قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة مفاجئة لسوريا أمس، الإثنين، في إطار جولة سريعة في الشرق الأوسط، كما التقى بوتين، الذي توقف أيضًا في مصر وتركيا، القادة، والتقط صورًا معهم، وعقد صفقة ضخمة في مجال الطاقة، ولكن كل هذا ليلعب دور الرئيس ذي التأثير الدولي، حيث لعب "بوتين " دور الشريك الرصين، والذي يمكن الاعتماد عليه، بعدما أثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غضب المنطقة. هكذا استهل موقع "واشنطن بوست"، مقاله الذي أكد أن الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، يحل محل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في المنطقة، مستغلًا تخبط الأخير خاصة بعد إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، بينما تتنامي ثقة دول الشرق الأوسط بعد أن تمكن "بوتين" من هزيمة "داعش" في سوريا. وأعلن "بوتين "في القاهرة، عن استئناف الرحلات التجارية الروسية المباشرة إلى البلاد للمرة الأولى منذ تفجير الطائرة الروسية في عام 2015، كما تطرقت المناقشات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حول توقيع اتفاقية روسية لإنشاء محطة طاقة نووية بقيمة 30 مليار دولار، فضلاً عن اتفاق محتمل للقوات الجوية الروسية لاستخدام القواعد المصرية. وفى أنقرة التقى "بوتين"، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمرة الثامنة في عام 2017 وهو دليل آخر على مدى تحسن العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ منذ اغتيال السفير الروسي في تركيا، وبعد أن أسقطت القوات التركية طائرة مقاتلة روسية، منذ سنيتين. والتقى بوتين بالرئيس بشار الأسد في زيارته الأولى للبلاد منذ أن أذن بالتدخل العسكري الروسي عام 2015 في سوريا، وأعلن فوزه على داعش وأيضًا عن انسحاب قريب للقوات الروسية. وقال "بوتين"، في كلمة ألقاها في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية السورية: "في غضون عامين، هزمت القوات المسلحة الروسية والجيش السوري، أكبر مجموعة إرهابية دولية مسلحة، لقد اتخذت قرارًا بأن جزءًا كبيرًا من الوحدة العسكرية الروسية المتواجد في سوريا سيعود إلى بلاده، إلى روسيا". هناك الكثير من الشكوك حول ما يمكن أن يضيفه "الجزء المهم" للوضع في سوريا، ولكن لا يزال هذا الوقت يقدم لروسيا فرصة للتباهي بمدي فعالية مشاركتها في سوريا - بغض النظر عن عدد المدنيين الذين قتلوا بسبب الضربات الجوية الروسية خلال السنتين الماضيين. وكان يرى النقاد إبان التدخل الروسي في سوريا، أن موسكو ستقع في مستنقع، ولكن بعد عامين أثبت "بوتين" أمرين أن روسيا تقف بجانب أصدقائها، وأنها يمكن أن تعرض قوتها خارج أوروبا الشرقية. وكتبت جوليا إيوف صحفية مجلة "ذا أتلانتك" في تغطية حديثة عن إستراتيجية بوتين: "مع تراجع دور أمريكا التقليدي في الشرق الأوسط، وسعت روسيا من دورها هناك، وقدمت عرضا مثيرا لمحاربة الإرهابيين الإسلاميين نيابة عن المسيحية الغربية المترددة". وعلى سبيل المقارنة، كافحت إدارتان أمريكيتان متعاقبتان من أجل إرساء سياسة متماسكة في الشرق الأوسط، وينتقد الكثيرون من مختلف الأطياف إدارة أوباما لنقده الزعماء العرب الأقوياء، الذين دائمًا ما كانوا حلفاء الولاياتالمتحدة التقليديين قبل الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية في عام 2011، وأيضًا لفعل القليل لإسقاط الأسد بعد التمرد عليه في سوريا. وقال بول سالم، من معهد الشرق الأوسط ل"ورد فيو"، إن إدارة أوباما، نتيجة اللامبالاة التي اتبعتها، قدمت الكثير من الفرص لروسيا، ومع هذه الإدارة الحالية، مع رئيس مؤيد فعليًا لروسيا، وفإن الروس يقومون بدورهم بصورة جيدة". ومن المفارقات أن ترامب - الذي دائمًا ما ينتقد تاريخ الحروب الأمريكية في المنطقة - قدم عرضًا كبيرًا بعدما أطلق صواريخ على أحد المطارت السورية التابعة للنظام بعد أن نفذ نظام الأسد هجومًا بالأسلحة الكيميائية على المدنيين في وقت سابق من هذا العام، ولكن منذ ذلك الحين، لم يبدِ اهتمامًا كبيرًا في سوريا بعد تنفيذ المراحل الأخيرة من الحملة التي بدأها أوباما ضد تنظيم داعش، والتي شملت إعادة الاستيلاء على مدينة الرقة مؤخرًا، وأوقف ترامب دعم الولاياتالمتحدة السري للثوار المعتدلين في سوريا. ومن المرجح أن آخر تحركات ترامب لن تساعد في تحسين وضع الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، إذ إن "بوتين" وقف بجانب أردوغان، مستفيدًا بالضجة التي أحدثها قرار "ترامب" بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدًا أن قرار "ترامب" لا يساعد على تسوية الأمور في الشرق الأوسط، بل إنه يساهم في زعزعة استقرار الوضع المتأزم هناك". وكشف استطلاع رأي "بيو" الذي أجري هذا العام بين الناس في عدد من بلدان المنطقة، بأن 64% يرون أن روسيا مؤثرة أكثر في شئون الشرق الأوسط مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من هذا الوقت، التصور الذي قد بتنامي في الأشهر المقبلة، وتستفيد منه روسيا بصورة جيدة. وقالت الأكاديمية التركية تالها كوس في صحيفة "دايلي صباح" الموالية لأردوغان "بالنسبة للعديد من العناصر الإقليمية فأن الوجود المتزايد لروسيا بات أكثر جاذبية حتى يكون مصدر لبعض التوازن، مضيفة أن التحركات غير المنتظمة التي تقوم بها إدارة ترامب مثل إعلان القدس مؤخرا عاصمة لإسرائيل لن تؤدي إلا إلى تسريع تراجع نفوذ الولاياتالمتحدة وتمهيد الطريق لموسكو". وتابع الموقع: أن الروس لا يريدون حربًا باردة جديدة لكنهم يريدون أن ينالوا فرصهم لتوسيع نفوذهم في الشرق الأوسط وممارسة دور القوة الدولية، وستشمل جهودها الرامية إلى ذلك تصدير الأسلحة والطاقة النووية السلمية – كما هو الحال في صفقة مع مصر – وفتح أفق جديدة لإمكانية الحصول حقول الضخمة من الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقال ستيفن بلانك، من مجلس السياسة الخارجية الأمريكي المحافظ: "لدى موسكو إستراتيجية، وتسعي إلي تنفذها من خلال اتباع سياسات ومدروسة جيدًا والتي عززت بنجاح موقفها ليس فقط مع إيران ولكن أيضًا مع حلفائنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.