تلقيت بمزيد من الاهتمام خبر إتصال الرئيس عبدالفتاح السيسي بنظيره الصومالي محمد عبدالله فرماجو. في التفاصيل أن السيسي أكد استمرار موقف مصر الداعم لوحدة الصومال وحرصها على تقديم الدعم الفني ومساندتها في جهود بناء مؤسسات دولته وترسيخ الأمن والاستقرار به. السبب الذي دعاني لهذا الاهتمام أن الصومال بوابة القرن الأفريقي، وموقعها الاستراتيجي لا يمكننا الاستغناء عنه في خضم الصراعات الدائرة التي تهدد استقرارنا وسلامنا الداخلي. لا يمكن أن نفاوض بقوة على مصدر حياتنا الرئيسي وهو مياه النيل دون أن يكون هذا البلد موحدا قويا مستقرا مزدهرا. في الواقع اعتراني قلق شديد عقب التطورات الأخيرة بين الإماراتوالصومال، ليس بسبب النتائج التي تمخض عنها خلاف الدولتين، ولكن لأن اسم مصر غاب تماما بين أسماء الدول المتنافسة على دعم الصومال، وهو تعبير مخفف مجازي يعبر عن الحالة الراهنة لتدخلات الدول في دول أخرى خلف ستار المساعدات المالية والاستثمارات. تحتل تركيا المكانة الأولى من حيث الاستثمار الأجنبي، ولها قاعدة عسكرية هناك، لكنها تتصرف بطريقة ذكية لا تثير غضب الصوماليين المحبين لوطنهم إلى أقصى الحدود، والذين لا يتنازلون عن الندية لأي دولة تساعدهم. رأينا في خضم الحرب الأهلية التي انفجرت بداية تسعينيات القرن الماضي، كيف هزموا المارينز الأمريكيين وأضطروهم إلى الفرار وعدم التفكير في العودة ثانية. وكالة ديفنس ون الأمريكية ترى أن النموذج التركي في الصومال الجامع بين العملين الاستثماري والإنساني أصبح موضع حسد للعديد من الدول التي تسعى لكسب النفوذ داخل الصومال. في مواجهة تركيا نجد الإمارات التي تواجدت هناك منذ بدايات الحرب الأهلية بمساعدات إنسانية، لكنها انتهجت في السنوات الأخيرة أسلوبا أغضب الصوماليين، مثل تقديم الدعم لإقليم صومالي لاند "أرض الصومال"، المنفصل عن الدولة الفيدرالية ولا يحوز أي إعتراف دولي، وتوقيع صفقة إدارة ميناء بربرة الاستراتيجي في الإقليم بدون الرجوع لمقديشو، وهو ميناء قد يكون قاعدة مهمة في المواجهات الدولية المتوقعة خلال المستقبل المنظور في منطقة القرن الأفريقي. ما أثار جبل الغضب الصومالي، قيام شركة موانئ دبي العالمية بتوقيع اتفاق مع أثيوبيا تصبح بموجبه شريكا استراتيجيا في ميناء بربرة بنسبة 19%، إضافة إلى استثمارها في البني التحتية اللازمة لتطوير ممر بربرة بصفته بوابة تجارية إلى أثيوبيا. ينظر الصوماليون إلى أثيوبيا بأنها دولة احتلال سابقة لوطنهم. إضافة إلى ذلك فإن منح جزء من هذا الميناء لها يقوي طموحها في القرن الأفريقي وعلى منابع النيل، وهو الطموح الذي قد تتضرر منه دول كثيرة في مقدمتها مصر. على خارطة التنافس الدولي.. نجد تركيا كما أشرنا في السطور السابقة والإمارات ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةوأثيوبيا وقطر. فعلى بعد كيلو مترين اثنين جنوب مقديشو تقع القاعدة العسكرية التركية، وهي الأكبر لتركيا خارج بلادها بتكلفة 50 مليون دولار تقريبا. وبلغت الاستثمارات التركية نحو 100 مليون دولار مع نهاية عام 2016. في فبراير الماضي وقعت الإمارات اتفاقية مع حكومة صومالي لاند الانفصالية بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة، وعلى إثرها تقدمت حكومة الصومال الشرعية بشكوى رسمية ضد الإمارت في الأممالمتحدة واتهمتها بانتهاك القانون الدولي. أيضا هناك مساعدات قطرية وصلت مؤخرا تمثلت في 30 حافلة ورافعتين وتم التسليم في احتفال أقيم في ميناء مقديشو. يقول رشيد عبدي مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة معالجة الأزمات الدولية لوكالة الأسوشيتدبرس " لا يمكنك العثور على أي مكان استراتيجي للدول العربية أكثر من الصومال، فميناء بربرة مثلا سيتحول إلى ممر لوجستي بديل يربط بأثيوبيا، ويقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن، والسيطرة عليه بمثابة وضع يد محكمة على باب المندب. نسأل هنا عن سبب الغياب المصري عن الصومال، فهي دول شقيقة، علاقتنا بها قديمة جدا، ونحن أولى من غيرنا بتقديم المساعدات الفنية والتعليمية والصحية والتدريبية. لماذا نغيب عنها وهي التي تربط بين القارات وتطل على الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب؟! [email protected]