كان منظر حمدى الفخرانى مثيراً للشفقة، وهو يتجول مساء الثلاثاء الماضى بين استديوهات الفضائيات بملابسه الممزقة متهمًا متظاهرين من الإخوان بالاعتداء عليه، أمام مجلس الدولة صباح نفس اليوم. لم أسترح لرواية الفخرانى، فالمتظاهرون كانوا كثرًا، ثم من يؤكد هوية من اعتدى عليه، هل هم إخوان، أم الطرف الثالث لتشويه صورة الإخوان؟ بل هل تم الاعتداء عليه بالفعل؟، ألا يمكن أن يكون قد حصل ذلك بعيدًا عن المحكمة، ولسبب لا علاقة له بالقضية، التى تواجد بشأنها، بل ربما لا يكون قد تم الاعتداء عليه من الأصل، فما أسهل تمثيل أى مشهد الآن فى مصر ولصقه بالإخوان، أو غيرهم من الإسلاميين، والإعلام جاهز للترويج. لكن يشاء الله أن تنشر المواقع الإلكترونية فيديو يؤكد أن الفخرانى خرج من المحكمة بكامل هندامه مرتديًا روب العدالة وظل فى حماية الشرطة حتى غادر المكان، وهذا يلقى بظلال من الشك حول حقيقة العدوان عليه من متظاهرى الإخوان الذين لم يثبت منذ الثورة وإلى اليوم أنهم اعتدوا على أحد من خصومهم وخصوم الثورة الأشداء، فما بالنا بالفخرانى الذى ينتسب إلى الثورة. هل الثورة تأكل نفسها، وهل الثوار صاروا خصومًا لبعضهم البعض، وصاروا أصدقاء لخصوم الثورة، وإلا بماذا يفسر الفخرانى ذهابه إلى فضائية عكاشة ليستعرض ملابسه الممزقة ويقول "شايف يا دكتور توفيق"؟! يحتاج هذا الفيديو تفسيرًا من الفخرانى لأنه سيكون دليلاً مهما أمام النيابة فى التشكيك بصحة بلاغه واتهامه الفورى والحاسم للإخوان بأنهم مزقوا ملابسه وضربوه، هل كانوا يضعون "بادجات" على صدورهم بهويتهم الإخوانية، وهل يليق بمحام أن يستبق تقديم بلاغ ليؤكد أن الإخوان اعتدوا عليه قبل التحقيق فيه؟، هناك مثل يقول "خدوهم بالصوت...".. عموما المتهم برىء حتى تثبت إدانته، والمتهم هنا قد يكون فى عقل الفخرانى فقط؟ الفخرانى له واقعة غريبة سابقة تجعلنى أتشكك فى أنه يتاجر بآلامه، ففى أعقاب مذبحة استاد بورسعيد جرت محاولات من مجموعات لا تعرف هوياتهم للوصول لمبنى وزارة الداخلية واقتحامه، فقام الفخرانى ومعه اثنان من زملائه النواب بالاعتصام فى البرلمان تضامنا مع هؤلاء المجهولين، ورغم رفضنا لسلوك الداخلية وانتهاكها لحقوق المواطن المصرى إلا أن اقتحامها أمر مرفوض، فهل الاعتصام فى مثل هذه الحالة هو عمل ثورى أيضًا؟.. الكتاتنى رئيس البرلمان طلب آنذاك توفير كل مطالبهم خلال الاعتصام، لكن الأخ حمدى غادر مساء بزعم شراء أدوية خاصة به، وفى عودته قام الحرس بمنعه من الدخول لأنه خرق ضوابط الاعتصام، وكذلك ضوابط الأمن بالبرلمان، النائب خلال الجلسة العامة فى اليوم التالى شغل المجلس بحكايته ومرضه ودوائه ونومه على الرصيف، ولما أفحمه الكتاتنى فى الرد وفند كل حججه قام برفع قضية عليه!! ألاحظ أن الحملة ضد الإخوان جماعة وحزباً وبرلماناً ورئيساً تتطور وتأخذ أشكالاً مختلفة، فالثلاثاء الماضى يمكن أن يطلق عليه "الثلاثاء العظيم" بمناسبة مزاعم عن الاعتداء على ثلاثة نواب سابقين وناشط هم: الفخرانى وأبو العز الحريرى وإيهاب رمزى ونجاد البرعى، وتنوع الاعتداء ما بين تمزيق الملابس، والهتاف، ورش المياه، والمثل يقول "رش الماء عداوة". مصر لن تتحرك للأمام بهذا الشكل بل هى تعود للخلف فلا يمكن أن تكون الخصومة السياسية بمثل هذا الأسلوب الموغل فى العداوة، فلا أحد سيستطيع شطب الإخوان من الخريطة السياسية، وإلا كان فعلها الملك ثم عبد الناصر والسادات ومبارك، ولا أحد يمكن أن يتجاهل القوى غير الإسلامية، حتى لو كانت أقليات سياسية بما فيها حزب التجمع صاحب المقعدين فى البرلمان وصاحب أعلى صوت فى الإعلام وأكثر الأحزاب إصدارًا للبيانات كأنه حزب الأغلبية. الحوار والتلاقى والتوافق والتعاون هو الحل بين كل القوى والأحزاب، يجب استبدال مصطلح الخصومة بمصطلح المنافسة الإيجابية ككل الديمقراطيات الحقيقية لجذب المؤيدين والأنصار وفق برامج وسياسات لصالح المواطنين، والعمل الدائب فى الشارع وسط الناس كما يفعل الإخوان وليس باحتلال الفضائيات وإصدار البيانات وحديث الاعتداء وتمزيق الملابس لأن الدعاية السوداء، قد تؤثر بعض الوقت، وليس كل الوقت، وإلا ما كان محمد مرسى مرشح الإخوان جاء أولاً فى الجولة الرئاسية الأولى، ثم فاز أخيراً بالرئاسة. [email protected]