الجدل الأخير بشأن أحكام المحكمة الدستورية وتسييسها كشف بوضوح أن مؤسسة العدالة فى مصر "بعافية"، وأنها تحتاج إلى علاج جذرى لأنه من الخطورة بمكان أن تسقط هيبة القضاء فى ضمائر الناس، فقوام الوطن والمجتمع هو القضاء، والاطمئنان إلى وجود العدالة، والدول يمكن أن تحيا فى ظل اضطراب سياسى أو حتى اضطراب أمنى، ولكنها لا يمكن أن تحيا فى ظل غياب العدالة أو اضطرابها، وينبغى أن نعترف بأن حسنى مبارك نجح فى اختراق مؤسسة العدالة عن طريق بعض وزراء العدل الذين اختارهم بعناية وقاموا بعملية إفساد منهجى على مدار سنوات طويلة، شرحها باستفاضة المرحوم المستشار يحيى الرفاعى، رئيس نادى القضاة الأسبق، وقد كان مبارك يفعل ذلك فى معظم مؤسسات الدولة المؤثرة، يأتى على رأسها "بأسطى" محترف يحاول أن يحول تلك المؤسسة إلى "حظيرة"، وقد نجح فى بعض المؤسسات نجاحًا كاملاً، كما فعل فاروق حسنى فى مؤسسة الثقافة، وكما فعل حبيب العادلى فى المؤسسة الأمنية، ونجح جزئيا فى مؤسسات أخرى مثل القضاء، والحقيقة أنى أستغرب كثيرًا من أصحاب بعض الصوت العالى من النشطاء والإعلاميين والسياسيين الذين يظهرون تباكيا على القانون وسيادة القانون، رغم أنهم هذه الأصوات أول من يعرف أن القانون تحول فى بلادنا إلى "أستيك" بفعل التلاعب بسلطة العدالة والتعسف الشيطانى فى استخدام أدواتها، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد اعترفت على لسان نائب رئيسها المستشارة تهانى الجبالى، بأنهم قرروا إسقاط البرلمان من أجل أن يتيحوا الفرصة للمجلس العسكرى أن يشكل لجنة تأسيس الدستور بعيدًا عن التيار الإسلامى حسب ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز، وهو اعتراف علنى من المحكمة الدستورية لم تستطع إنكاره حتى الآن، وهو ما يتطابق مع الطريقة السريعة والمتوترة التى صدر بها الحكم، وكذلك مع التهديدات التى أطلقها رئيس الوزراء، قبل أشهر من الحكم أمام رئيس البرلمان بأن "حكم حل البرلمان فى درج الدستورية"، وأما فى مسألة تطبيق القانون وأحكامه فأنا أعتب على الزميل مصطفى بكرى، على سبيل المثال، تطاوله على رئيس الجمهورية، وقوله إنه يتعرض للحبس إذا امتنع عن تنفيذ حكم القانون، فالزميل مصطفى بكرى هو نفسه مدان قضائيًا وحكم عليه القضاء المصرى بالسجن سنتين فى قضية محمد على محجوب الشهيرة، وقد لجأ مصطفى بكرى إلى استئناف الحكم فرأت محكمة الاستئناف أن الإدانة مؤكدة فى حقه وحكمت بتأييد سجن مصطفى بكرى عامين، وكان يتوجب أن يدخل بكرى السجن ثم يقدم طعنه أمام النقض، ولكن النائب العام تركه حرًا انتظارًا لفصل محكمة النقض فى حكم حبسه، باعتبارها أعلى سلطة قضائية فى مصر، وفى محكمة النقض أكدت المحكمة بوجه القطع أن مصطفى بكرى مدان بالجرم المعروض وأن التهمة ثابتة فى حقه وأصدرت حكمها النهائى البات بتأييد حبسه عامين مع النفاذ، وحتى يومنا هذا لم ينفذ مصطفى بكرى حكم السجن المدان به، رغم مرور عشر سنوات تقريبًا، تحول خلالها حكم المحكمة بل المحاكم الثلاث بما فيها النقض إلى مجرد حبر على ورق، وكلام رخيص لا قيمة له، أو كما يقولون "بلوه واشربوا ميته" وعلى المتضرر من إهدار أحكام القانون أن يخبط رأسه فى أكبر حيط، وأنا كنت سأتفهم جدية الزميل مصطفى بكرى وتقديسه للقانون والمحاكم فى مطالبته الرئيس مرسى بالالتزام بحكم المحكمة إذا قام الزميل بتسليم نفسه إلى أقرب وحدة تنفيذ أحكام لتنفيذ حكم القضاء المصرى بحبسه عامين مع النفاذ، وأظن أن كلنا يعرف أن هناك أمرًا قضائيًا بضبط وإحضار المستشار مرتضى منصور قبل عدة أشهر، والمحكمة ما زالت سارية وتنظر القضية، وتحول أمر القاضى وقرار المحكمة إلى "نكتة" لأن مرتضى منصور يلهو الآن مع أصدقائه وأهله وأنصاره، وطظ فى أكبر محكمة فيكى يا مصر، ولا تجرؤ أى قوة على تنفيذ أمر المحكمة بضبط مرتضى منصور وإحضاره، والشيخ حافظ سلامة بطل ملحمة السويس فى حرب أكتوبر يحمل فى حقيبته الصغيرة حكمًا من المحكمة الإدارية العليا، نهائيًا وباتًا ونافذًا بمسودته، يقضى بتسليمه مسجد النور كاملاً باستثناء المصلى، وما زال الحاج حافظ يوزع صورة الحكم على الصحفيين والحقوقيين طوال أعوام مديدة لكى يذكرهم بأن هناك حكمًا نهائيًا من أعلى محكمة إدارية ولم يجد من ينفذ الحكم، فما زالت الحكومة المصرية من فرط احترامها للقانون والمحاكم تحتفظ بسيطرتها على مسجد النور رغم أنف مجلس الدولة وأحكامه، وتحول نص الحكم الذى يحمله الحاج حافظ إلى تذكار جميل بأن فى مصر محاكم وأحكام. [email protected]