لإرادة الله فلابد أن يكون فيه الخير للمؤمن الموافق، ولابد للمؤمن أن يتقبله من الله سبحانه ولا يندم على اتيان فعل أو ترك فعل قد تمّ بالفعل إذ هو مخالف للتصور الإسلامي في مفهوم القدر اولا ولا فائدة مرجوة من هذا ثانيا، وتتبع هذا الخطّ من التفكير لا ينشأ عنه إلا الحسرة والإحباط والندم، ثم القعود عن التصحيح أوالإستفادة من الدرس وهي كلها نتاج الخلل العقديّ الذي ينشأ عنه الخلل العمليّ. ومن هنا فإن اتباع السنة المحمدية رشد وهداية، ومخالفتها في العقل والقلب والفعل ضلال وعماية، وهؤلاء المحرومون من فهم هذه الحقيقة الشرعية الكونية هم في نكد ويأس وإحباط دائم لا يفهمون عن الله لا في شرعه ولا في كونه، فطوبى لمن هدى الله من المسلمين "وسيعلم الكافرون أي منقلب ينقلبون".