أظن أننا الآن أحوج ما نكون أن ندرس عن قرب تجارب الدول، التى سبقتنا فى النهوض، وأن نقترب أكثر مرة ثانية من تجربة البرازيل التى تمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة، فاستطاعت فى سنوات قليلة من تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع وصل إلى 7% هذا العام، وناتج محلى إجمالى يقارب 2 تريليون دولار، مكنها من أن تنافس على المركز الخامس كأقوى اقتصاد فى العالم- حسب تقدير البنك الدولى- ولكنها فى نفس الوقت تمكنت من تحقيق الرفاهية والعيش الكريم للمواطن البرازيلى، فبدءاً من العام 2003 خرج من تحت خط الفقر أكثر من 20 مليون برازيلى، وارتفع دخل الفرد أكثر من 30%، والأهم من ذلك.. أن فرص العمل قد توفرت للشباب بشكل واضح، وهو ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى أقل من 7%. الروح التى تسود البرازيل الآن؛ هى روح التحدى، والإصرار على الوصول لأعلى مراتب النجاح، يعلم البرازيليون أن لديهم نقاط ضعف، ولكنهم يسعون بقوة لتداركها وتحويلها لنقاط قوة، نجح الاقتصاد البرازيلى سريعا لأنه استطاع أن يوازن بحذر بين اقتصاد السوق المفتوح، وبين الرقابة الحكومية على الأسواق، ولذلك فإن تبعات الأزمة المالية العالمية، لم تنتقل إلى النظام البنكى البرازيلى، كما ترجع قوتها أيضًا إلى اعتمادها على مقومات الاقتصاد الحقيقى (الصناعة والزراعة)، ففى السنوات القليلة الماضية أصبحت البرازيل سلة الغذاء الأولى، واحتلت المركز الأول عالميًا فى تصدير البُن والسكر والقطن والصويا والطيور والأبقار والبرتقال والتبغ والإيثانول، وربما أصبحت البرازيل تصدر كل شىء حاليًا، بما يزيد عن 220 مليار دولار، خذ عندك مثلاً مصانع "امبرير" لصناعة الطائرات، التى أصبحت تحتل المركز الثالث عالميًا بعد "بوينغ" و"ايرباص" حيث تتوقَع الشركة أن تبلغ مبيعاتها 700 طائرة عام 2015م، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فشركة "فال" البرازيلية هى القوة الأكبر عالميًا فى صناعة الحديد، كما أن مؤسسة "بيتروباس" وهى المجموعة البترولية البرازيلية، تعد الآن المؤسسة الأكثر ربحية فى أمريكا اللاتينية، بعدما قامت بتدشين أكبر عملية اكتتاب فى العالم؛ من خلال بيع أسهم جديدة بقيمة تقارب 70 مليار دولار أمريكى. من المهم أن نتذكر أول برامج "دا سيلفا" للإصلاح والتنمية الذى سماه "الفقر صفر"، فمزج ببراعة بين سياسة اقتصادية تتفهم متطلبات السوق من جهة، وسياسة اجتماعية وضعها الرئيس بنفسه، حيث بدأ فى استثمار أكثر من 285 مليار دولار فى قطاعات النقل والطاقة ومشاريع الإسكان، بالإضافة إلى عشرة مليارات أخرى لتحسين الصحة والتعليم، وكان فى غاية الذكاء عندما عين "هنريكى ميريللى" الذى كان يرأس بنك «بوسطن» على رأس البنك المركزى البرازيلى، فى إشارة واضحة إلى أنه لن يبدأ رئاسته بعداء مع البنك الدولى، وبعد أن كانت ديون البرازيل الخارجية لصندوق النقد تزيد على 220 مليار دولار، احتفل البرازيليون منذ 3 أعوام بإعلان البنك المركزى البرازيلى أن الدولة أصبحت للمرة الأولى فى تاريخها دولة «دائنة»، وذلك بعد أن زادت أصولها فى الخارج عن ديونها الخارجية، وأصبحت اليوم تملك أكثر من 200 مليار دولار من النقد الاحتياطى. كثيرة هى الدروس المستفادة من التجربة البرازيلية.. إن كان "لولا داسيلفا" قد ضرب لنا المثل فى تحقيق النجاح فى فترة قياسية وبإمكانيات بسيطة، فإنه فى نفس الوقت قدم الدليل على أنه متى توفرت الإرادة السياسية، والرغبة الجادة فى تحقيق الإنجاز، وتوحدت الرؤية لدى القيادة والشعب، فلا يوجد هناك مستحيل، من شأن هذه التجربة أن تمنحنا الكثير من الأمل.. فلدينا من الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهلنا لنحقق نفس الإنجاز، بل ونتفوق على البرازيل. [email protected]