إن كان فخامة رئيس جمهورية مصر الدكتور محمد مرسى فجر بقراره حول مجلس الشعب، الشارع المصرى، فلدينا فى راهن الآن تفجير فى الشارع السعودى من قبل شبكة (mbc)، فلغط شديد وتأزّمٌ حادّ يصبغان المشهد الفكرى والإعلامى هذين اليومين، والتراشق بين طلبة العلم والدعاة وصل للطعن فى النيات، وتخوين من أجاز مسلسل (عمر بن الخطاب). أنتظر هذا الموعد – بمناخه الأسود - كل آخر أسبوعين من شهر شعبان فى الأعوام الستّة الفارطات، مع تلكم الإعلانات عن المسلسلات التى ستعرضها الأقنية العربية فى رمضان، وقد جعلت من هذا الشهر الفضيل موسماً تتنافس فيه لاستعراض أهمّ برامجها. شبكة (mbc) أعلنت عن مسلسل (عمر بن الخطاب)، وقامت الدنيا ولم تقعد، فإن شهدنا العام الفارط لغط مسلسل (الحسن والحسين) فإننا فى هذا العام، شهدنا احتجاجاً أقوى؛ فالتجسيد طال صحابياً عظيماً، من العشرة المبشرين بالجنة، وانطلقت الفتاوى شديدة التحريم حيال هذا المسلسل، ربما كان أبرزها فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك - أمدّ الله فى عمره - الذى قال فيها: "إن علماء العصر المعتبرين من أعضاء المجامع الفقهية وغيرها أجمعوا على تحريم تمثيل الصحابة رضى الله عنهم، وذلك للمفاسد الكثيرة المترتبة على ذلك". وأفتى بأنه: "يشترك فى الإثم كل من له أثر فى صناعة المسلسل وترويجه، من كاتب ومخرج وممثل ومموِّل وناشر، وأولى منهم بالإثم صاحب فكرة المسلسل، وهكذا من يقرّه وهو قادر على منعه". والدنا مفتى عام المملكة، استنكر فى خطبته الأخيرة تجسيد فاروق الأمة عبر ممثل، واعتبر أنّ هذه المسلسلات: "لا تجلب ولا تقصد خيراً، مهما قال من أعدّها ممن يدّعون التنوير الفكرى"، بل ووصف سماحته أن: "الفكرة خاطئة والأشخاص الذين تبنوها مخطئون وضالون، لأنهم لو أرادوا الحقّ لترجموا سيرة الفاروق ونشروها". دعوت فى مقالات قديمة تمتد لعشر سنوات لخوض الدعاة وأصحاب الحسّ الرسالى من رجال أعمالنا ميدان (الدراما)، والاستثمار فيه، كى نصوغ تلك المسلسلات والأفلام بذائقتنا المحافظة، لما لها من قوة أثر فى مشاهديها، فضلاً عن إقبال الأجيال الجديدة عليها؛ كونها أضحت مصدر تثقيف ومعرفة وتسلية بالنسبة لهم.. هذه الدعوات من مثلى – وغيرى - لم تلق الاستجابة المؤملة، بسبب موقف العلماء من قضية التمثيل أصلاً، إضافة لمسألة تجسيد الصحابة فى التمثيل، التى تبدو أصعب، رغم أنّ فيها خلافًا بين العلماء.. صحيح أنّ أكثرهم مع تحريم هذا التجسيد لصحابة عظام، لكن يقابلهم أسماء مثل الشيخ عبد الله بن جبرين - يرحمه الله - ويوسف القرضاوى ومحمد الددو وأحمد الريسونى وسلمان العودة، وقيس المبارك وغيرهم من العلماء، الذين لهم رأى بالجواز. أهمّ الأسباب – برأيى- لهذه الهجمة الحادة، التى طالت النيات؛ عدم اطمئنان العلماء للجهات والشبكات التى تنتج أمثال هذا المسلسل، وأنّ القضية فى نهايتها تجارية، وقال بذلك صراحة الدكتور عبد الصبور شاهين: "إنّ من ينتجون هذه الأعمال ليسوا من المؤمنين الصادقين، ولكنهم جماعة من المرتزقة الذين يريدون استثمار سيرة الصحابة من أجل مكاسب مادية فى ظل الهجمة التى يتعرض لها الإسلام ورموزه". الموقف الحاد من المسلسل يذكرنى بموقف علمائنا الأجلاء من الفضائيات فى التسعينيات الميلادية، عندما وُصم من يقتنى (الدش) بأنه معدوم الغيرة، وتأملوا فى السيرورة المجتمعية - الماضية أبداً - فى حاضر اليوم، تجدون أن فى بيوتات العلماء تلفازًا – إلا من رحم الله - وبالتأكيد تلك المحتوية على القنوات الإسلامية، ما يدعونى لتوجيه نداء صادق من محبّ للخير والفضيلة وروح المحافظة لسادتى العلماء المعترضين، بألاّ يكررّوا ذات السهو، إذ بموازاة هذا التحريم الذى صدر، ليت ثمة نداء وترغيبًا منهم لتجارنا الغيورين بالدخول فى هذا الميدان والاستثمار فيه، وإنتاج دراما محافظة تنضبط بالضوابط الشرعية، التى يراها غيرهم من العلماء المجيزين، لأن العجلة لن تتوقف فى هذا الميدان. ودعوة والدنا سماحة المفتى- يحفظه الله - إلى تدوين سيرة عمر؛ هى دعوة فى محلها، ولكن الكتب تملأ الأرفف سماحة الوالد، ونحن إزاء جيل لا يقرأ كثيراً، وذائقته تتمثل فى الصورة البصرية هذه، ويقبل بكليته على الأفلام وما تعرضه الأقنية، إضافة إلى أنّ مثل هذه الدراما، التى لو أنتجت بمعاييرنا الشرعية لاستطعنا ترجمتها لشعوب العالم، وتقديم رموزنا وقيمنا عبر قصص مشوقة يكتبها محترفون، برسالية نؤكد عليها، سيكون لها من التأثير أضعاف ما هو حاصل الآن. الفوائد التى نجنيها من دخولنا ميدان الدراما لا تحصى، وهى باتت صناعة كبيرة، وربما ستذعن شبكة (mbc) وتوقف المسلسل، ولكن ثقوا بأنّ العام المقبل سيشهد شبكات غيرها، ستدخل الساحة بثقلها ولن ترعوى، بل إن دولا لها قراءات محرّفة لأحداث تأريخنا ورموزنا من الصحابة، كإيران المتقدمة فى هذا المجال، ستصوغ رؤيتها للتاريخ بمنظارها الصفوى وتقدمه للعالم، فيما نحن نخوّن ونطعن فى بعضنا بعضًا. خذوها – سادتى العلماء - من إعلامى: التحريم وحده لن يوقف العجلة، والحلّ بالمزاحمة.