عمت الفرحة وانتشرت بين مختلف أوساط الشعب المصري عقب إعلان فوز السيد الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية, في أول انتخابات حقيقية لاختيار رئيس الجمهورية بالاقتراع الحر المباشر بإرادة شعبية كاملة دون وصاية من سلطة داخلية أو خارجية تمارس ضغوطا على الشعب لاختيار رئيس يتناسب مع سياستها وأجندتها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. ولقد أثبت المصريون, بصورة حضارية أبهرت العالم أجمع من خلال تجربة فريدة رائعة حين خرجوا بالملايين من كل الطوائف والفئات العمرية والأطياف السياسية للتعبير عن رأيهم بكل حرية أثبتوا انهم شعب عريق ولديهم وعي كامل بحقوقهم السياسية ولكن حينما تٌتاح له الفرصة والحرية الكاملة لممارسة هذا الحق, على عكس ما كان يردده نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بأن هذا الشعب لم ينضج بعد وأنه لازال يفتقد الوعي السياسي ويتسم باللامبالاة وعدم الاكثراث إلا للتفاهات وصغائر الأمور. فلقد تحمل الملايين قيظ الصيف والحرارة الشديدة والوقوف لساعات طويلة من أجل الإدلاء بأصواتهم في طوابير طويلة تختلف كثيرا عن تلك الطوابير التي اعتاد عليها المصريون في العهد الغابر(حيث طوابير الخبز واسطوانات البوتاجاز, وغيرها من الطوابير). إن الشعب قد سئم الأساليب القهرية والأنظمة الحقيرة التي كانت تحكمه والتي وصلت به إلى هذا المستوى من التدني والتقهقر واللاقيمة أحيانا بين كثير من دول العالم, كما أن الشعب يريد من هذا الاختيار الجديد طي صفحة الماضي بكل ما اشتملت عليه من عيوب وتهميش لدور الشعب وكذلك لسد الطريق على من يريدون العودة به إلى مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير ولتجربة واختبار دماء جديدة وشخصية لم يجربها من قبل والتي يأمل في أن تسعى هذه الشخصية الجديدة المتمثلة في شخص السيد الرئيس لحل مشاكله المختلفة والتي لم يجد لها حلا طوال تلك السنوات العجاف من حكم النظام السابق, ومن ثم فقد اختار الشعب ممثل الثورة الذي يسعى لإحداث تغيير حقيقي وليس تغييرا شكليا من أجل الحفاظ على كل مكتسبات ثورته وإعادتها إلى مسارها الطبيعي واستكمال مطالبها, كما أن الشعب يعلق أمالا عريضة على اختياره أملا في تحسين أوضاعه وحل مشكلاته المتفاقمة والرقي بمستواه المعيشي والدفاع عن قضاياه على كافة المستويات. ومن أبرز ما يدعو للتفاؤل بهذا الاختيار ارتفاع أسهم البورصة المصرية في اليوم الأول من فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئاسة إلى حد لم تصل إليه منذ عام 2003 وهو ما يُعد ثاني أكبر ارتفاع تسجله البورصة في تاريخها بسبب شعور المتعاملين بحالة من الاستقرار في الشارع السياسي. وإنني أنتهز الفرصة لتهنئة كل المصريين بالرئيس الجديد, وأشد على يدي سيادة الرئيس وأذكره بصعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد والتي تقع بكل مشكلاتها على عاتقه وفوق كاهله. وأذكره كذلك بوعوده أن يكون رئيسا لكل المصريين وأن يبدأ بالمصالحة الوطنية مع المعارضين قبل المؤيدين وأن يفتح ذراعيه لأبناء وطنه جميعا. وعلى أي حال فإن هذا الاختيار هو في حقيقة الأمر تكليف وليس تشريفا كما يظن البعض. ومن ثم فإننا نشفق عليه في هذه الفترة العصيبة وندعو الله له بالتوفيق والسداد. وندعوه بأن يسرع بتشكيل حكومة ائتلافية تكون على قدر المسؤولية. وكذلك الاسراع بزبارة أهالي الشهداء لإدخال السرور عليهم ولكي يشد من أزرهم .وليعلم سيادته بأن الطريق ليس مفروشا بالزهور والرياحين وإنما هناك الكثير من العقبات والعراقيل التي قد تعترضه خلال مسيرته لتحقيق مهامه ومشروعه النهضوي. ولابد أيضا أن يستشعر جميع المواطنين خطورة المرحلة التي نحن فيها ولذا فعليهم التوافق فيما بينهم وتحكيم العقل والسمو فوق أهوائهم ومصالحهم الشخصية والاجتماع على كلمة سواء من أجل بناء مستقبل مشرق يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة والوصول بها إلى مكانتها التي تستحقها, فقد كانت مصر دائما قاطرة النهضة ومهد الحضارة ولابد أن تعود كما كانت إن لم يكن أفضل. وليعلم الجميع أن وقت الكلام والشعارات الجوفاء قد ولى ومضى زمانه, والأن دقت ساعة العمل الجاد ولذا فلابد من البحث عن سبل وأفاق أوسع للتعامل مع القضايا المختلفة والمشكلات المتعددة التي يعاني منها المجتمع المصري وعلى رأسها تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد ثم مشكلة الانفلات الأمني الذي يُعد حجر الزاوية في هذه المرحلة ومشكلات التعليم والصحة والبحث العلمي وغيرها من المشكلات. ولابد أن يدرك الجميع أنه لا مكان للمتقاعسين أو الكسالى أو الباحثين عن منافع خاصة كما كان يحدث في ظل النظام السابق. كذلك يتوجب على الجميع أيضا السعي بكل جد واجتهاد والتكاتف لتحقيق مطالب الثورة وعلى رأسها الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد الشعب في المعاملات دونما تمييز أو تفريق بين فصيل دون أخر, كما يجب أن ينحي كل منا أفكاره وأيديولوجياته الخاصة وأن يضع مصلحة هذا الوطن على رأس أجندته وضمن أهم أولوياته. ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله العلي القدير أن يوفق الجميع للعمل لصالح مصر وأبنائها والخروج بها من أزمتها الحالية وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها ومابطن وأن يرحم شهداءنا الأبرار. * صحفي مصري مقيم في دبي