قالوا البنية بشعرها المفرود.. وبنن عينها الجرىء حكايات.. بتغنى فى الدور وفى الميادين.. بالشاب ويَّا العجوز.. والشيبة والمولود.. جابت لنا ألف نصر.. يا جمااال وماله حدود.. قلت الحجاب الجميل.. زاين ملامحها.. يا سالى يا بنت بلدى.. يا وردة برية.. يشهد لك التاريخ إن انتى مصرية! سالى.. سالى.. لماذا لا تردين علىّ؟ لماذا يبدو صوتك منخفضا ورقيقا؟ أعرف أنها عادتك حينما تتكلمين عن مشاعرك وتبوحين بأحاسيسك ومشاعرك الآن؟ هل أنت الآن مرتاحة عما قبل؟ هل وجدت السعادة والرخاء الذى كنتِ تنشدين؟ إيه يا سالى!.. ما زال رحيلك يثير جدلا وكلاما كثيرا.. هل لنا بالحقيقة يا سالى كى يصمت الذين يريدون تشويه وجهك البرىء وسيرتك الطيبة.. أربع وعشرون عاما هو عمرك يا سالى.. هل اكتفيتِ من الدنيا بهذا القدر؟ لماذا لم تحرصى على حياتك؟ لماذا لم تنصتى لكلمات أمك وهى تحذرك من النزول للميدان؟ هل كنت تسمعين صوتا فى الأفق يناديكِ؟ هل كنت تشتاقين حقا للشهادة؟ من أين آتى بكِ كى تخبرينى عن الحقيقة يا سالى؟ الحقيقة التى تعرفينها وحدك معرفة اليقين.. بعيدا عن بلاغة الشعراء وليبرالية الليبراليين وتنطع المتنطعين؟ من أصدق يا سالى؟ أأصدق زميلك الرسام الذى كان معك ورآك فى الميدان والذى قال إن بلطجية النظام هم الذين هشموا رأسك على كوبرى قصر النيل وسط القاهرة العامرة وسال دمك على أسفلت الميدان ليغسله من أدران النظام البائد؟ أم أصدق كلمات أمك الدامعة وهى تتحدث عن حقيقة رحيلك فيُصدم الكثيرون لأنها أمك ولأنها لا يمكن أن تقول عنكِ إلا صدقا؟ كل شىء عنكِ وعن شخصيتك كان معمى ومبهما يا سالى.. هل ضاع دمكِ؟ هل لم يسل دمك من الأصل؟ إذن ماذا عمن رأوكِ وتحدثوا معكِ؟ وألهمتهم هتافاتك الشجاعة والحماس؟ ماذا عن كل ما كتبوه عنكِ فى الصحف وصورك التى تصدر قوائم صور الشهداء؟ لقد أطلقوا عليكِ ألقابا كثيرة منها "أيقونة الثورة" و"جان دارك المصرية"، أما أنا فأسميكِ "بنت من بلدى".. كما أعرف أنك ستقولين ما أنا إلا بنت عاشت طفولتها وصباها فى سوهاج بصعيد مصر، عاشت حياة عادية مع أسرة كملايين الأسر المصرية حتى وصلت للسنة الثالثة بكلية الآدب.. وأعرف أنك لم تكونى توافقين على نشر صورتك بدون حجاب، لكنها صورة لك ربما كانت على هاتفك أو فى حجرتك كما تفعل البنات.. أنت لا تعرفين من أخذها ونشرها وأثار عليها الأقاويل، لكننى أعرفهم.. إنهم غلاة التطرف من العلمانيين ومرتزقة الليبرالية ومن على شاكلتهم ليقولوا إن من شرارة الثورة هى إحدى البنات المتحررات المتبرجات زعما منهن أن الحجاب يؤخر ويخلف ولما ظهرت صورتك بالحجاب تبرأوا منها وصمتوا وصموا وعموا وصمتت أبواقهم المسمومة التى كانت تعرض صورتك وسيرتك ليل نهار بدون حجاب على أنك أيقونة الثورة ومشعلة جذوتها. لم يثر أحد الشهداء الأقاويل ولم ينسج حوله الحكايات مثلما حدث معكِ يا سالى.. هل تتصورين أن الذين مدحوكِ من الليبراليين والعلمانيين حين أصرت أمك على أن يرى الناس صورتك بالحجاب.. أنكروكِ بل طالبوا بالبحث والتدقيق عن سبب موتك مع اللمز والغمز أنك لستِ شهيدة وأقاموا المقارنات لبحث إذا ما كنت قد مت فى الميدان أم فى بيت أهلك بسوهاج.. وكأنهم دخلوا فى علم الله! "كفوا عن نشر صورة سالى بدون حجاب".. هكذا ناشدت أمك أبواق الإعلام.. فالشهيدة كانت محجبة متدينة ولم تكن تخرج بدون حجاب.. أمك تدعوك بالشهيدة.. وهى التى عاشت لحظاتك الأخيرة.. فلماذا يريد البعض حرمانك حتى من مجرد اللقب؟.. ألم نتعلم من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بالنيات وأن من طلب الشهادة ينالها حتى لو عانقه الموت على فراشه؟! أما يكفيهم أن أمك تعجبت ممن نشر صورتك متبرجة قائلة وهى تبكى: مع علم الجميع.. سالى كانت محجبة ومحافظة على الصلاة حتى استشهادها! هل صعدت روحك بعد سقوطك من بلكونة منزل أسرتك؟ حين منعتك أمك من النزول مرة ثانية؟ هل كنت تشعرين أن الميدان بحاجة إليك وأنك تريدين الانتقام ممن أذاقونا مرار الذل والهوان؟ لماذا لم تسمعى كلمات أمك بالمكوث بالبيت حين قالت لك إنك لا تزالين مجهدة من آثار القنابل المسيلة للدموع.. وهددتك وأغلقت الأبواب دونك حتى لا تنزلى.. إنه قلب الأم وأنتِ تعرفين ما هو قلب الأم لكنكما كنتما تتحديان بعضكما البعض.. هى تتحدى أن تقفزى من البلكونة.. وأنها لن تتركك تفعلين هذا وتفتح لك الباب.. لكنها أصرت وأنت أيضا.. وقفزت وكأن الميدان فاتح ذراعيه الحميمين ليحتضنك وأنت تبكين وتقولين لأمك: "سأذهب لأجل إخوتى"، وصعدت سور البلكونة ليختل توازنك وتسقطين وتموتين فى الحال. أحتسبك عند الله شهيدة فى يوم جمعة الغضب 28 يناير، سواء قضيت نحبك فى سوهاج أو التحرير، وكتب المؤرخون اسمك بحروف من ذهب على حائط الميدان الشاهد الأول على رحيلك المثير.. ووكالة "ناسا" التى وضعت اسمك على إحدى مركباتها المتجهة إلى المريخ.. وأطلقوا اسمك على أحد شوارع مدينة رام الله الفلسطينية! أى بشارة تلك؟