أقولها بكل ثقة ..وعن يقين لمن يسأل من أين تبدأ نهضة مصر ?? وأنا هنا لا أتحيز لفئة من الناس أو أنتصر لمهنة من المهن ..بل على العكس ..أنا انتصر للعلم الذي تبنى عليه الأمم وتؤسس به الحضارات وترتقي به الشعوب وتنهض به الدول من عثراتها ..وقد سئل (مهاتير محمد) رائد النهضة الماليزيه عن سر نهضة ماليزيا في سنوات معدوده فأجاب : إنه التعليم والبحث العلمي ..حيث جعل نسبة الإنفاق على التعليم من الميزانية العامه 21%..أي أنها أعلى من النسبة التي تنفق على الدفاع مثلا ..فأرتقى بالمنظومة التعليميه كاملة ..وأرسل الآلاف من الطلاب للدراسة بالخارج وأنشأ مراكز البحث العلمي وأهتم بالإرتقاء بالمعلم وتحسين أدائه ..وظروف عمله...إن العمليه التعليميه تشمل أطرافا عديدة منها المعلم ,والمتعلم وهو الطالب, والمواد التعليميه وهي المناهج الدراسيه ,وبيئة التعلم وهي المدرسة أو المعهد أو الكليه,وقد أجمع علماء التربيه ..على أن أهم وأخطر حلقه من حلقات العمليه التعليميه : هي المعلم ..وكما يقول ( شاندلر ) من أبرز علماء التربيه في العالم : [ إن التدريس هي المهنة الأم وذلك لأنها تعتبر المصدر الأساسي للمهن الأخرى وتمدها بالعناصر الأساسيه المؤهله علميا وإجتماعيا وفنيا وأخلاقيا] ..و قدر المعلم في الإسلام لا يعادله قدر ومنزلته لا توازيها منزله ويكفي أن نسمع قول رسول الله (ص) : { إنما بعثت معلما } ..فكانت مهمة الرسول (ص) أشرف خلق الله هي تعليم البشر ..وبالرغم من المكانة العظيمة للمعلم والتي قال عنها الله تعالى في كتابه الحكيم [ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات والله بما تعملون خبير (11)]سورة المجادلة إلا أنه وطوال الثلاثون عاما الماضيه ..فقد عمد نظام المخلوع على تهميش المعلم والتقليل من شأنه وإزالة هيبته وكرامته في المجتمع ..من خلال إعلام ملوث ..يهدم ولا يبني ..ولا أدل على ذلك من دراسه تم نشرها في الصحف في بداية عام 2000 ... وهي دراسه جعلت الأفلام السينمائيه هدفا لها وقد أفضت الدراسه أنه هناك ثلاثة شخصيات تحديدا هم أكثر الشخصيات التي أساءت لها السينما المصريه طوال تاريخها .. أولهم : معلم اللغة العربيه ثم الحما (أم الزوجه ) ثم المأذون ..ولعلنا نتذكر كم الأفلام التي تابعناها في طفولتنا و تستهزئ بالمعلم وخاصة معلم اللغة العربيه والذي هو بالضرورة معلم الدين الإسلامي ..فلماذا تلك الحرب على المعلم ..لتشويهه وهدمه نفسيا ومعنويا والحط من شأنه وإزالة هيبته وإحترامه من النفوس ..تلك الهيبه التي يتحدث عنها ( الربيع المرادي ) تلميذ الشافعي ..حين يقول ( والله ما أجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له)..ومما ساعد على إزالة هيبة المعلم هو التأكيد على وضعه دائما في متاهة البحث عن لقمة العيش التي تسد رمقه هو وأولاده بعد أن أصبح راتبه في ذيل قائمة الرواتب التي تعطى للعاملين في قطاعات الدوله المختلفه ..فلا يستطيع التوقف للحظات لإلتقاط أنفاسه ليتفرغ لمهمته الأولى في تربية الأبناء والإرتقاء بالجيل ..ولا يستطيع حتى أن يعيش حياة كريمة آدميه بين أسرته وابنائه ..وإني لأجزم ..ويوافقني الكثير من الباحثين وعلماء العلم الإجتماعي ..بل وعلماء الإقتصاد أيضا ..أنه لم تنحدر مستوى أمتنا وتتعثر حضارتنا و نتخلف نحن عن الركب إلا حينما أهملنا حق المعلم و همشناه وحاربناه في قوته ومعيشته و أهدرنا كرامته ...وأجبرناه أن يمد يديه لأبنائه الطلبه ..بعد أن كان يمد رجليه في وجوه الكبراء والساده وعلية القوم..يروي لنا التاريخ الإسلامي أن العالم (سعيد الحلبي) المعلم كان يجلس بالمسجد الأموي حينما دخل إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا فالتف الناس جميعا حوله ..إلا سعيدا الحلبي ..ظل جالسا ممددا رجليه ..فسأل إبراهيم عنه..فقالوا إنه سعيد الحلبي معلم الناس في المسجد الأموي ..فأرسل إبراهيم إليه مع أحد خدامه كيسا به ألف ليرة ذهبيه ..فقال سعيد للغلام ( قل لسيدك إن من يمد رجليه لا يمد يديه ) ولم لا وقد كانت تلك هي مكانة المعلم في كل عصور إزدهار الإسلام ..عصور الحضارة والرقي للأمة الإسلاميه ..فكانت مكانة المعلم تفوق السلاطين في الرفعة والشرف...وقد نظر ( هارون الرشيد ) يوما وهو خليفة المسلمين وكانت الدولة الإسلامية في عهده في أزهى عصورها وفي قمة تطورها ورقيها ..وقد رأى هارون ولديه : الأمين والمأمون يتسابقان لإلباس معلمهما [ الكسائي] نعليه ..وقد كان الكسائي مولى لبني أسد ومن أصول فارسية غير عربيه ..ولكنه كان إمام أهل الكوفة في اللغة والنحو وسابع القراء السبعة ..فحظي بشرف تعليم ابناء هارون ..والذي سأل الكسائي مداعبا له بعد أن رأى ذلك ...من أفضل الناس يا كسائي ?? فقال الكسائي ( أوغيرك يستحق الفضل يا أمير المؤمنين ) فقال هارون الرشيد : ( إن أفضل الناس من يتسابق ابناء خليفة المسلمين لإلباسه نعليه ) ..نعم هو أفضل الناس مكانة بعد الأنبياء ..هو وريث الأنبياء ..قال رسول الله (ص) { إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ..وإنما ورثوا العلم ..من أخذه أخذ بحظ وافر }..صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما المطلوب اليوم لنعود أمة ناهضه متطورة متحضره ..أولا ..: لابد من عودة الإهتمام بالعلم والتعليم ورفع شأن المعلم إجتماعيا وإقتصاديا وتلبية إحتياجاته الماديه والمعنويه ..بحيث يتفرغ لمهمته الساميه في تربية النشئ والإرتقاء بهم ..فليست مهمة المعلم على الإطلاق هي تلقين المعلومات للطلاب ..كما أنه ليس حارس الفصل الدراسي من الفوضى ..ولابد من عودة المكانة الحقيقية للمعلم داخل صفه وبين طلابه ثانيا : الإهتمام بالبيئة التعليميه وتحسين مستوى المدارس ..وإعادة المكانة التربويه والعلميه للمدرسه بعد أن فقدتها تماما في العشر سنوات الأخيره ثالثا : الإهتمام بالبحث العلمي وزيادة معدل الإنفاق عليه ....فبمقارنه سريعه بين مصر وإسرائيل ..نجد أن موازنة البحث العلمي في مصر في عام 2004 طبقا لدراسه نشرها المركز القومي للبحوث لم تتعدى 02,% من ميزانية مصر أي ما يعادل 300 مليون جنيه مصري ..ببنما في إسرائيل في نفس العام كانت ميزانية البحث العلمي ما يعادل 4,7% من دخلها القومي وهي أعلى نسبة إنفاق على البحث العلمي في العالم..وهو ما يعادل 13مليار دولار..في حين كانت ميزانية البحث العلمي في الدول العربيه مجتمعه في تقرير نشرته منظمة اليونسكو عام 1999 م كان لا يتجاوز 1,7مليار دولار . وطبقا لإحصاءات منظمة اليونسكو فإن إسرائيل تحتل المركز الثالث في صناعة التكنولوجيا المتقدمه بعد ( وادي السيلكون ) في كاليفورنيا وبوسطن..كما تحتل المركز الخامس عشر بين الدول الأولى في العالم المنتجه للأبحاث والإختراعات ..أما بالنسبه إلى عدد سكانها قياسا إلى مساحتها..فهي الدوله الأولى في العالم على صعيد إنتاج البحوث العلميه وحينما نستعرض بعض الحقائق عن دولة إسرائيل ذلك الكيان السرطاني في جسم أمتنا ..نجد أنها لم تقم فقط على الدم والبطش والقوة العسكريه ..وإنما كان يساند ذلك نهضة علميه وإهتمام بالعلم والبحث العلمي...بدأ قبل إعلان دولة إسرائيل بثلاثة وعشرين عاما ..مع تأسيس معهد إسرائيل للتكنولوجيا في فبراير عام 1925م من الجماعات اليهوديه المقيمه في فلسطين...وكان أول رئيس إسرائيلي عام 1948م هو (حاييم وايزمان )..العالم البارز في الكيمياء ..وكان( ألبرت أينشتين ) مرشحا لهذا المنصب لكنه أعتذر ووعد بمساعدة اليهود بعلمه لا بجلوسه في منصب شرفي ..في نفس الحقبة الزمنيه التي كان يحكم مصر وغالبية الدول العربيه آنذاك العسكر وضباط الجيش ..بينما يقبع علمائنا في السجون و يصدر بحقهم أحكام الإعدام الجائرة ..أو يقتلوا في بلاد الغربه لعدم توفير الحمايه اللازمة لهم في بلادهم ..كالعالم المصري ( علي مصطفى مشرفه ) أينشتين العرب ومفسر نظرية النسبيه ..وتلميذته النجيبه العالمه ( سميره موسى ) وعالم الذره المصري ( يحيى المشد ) وجميعهم تدور شبهة إغتيالهم على يد الموساد الإسرائيلي....وطبقا لإحصائيه نشرت عام 1997 من المعهد العالمي للمعلومات بالولايات المتحدهالأمريكيه isi فقد بلغت نسبة التأليف في إسرائيل إلى 100 كتاب لكل مليون مواطن ..بينما كانت النسبه في الدول العربيه مجتمعه 1,2كتاب لكل مليون مواطن ..ووصل عدد العلماء المصريين المهاجرين طبقا لإحصائيات الأممالمتحده في عام 2005م إلى 824 عالم..العديد منهم في تخصصات إستراتيجيه مثل الجراحات الدقيقه والهندسه النوويه والإلكترونيه وعلوم الليزر ..وأن مصر وحدها قدمت 60٪ من العقول العربيه المهاجره ..معظمهم في أوروبا والولايات المتحدهالأمريكيه ..وقدرت المنظمه خسارة مصر الماديه بهجرة هؤلاء العلماء بنحو خمسين مليار دولار...والمستفيد بالطبع هي دول أوروبا وأمريكا وإسرائيل..تلك الإحصاءات هي غيض من فيض لا يسعني ذكرها جميعا ..فهي على سبيل المثال فقط وليس الحصر.. ولمن أراد التوسع في ذلك فعليه بالرجوع لكتاب ) التعليم العلمي والتكنولوجي في إسرائيل ) تأليف دكتورة : صفا محمود عبد العال... والآن بعد مجئ أول رئيس عربي كان في الأصل عالما وهو الدكتور محمد مرسي ..الرئيس المصري ..العالم بهندسة المواد والحاصل على الدكتوراه في حماية محركات المركبات الفضائيه من جامعة جنوب كاليفورنيا ..والذي عمل بالتعاون مع وكالة ناسا ونشر 23 بحثا في معالجة أسطح المواد ...ثم عاد إلى مصر كي تستفيد من علمه ومن أبحاثه ..هل ستتغير نظرة الدوله للعلم وللتعلم ...هل ستعود للمعلم مكانته وهيبته ..كي نرفع شأن العلم مرة ثانيه ..فتعود مصر والأمة العربية والإسلاميه لمصاف الأمم كما كانت من قبل...أرجو ذلك ....