سجّل الأديب والكاتب العالمي نجيب محفوظ انطباعاته عن رحلته الأولى خارج مصر، إلى يوغوسلافيا في أغسطس 1959 ، والتي جاءت كانطباعات قصيرة، وجمل مختصرة، ورؤوس لموضوعات ربما كان يجهزها للكتابة بشكل أكثر تفصيلًا، أو ربما لكي تدخل في مَشاهد أعماله الأدبية في ما بعد. محفوظ غادر مصر ثلاث مرات، إلى يوغوسلافيا لأسباب وظيفية، وإلى اليمن بأوامر عسكرية، وإلى لندن في رحلة علاج. كان سفر محفوظ إلي يوغو سلافيا بقرار من عبد الناصر، وقد انزعج نجيب عندما علم بالقرار، وذهب إلى "عبد المنعم الصاوي" ، قائلا له: هل هذا الكلام حقيقي؟ أم ما الحكاية؟فقال لي: أنت عاوز تتحدى عبدالناصر؟ بعد عودته من الرحلة أجرت معه «الأهرام» وقتها حوارًا قصيرًا، قال فيه إنه أُعجب بقبر الجندي المجهول في أعلى قلعة «فالا»، وقد ظنه في بادئ الأمر مقبرة فرعونية، ثم عرف بعد ذلك أنه من تصميم مَثّال يوغوسلافيا الأول «إيفان ميشتروفيتش»، وقد خصصوا له متحفًا يضم آثاره، وهو متأثر جدًّا بالفن الفرعوني. كما قص نجيب محفوظ قصة طريفة حدثت معه في يوغو سلافيا : "أننا كنا نسير باتجاه الفندق بعد أن أنهينا سهرتنا، حيث فوجئنا بصوت يناديني باسمي ، فقال لي عبد المنعم الصاوي: هل أنت معروف هنا أيضًا" ؟ وأضاف أنه كان من ينادينا أديب يوغوسلافي مسلم اسمه" محمد " ، وقد كان في زيارة للقاهرة وأراد مقابلتي وعرف عنواني في العباسية، ووصل إلى بيتي، والدتي فتحت شُرّاعة الباب فوجدت شخصًا تصورته إنجليزيًّا، فأغلقت الباب وقالت لي ما حدث. وأوضح في روايته أن الرجل اليوغوسلافي ألقى ورقة كَتب فيها : أنه يريد مقابلتي في شارع "صبري أبو علم" في وسط مدينة القاهرة، وحدد لي محلًّا يوغوسلافيًّا، وكان يريد أن يستأذنني ليترجم لي (زقاق المدق)، واتفقت معه أن يترجمها». وأكد أن الرجل غاب فترة ثم أرسل لي خطابًا مؤثرًا، قال لي إنه كان يتوقع أن تكون كتاباتي إسلامية، لكنه فؤجئ أن في الرواية خمارة ونساء، مما جعله متألمًا واعتذر لي. وفي سرد الحكاية أوضح أنه : بعد أن صافحني الرجل وتحدثنا قليلًا، سأله أحد رفاقي: هل يمكن أن تدلنا على ملهى ليلي؟ فقال الرجل: لأجل خاطركم سأدلكم، ولكن لن أذهب إلى هناك لأني رجل متدين. يذكر أن الرئيس اليوغوسلافي "تيتو" أحد ملهمي حركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث، وأحد داعمي القضية الفلسطينية، حتى أنه دعم فلسطين بفوج من المقاتلين الكروات للقتال جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين في حرب 1948، وفقًا لما أظهرته في ما بعد وثائق من أرشيف الحزب الشيوعي اليوغوسلافي، وقطع كذلك كل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل خلال حرب 1967.