هل يجوز لى أن أقول إننى قد أقبل من غير "الإخوان المسلمون" ما لا أقبله منهم، دون أن يطلع لى أحدهم ليتهمنى بأننى أكيل بمكيالين وأننى أحد الفلول أقول مالا أفعل إلى آخره من اتهامات.. هل يجوز لى أن أقول إننى قد أقبل من أى فصيل سياسي أن يتراجع فى موقفه ويحتال ويدهلز ويتحجج ويتلكأ ويراوغ، بينما أشعر بالقرف الشديد إذاحدث هذا الأمر من "الإخوان المسلمون"؟ بغضّّ النظر عن مدى جواز ذلك، فإننى لا أقبل ما قام به السيد الرئيس محمد مرسى حين أصدر قرارًا يضرب فيه عرض الحائط بقرار المحكمة الدستورية التى وافق قبل أيام على أن يحلف اليمين أمامها ليتسنى له الحصول على منصب رئيس جمهورية مصر العربية، وهو الحلف الذى يعد اعترافًا ضمنيًا بالإعلان الدستورى المكمل، لأنه هو - أى المكمل- الذى ابتدع فكرة الحلف أمام الدستورية سدًا للفراغ التشريعى فى الدستور المؤقت تمهيدًا لحل مجلس الشعب. قبل أن يقول أحد المتحذلقين إن أفعال المجلس العسكرى كلها كانت سيئة النية وإن مرسى لم يأت بجديد وإنما تعامل بأسلوبهم، أطلب منه أن يعود لبداية المقال لأؤكد له أننى لا أستطيع - نفسيًا- أن أقبل من "الإخوان المسلمون" ما قد أقبله من غيرهم، والفيصل عندى فيصل أخلاقى، وهو ما لم يفهمه قريبى المنتمى ل"الإخوان المسلمون" الذى يناوشنى كل صباح عبر الفيس بوك: هاه..شفت مرسى عمل إيه؟ هاه.. شفت إن الإسلاميين طلعوا جدعان؟ هاه! هاه؟ هاه؟ هاه! إلى أن انتابنى الخوف أن يكون السيد الرئيس يفكر بالطريقة نفسها التى يفكر بها قريبى وقد ترأس مصر لكى يثبت لنا أن "الإخوان المسلمون" أجدع ناس! السبب الأخلاقى الذى يدعونى إلى أن أرفض مافعله السيد الرئيس، وإن كنت قد أقبله من غيره، أنه جاء من رجل يدعى أنه يمثل التوجه الإسلامى فى معالجة أمور الحكم، وظنى المتواضع أن التقييم فى الإسلام، كغيره من الأديان، خاضع لمدى التزام الإنسان بمنظومة القيم الأخلاقية التى يتضمنها الدين، إذا اتفقنا أن منظومة التعبد لا علاقة للمجتمع بها. وبما أن جماعة "الإخوان المسلمون" تدعى أنها تمثل منظومة القيم الإسلامية ومشروع النهضة النابع من تصورهم للدين الإسلامى فإن البديهية الأولى أن يلتزم من يمثل هذا التيار بأدق تفاصيل المنظومة الأخلاقية، فلا يجوز أن تكون الغاية بالنسبة له مبرر للوسيلة، لأن هذا منهج مكيافيللي يحتقره حتى أشد الناس بعدًا عن الأخلاق، ولا يجوز أن يتبع منهج (إنما الحرب خدعة) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يُعرف عنه أنه اتبع هذا المنهج متجاوزًا لمبادئ الصدق والنزاهة أو مخترقًا لمنظومة الأخلاق التى يدعو إليها. لذلك أقول للسيد الرئيس :إذا كان هذا القرار الذى اتخذته هو قرارك الخاص، الذى ألهمتك إياه تجاربك الشخصية وخبرتك السياسية فعليك أن تعتذر لجماعة "الإخوان المسلمون" لأنك تضيف إلى قائمتهم خطأً آخر، وهى قائمة ليست فى حاجة إلى المزيد، وعليك أن تقول إن هذا القرار قرارك وأنك الآن رئيس جمهورية حر ولست تابعًا لفصيل بعينه، ولندرس وقتها القرار بتبعاته بموضوعية. أما إذا كان القرار تم بإيعاز من الجماعة، فعليك أن تعرف أنهم يورطونك ويسحبون ساقيك إلى مستنقع لن تنجو منه بسهولة، فالذين اختاروك لم يفعلوا ذلك لأنك قديس أو معصوم وإنما اختاروك لأنك أفضل المتاح على الساحة، ولهم عقول وقلوب تفهم وتعى وتراقب، وعليك إذن أن تطور نسخة معرفتك بالمصريين. أما إذا كان قرارك قد تم بالإتفاق مع المجلس استكمالاً لصفقة (ضرب كرسى فى الكلوب)، فأقول لك كلمة واحدة وأخيرة: الوحيد الذى يمكنه أن يضرب كرسى فى الكلوب فى هذه الليلة هو الشعب لأنها ليلته وليست ليلة أحد غيره. لم يعد الشعب المصرى معزومًا فى فرح العمدة فهو الآن العمدة ذاته . [email protected]