حكم مصر بين عامى 1848 و 1854، وهو ابن أحمد طوسون باشا ابن محمد على باشا، لم يرث عن جده مواهبه وعبقريته، ولم يشبه عمه إبراهيم فى بطولاته، بل كان قبل ولايته الحكم وبعد أن تولاه خلوًا من المزايا والصفات التى تجعل منه ملكًا عظيمًا يضطلع بأعباء الحكم ويسلك البلاد سبيل التقدم والنهضة ويصح اعتبار عهده عهد رجعية علمية، حيث وقفت حركة التقدم والنهضة التى ظهرت فى عهد جده. ولد فى جدة عام 1813 ثم انتقل لاحقًا إلى القاهرة، بذل جده محمد على شيئا من العناية فى تعويده ولاية الحكم، إذ كان أكبر أفراد الأسرة العلوية سنًا وبالتالى أحقهم بولاية الحكم بعد عمه إبراهيم باشا، فعهد إليه بالمناصب الإدارية والحربية، فتقلد من المناصب الإدارية منصب مدير الغربية، ثم منصب الكتخدائية التى كانت بمنزلة رئاسة النظار، ولم يكن فى إدارته مثلاً للحاكم البار بل كان له من التصرفات ما ينم عن القسوة، وكان يبلغ جده نبأ بعض هذه التصرفات فينهاه عنها ويحذره من عواقبها، ولكن طبيعته كانت تتغلب على نصائح جده وأوامره. بعد أن داهم الموت عمه إبراهيم باشا، استدعى إلى مصر ليخلفه على سدة الحكم تنفيذًا لنظام التوارث القديم، الذى يجعل ولاية الحكم للأرشد فالأرشد من نسل محمد، وتولى حكم مصر فى 24 نوفمبر سنة 1848. تولى الحكم لمدة خمس سنوات ونصف، وكان يبدو خلالها غريب الأطوار، شاذًا فى حياته، كثير التطير، فيه ميل إلى القسوة، سيئ الظن بالناس، ولهذا كان كثيرًا ما يأوى إلى العزلة، ويحتجب بين جدران قصوره، وكان يتخير لبنائها الجهات الموغلة فى الصحراء أو البعيدة عن الأنس، حيث بنى قصرًا بصحراء الريدانية والتى سميت من ذلك الحين باسمه، وكانت فى ذلك الوقت فى جوف الصحراء، كما بنى قصرًا آخر نائيًا فى الدارالبيضاء الواقعة بالجبل على طريق السويس ولا تزال أثاره باقية إلى اليوم، كما بنى قصرًا فى بنها على ضفاف النيل بعيدًا عن المدينة، وهو القصر الذى قتل فيه. أساء الظن بأفراد أسرته وبكثير من رجالات محمد على باشا، وخيل له الوهم أنهم يتآمرون عليه فأساء معاملتهم وخشى الكثير منهم على حياته فهاجر بعضهم إلى الأستانة والبعض إلى أوروبا خوفًا من بطشه، واشتد العداء بين الفريقين طول مدة حكمه، وبلغ به حقده على من يستهدفون غضبه إنه حاول قتل عمته "الأميرة نازلى هانم"، واشتدت العداوة بينهما حتى هاجرت إلى الأستانة خوفًا من بطشه، وقد سعى فى أن يغير نظام وراثة العرش ليجعل ابنه "إبراهيم إلهامى باشا" خليفته فى الحكم بدلاً من عمه محمد سعيد باشا ولكنه لم يفلح فى مسعاه، ونقم على عمه سعيد الذى كان بحكم سنه وليًا للعهد واتهمه بالتآمر عليه، واشتدت بينهما العداوة حتى أضطره أن يلزم الإسكندرية وأقام هناك بسراى القبارى. اتفق أفراد الأسرة على قتله، وتم ذلك فى قصره ببنها فى مثل هذا اليوم عام 1854م.