الحدث السياسي الأهم والأخطر اليوم هو إعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الوزارة اللبنانية ، والحقيقة أن المهم ليست الاستقالة في حد ذاتها ، وإنما مكانها وتوقيتها وأيضا صياغتها ، وقد شاهدت الفيديو الذي أعلن فيه الاستقالة والتي كتبت بدقة واضحة وكلمات محسوبة ، فإعلان الاستقالة من المملكة العربية السعودية يعني بوضوح أن الرياض تدعم موقف الحريري الجديد ، وهذا ما يضفي المزيد من القوة والأهمية للاستقالة ، بما للمملكة من ثقل سياسي وديبلوماسي في المنطقة ، أيضا إعلان الاستقالة في ظل الأجواء الملتهبة بين المملكة وإيران ، وفي ظل التصريحات القوية من وزير الدولة السعودي لشئون الخليج العربي ثامر السبهان ، والتي كانت تحمل انتقادا صريحا لإيران وتهديدا لذراعها في لبنان "حزب الله" وأن هذا الذراع لا بد أن يقطع ، كذلك إعلان الاستقالة بعد يوم واحد من زيارة علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي إلى بيروت ، والتي أعلن منها تصريحات خشنة وتصل إلى حد البذاءة السياسية بإعلانه عن خطط إيران للتوسع في سوريا ونيتها الدخول إلى الرقة وطرد الأكراد منها ، لقد بدا كما لو كان مندوبا لقوة استعمارية كبرى تتحدث عن مناطق سيطرتها وإدارتها ، وهي تصريحات أكبر من أن يتحملها أي بلد له كرامة أو هامش سيادة ، أيضا نص خطاب الاستقالة في حد ذاته كان يشبه إعلان حرب ، لأنه تحدث عن جرائم إيران في المنطقة ورغبتها في التخريب وتدمير العالم العربي ، كما تحدث عن دور حزب الله في تنفيذ الخطط الإيرانية في المنطقة ، وهاجم حربه ضد الشعب السوري ومؤامراته ضد الخليج العربي ، وردد عبارة قطع تلك الأذرع الإيرانية أكثر من مرة ، إضافة إلى حديثه عن أنه عرف بنوايا تذهب إلى اغتياله كما اغتيل والده رفيق الحريري من قبل . حديث الحريري عن أن حزب الله فرض واقعا جديدا على لبنان بقوة السلاح ، وأنه تحول إلى دولة داخل الدولة ، وأن سلاحه الذي اكتنزه بدعوى أنه سلاح المقاومة تحول إلى سلاح للهيمنة على القرار السياسي في لبنان وإخضاع الآخرين والتدخل في الحرب الأهلية السورية وقتل الشعب السوري ، كل ذلك ليس معلومات جديدة اكتشفها ، والجميع يعرف ذلك ويتعايش معه بما في ذلك الحريري نفسه ، الجديد هنا أن يعلن الحريري التمرد على هذه الوضعية وأنه آن لها أن تنتهي وأن تقطع ذراع إيران في لبنان ، وبطبيعة الحال لا يملك الحريري وحزب المستقبل الذي يرأسه تلك القوة التي يقطع بها أذرع إيران ، أو حتى يخوض بها صراعا دمويا ضد حزب الله ، وإنما هو يتحدث عن ما يعلمه أو ربما يستشعره من ترتيبات جديدة لمعادلات جديدة ، سيتم فرضها بالقوة في لبنانوسوريا . طوال الأسابيع الماضية وهناك تحركات إقليمية ودولية تعطي الانطباع بأن حدثا مهما قد يقع في المنطقة بين لحظة وأخرى ، ولغة العنف والتهديد اتسعت وتزايدت ، كما أن الفراغ من "فقاعة" داعش في العراقوسوريا بسرعة ، وتبخر وجودها في المدن العراقية والسورية التي كانت يسيطر عليها ، وتبعثر ما تبقى من قواتها في الصحراء أو مناطق مهمشة يعني زوال الخطر العسكري منها بصورة شبه تامة ، وهو ما يعني أن الخطط الدولية والإقليمية المتعلقة بأحداث المنطقة سوف تنصرف إلى "الترتيبات الأخيرة" للوضع السياسي في سورياوالعراقولبنان ، ولا أتصور أن استقالة سعد الحريري وصيغتها بعيدة عن هذه الترتيبات . استقالة الحريري بصيغتها الحالية ، وإعلانه أنه مستهدف للتصفية الجسدية ، تؤكد أنه سيبقى خلال المرحلة المقبلة خارج لبنان ، ربما في السعودية وهو الأرجح أو في بلد آخر ، لا يمكن للحريري بعد تلك الكلمة الكاشفة والصريحة أن يعود إلى لبنان ، وتبقى استقالته اليوم بكل تأكيد إشارة إلى أن حدثا كبيرا قد اقترب . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1