نقلت الأخبار أن أهالي مدينة سيفاس في تركيا حملوا السكاكين والعصي، وانطلقوا صوب موقع تصوير مسلسل قيامة أرطغرل، لأن سعد الدين كوبيك قرر إعدام أرطغرل بعد أن أمسك به جنوده. الأهالي توهموا لروعة التمثيل والإخراج أن أحداث المسلسل حقيقة واقعية ستودي بالبطل المحبوب (أرطغرل)الذي صار نموذجا يحتذى للشباب، وأملا يتمنى تحقيقه كل المسلمين المهزومين بفعل الخيانات والاستبداد والطغيان الذي عاشته الأمة منذ الحروب الصليبية الممتدة حتى اليوم. تدخلت الشرطة التركية وأقنعت الناس أن سعد الدين كوبيك سيلقى جزاءه على يد أرطغرل، وأبعدتهم عن موقع التمثيل، وأمّنت الممثل المستهدف، وحملته في طائرة هليكوبتر بعد أن أدى دوره، أو أنهاه في المسلسل. على مدي مائتي ساعة أو أكثر حنى الآن؛ تابعت الملايين في العالم العربي والإسلامي وخارجه حلقات مسلسل أرطغرل، الذي قدم جهاد نفر من الأمة المسلمة ضد قسوة الطبيعة، ومحاصرة الإسلام وتفرق أهله، ووحشية الخيانة والأنانية والطغيان. وحدها كثير من التليفزيونات العربية ؛ امتنعت عن بث المسلسل، وكأنه رجس من عمل الشيطان، فالدراما التي عرفها العرب في العقود الأخيرة هي العشق الممنوع والحب المفقود وحفلات الأفراح، والليالي الملاح، وهي الدراما جعلت الإسلام مرادفا للإرهاب والتطرف وبغض الحياة، بينما يتحرك بروح الإسلام وتصوراته الظافرة التي جعلت من بعض القبائل التركية البسيطة (الأغوز)، تنتصر على المغول وفرسان الهيكل والصليبيين، وتؤسس لدولة إسلامية قوية تفتح القسطنطينية. وتقود المسلمين لمدة ثمانمائة عام، ويخشاها الغرب والشرق جميعا. كان لليوتيوب والفضائيات العربية التي تبث من الخارج دور كبير في تقديم المسلسل إلى المشاهد العربي المحاصر بدراما التفاهة والهلس والأفكار السخيفة، ونقلت الأخبار أن المقاتلين مع الشرعية في اليمن كانوا يشاهدون المسلسل في بعض المقاهي عند قضاء إجازاتهم الأسبوعية بطريقة الفيديو، وكانوا يدفعون مقابلا أكبر من ثمن المشروب لصاحب المقهى! في صراع القبائل التركية، مثلت الخيانات عنصرا خطيرا، أفاد الأعداء كثيرا، وما أكثر النفوس الضعيفة التي لما يدخل الإيمان إلى قلوبها، فسقطت في غواية الذهب والخيانة، وهو ما أجهض العديد من النجاحات والانتصارات المتوقعة، وكشف ظهر المسلمين للعدو. ولكنهم كانوا ينتصرون بفضل الله ثم إيمانهم وشجاعتهم ورغبتهم في الشهادة إعلاء لكلمة الله .. وكان سعد الدين كوبيك واحدا من الخونة الذين خانوا الأمة وغدر بالسلطان وشارك في تسميمه وقتله تمهيدا ليتولى السلطنة من بعده. وستر خيانته وغدره بالنفاق والكلام المعسول حتى أوشك أن يقود السلطنة. وقام بدوره الممثل مراد أوغلو. اسمه الكامل: سعد الدين كوبيك بن محمد (وتعني كلمة كوبيك بالتركية: الكلب) . وقد قتل في سنة 1239م. وكان من أمراء سلاجقة الروم. ووصف ب “أمير الصيد والتعمير” في سلطنة علاء الدين كيكوبات الذي حكم السلطنة السلجوقية (1220 – 1237م)، وقد شارك في بعض الحملات العسكرية ضد الأيوبيين التي انتهت بانتصار السلاجقة. بعد أن شارك في قتل السلطان علاء الدين تم تنصيب ابنه غياث الدين كي خسرو سلطاناً. واستطاع كوبيك أن يتمكن من تصريف شؤون الدولة فألحق بها ضررا كبيرا هبط بها إلى الهاوية، تمردت قبائل الخوارزميين وانتصروا عليه، وقام بتصفية كبار الأمراء ورجال الدولة وقتل ابن السلطان الراحل عز الدين قلج أرسلان وأمه الملكة العادلية الأيوبية، فأمر السلطان غياث أمر بقتله، وهو ما قام به أرطغرل في الحلقة 115 من المسلسل (قتل في سنة 636 ه/1239م)، مما أسعد الجمهور الإسلامي، وأحزن فريق الثورة المضادة في العواصم العربية التي ترى نفسها من خلال شخصية كوبيك الحربائية! ومن المفارقات أن يقول عنه مختصر "أخبار سلاجقة الروم" الذي ترجمه محمد السعيد جمال الدين. ونشره المركز القومي للترجمة، القاهرة،1994 صفحة 255: «وبرغم كل ما اشتمل عليه من خبث الطويّة، وسوء العشرة مع الأكابر، كان فريداً في الإحسان إلى الرعية وبسط العدل، وكان في السّخاء أكثر تدفقا من البحر، وأبلغ إدراراً من السّحاب، وبرغم كل ما انطوى عليه طبعه من تنمّر كان في خلوته بالنّدماء والحرفاء كالوردة الضحوك». وقد حاول أن يدخل في روع الناس أنّه من أصل سلجوقيّ ليُشرْعن سطوه على السلطنة، وتقول بعض الروايات: لا يُعرف أبوه الحقيقي. ولعل هذا كان من وراء شهوته للحكم، وغروره المتأصل، وتحالفاته الخيانية مع فرسان الهيكل والصليبيين والمغول، ومؤامراته التي لم تتوقف ضد القبائل التركية ورجالها البارزين. خصوم الإسلام لم يكونوا وحدهم الحزانى على مصرع سعد الدين كوبيك في مسلسل أرطغرل. انضم إليهم نفر من أصحاب اللحي ، أفتوا بعد قطع رأسه في المسلسل، بأن مشاهدة المسلسل حرام!- حرم الله عليكم نعمة الدنيا وجنة الآخرة- وردّ أحدهم على سؤال غريب، يقول: "هل في مشاهدة المسلسلات التاريخية ك "أرطغرل"، و"السلطان عبد الحميد" شيء؛ خاصة أنى أقفل الصوت وأقرأ الترجمة، وأمرّر المشاهد التي بها نساء؟ وإذا كانت محرمة فأرجو ذكر السبب". بالإجابة التالية: "المشكلة الأكبر ليستْ فقط في الموسيقى والنساء، والخلط في التاريخ، وإدخال الأمور بعضها في بعض، بل الأخطر هو نشر فكر ابن عربي وتفخيمه، والناس لا تعرف عنه إلا مؤلفاته: "فصوص الحكم"، و"الفتوحات المكية"، واستطرد صاحب اللحية يتحدث عن عقيدة وحدة الوجود المناقضة للدين الإسلامي، وتعظيم القومية التركية. صاحب اللحية أفتي بغير علم، لأن المسلسل ليس فيه وحدة وجود، ولا تعظيم للقومية على حساب الإسلام، ولا بدع ولا خرافات. المسلسل يدعو إلى وحدة المسلمين والتشبع بروح الإسلام، ومواجهة الخونة الذين يعبدون الذهب والمصلحة من دون الله، وينحازون لخصوم الإسلام. ابن العربي في المسلسل- وليس ابن عربي- سني مائة في المائة، وكان واقعيا في نصائحه وشرحه للإسلام وتاريخه. مقتل سعد الدين كوبيك هو مصير الخونة الذين يعميهم الغرور عن الإخلاص لله والدين، ويبادرون بالولاء لأعداء الأمة والطامعين فيها، ويقهرون شعوبهم ويسفكون دماء مواطنيهم، ويقمعون كل صوت حر يعارض الإجرام والطغيان والجبروت. وكانت فرحة الجمهور بمصرع كوبيك تعبيرا عن حلم بمصرع الظلمة والطواغيت وعدلا من الله، ورحمة بالمظلومين. شكرا لأرطغرل، مهما كانت الملحوظات الفنية.