فرق علماء وأطباء نفسيون بين المرض النفسي وبين المرض العقلي ، وجعلوا من أهم الفوارق بينهما هو أن المريض النفسي يدرك أنه مريض وربما يسعى لعلاج نفسه ، أما المريض العقلي فإنه لا يدرك أنه مريض ولهذا يمثل خطراً على نفسه وعلى المجتمع من حوله ، واتفق علماء النفس على أن من أهم مظاهر المرض العقلي هو أن المريض يعاني من ضلالات وهلاوس سمعية وبصرية وشكوك في كل من حوله ، فهو يرى أشياء ويحاول أن يثبت للآخرين أنها موجودة بالفعل ويصدق نفسه ويستغرب من الآخرين عندما لا يصدقونه !! لكن ما علاقة هذه المقدمة في الطب النفسي وبين حالة توفيق عكاشة هذا الإعلامي الذي ظهر علينا من رحم الفوضى الإعلامية ، حيث يجسد في الواقع ما يمكن أن نسميه ( إعلامي بفلوسه ) وإن كان الأصح أن نسميه ( إعلامي بإفلاسه ) أي كانت التسمية فإن ظاهرة عكاشة جديرة بالدراسة حقاً كنموذج للمرض العقلي الذي يصيب بعض الناس وخاصة بعض الإعلاميين ، والمشكل في حالة عكاشة أنه يتصدر قناة فضائية يشاهدها – للأسف – الكثير من الناس وربما يصدقونه ويجعلونه مصدراً من مصادر المعلومة والحقائق !! توفيق عكاشة إفراز طبيعي لحالة التخبط الإعلامي التي نعاني منها منذ فترة ، حالة جعلت بعض وسائل الإعلام مجرد مكلمة ، حيث يملأ المذيع الفضاء الإعلامي بالكلام والإشاعات والتحليل والهجوم والصراع ، وتمتد هذه المكلمة ساعات وساعات وتتكرر أيام وشهور .... واعتقد الكثير من الإعلاميين بأن هذه طريقة مباشرة للشهرة والوصول إلى أهداف شخصية وصناعة زعامة وريادة مزيفة .. لكن لماذا يشاهده الكثير من الناس عكاشة ويتابعونه وقد يستغرق وقت برنامجه وإطلالته البهية حتى الساعات الأولى من الصباح ؟!! هل هذا يعد نجاحاً له أم فشلاً لمن يتابعونه ؟ هناك عدة عوامل في تصوري أسهمت في تفشي الظاهرة العكاشية ، وأولها رغبة الناس في الضحك والسخرية والتندر على شخص وتلقف أحاديثه كنوع من النوادر والطرف ، وهذا ما يحدث مع عكاشة لدى كثير ممن يتابعونه ، وعامل آخر وهو شعبية وسوقية منهجه في الحديث فالناس تميل أحياناً إلى التمرد على النماذج الصحيحة والقوالب النموذجية كنوع من التغيير ، وهذا يذكرنا بشخصية ( مجنون القرية ) الذي يمشي ليل نهار وهو يهذي بكلمات غير مفهومة ، لكن الناس يحبون أن يسمعون كلامه ويتحلقون حوله .. والعامل الثالث هو أن بعض المشاهدين لعكاشة وأغلبهم من البسطاء يقعون تحت تأثير ما يمكن أن نسميه ( هيبة الشاشة ) أو ( وقار الصورة ) فهؤلاء استقر في وجدانهم الجمعي أن ما يقال في التلفزيون لابد وأن يكون صحيحاً مهما كانت غرابته أو سخافته أحياناً ، أما العامل الرابع والخطير فهو أن الظاهرة العكاشية أريد لها من أشخاص أو من جهات أن تستفحل وتستمر لتقوم بتجهيل الوعي السياسي لدى الناس ، وإحداث بلبلة وتشويش على العقل ، وذلك على اعتبار أن العيار الذي لا يصيب يدوش !!.. وربما نجد الوقت الكافي لتناول هذه الظاهرة العكاشية في مرات لاحقة ، لكن ما استوقفنا مؤخراً هو ما نشرته جريدة المصريون الموقرة في عدد من أعدادها من أن توفيق عكاشة قد وجه دعوة إلي الشعب الإسرائيلي للإطاحة بالدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية باعتباره خطراً علي أمن إسرائيل حيث قال بصريح العبارة : أناشدكم الوقوف ضد مرسي ، وهذا ما أعلنه في برنامجه مصر اليوم على قناته الخاصة ( الفراعين ) حيث قال : ( أيها الشعب الإسرائيلي الراغب في أن يعيش آمنا مطمئناً ولا يريد أي تهديد أحذركم من وجود مرسي رئيسا لمصر وأنا مصري وأحذركم من وجوده لأنه خطر عليكم مثلما هو خطر علينا ) .. وهذا النداء الأخير من عكاشة يعيدنا إلى موضوع المرض العقلي الذي بدأنا به مقالنا ، وأن من مظاهره الهلاوس السمعية والبصرية ، فهل هناك هلاوس يمكن أن تصدر عن مريض عقلي أكثر من هذه ؟!! هل يعقل أن يكون عكاشة حريصاً على أمن إسرائيل ؟! وهل يعقل أن يوجه عكاشة نداءه للإسرائيليين للإطاحة برئيسه المصري المنتخب انتخاباً شرعياً ؟!! وهل يحس عكاشة أن الدكتور مرسي خطراً على الإسرائيليين مثلما هو خطر على المصريين ؟!! وما هي أوجه المشاركة في الخطورة من الدكتور مرسي على إسرائيل وعلى مصر في ذات الوقت ؟!! كل هذه تساؤلات عاقلة لإجابات غير عاقلة يطرحها عكاشة بكل فجاجة ، وهنا نحتاج إلى وقفة ، لكن هذه الوقفة لن تكون لعكاشة لأنه لا يدري بحقيقة مرضه العقلي ، بل هذه الوقفة هي لجموع من يتابعونه ، وإلى هؤلاء نوجه هذا النداء ( أيها الشعب المصري الراغب في أن يعيش آمنا مطمئناً ولا يريد أي تهديد على عقله ووعيه أحذركم من كلام عكاشة رئيسا للفراعين وأنا مصري وأحذركم من ضلالاته ، لأنه خطر على عقولكم مثلما هو خطر على وقتنا الذي يذهب بلا فائدة !! ) .. علي عبد الجليل علي رئيس المركز العربي للدراسات والتدريب الإعلامي ورئيس تحرير جريدة هنا المنصورة [email protected]