في الوقت الذي لم تهدأ فيه حدة الجدل حول دعوة المهندس عاصم عبدالماجد، القيادي ب "الجماعة الإسلامية"، التي يطالب فيها بإخراج "الإخوان المسلمين" من المشهد السياسي، تفجر جدل مماثل حول دعوة للدكتور إبراهيم الزعفراني القيادي المستقيل من الإخوان المسلمين، للجماعة بأن تتخلى من المنافسة على السلطة، والخروج من المشهد السياسي، والرجوع مرة أخرى إلى الدعوة. وناشد الزعفراني، الدكتور محمد بديع، المرشد العام ل "الإخوان" في رسالة نشرها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن يعلن خلال حضوره جلسات محاكمته بأن "رسالة جماعة الإخوان المسلمين الرئيسية هي في بناء المجتمع وتهيئته للمستوى الذي يأمله من الحياة الحرة الكريمة والخلق القويم والالتزام بتعاليم الدين الحنيف". وحث الزعفراني، الذي انسحب من "الإخوان" قبل سنوات، الجماعة على "الانسحاب الطوعي من المنافسة على السلطة، دونما إخلال بدور الجماعة الوطني في الوقوف مع وخلف كل أبناء مصر المخلصين والقيادات الوطنية الشريفة الساعية لتخليص البلاد من الظلم والدكتاتورية، وإقامة دولة العدل والحرية واسترداد حقوق كل من ظلموا". وأثارت دعوة الزعفراني جدلاً داخل "الإخوان" وفي أوساط الداعمين لها. وقال عباس قباري، منسق عام حركة التقييمات في جماعة الإخوان، إن المعادلة في مصر الآن التي تسير وفقها الأحداث هي معركة بين ثورة قامت وتخلى عدد كبير من أبنائها وبين ما اسماه "انقلاب" يستعيد ما فقده. فيما اعتبرت، الإعلامية آيات عرابي، عضو "المجلس الثوري المصري"، أن "دعوة الزعفراني ما هي إلا تخلي عن الرئيس الأسبق محمد مرسي وان يصبح الإخوان المسلمين دراويش ولاعلاقة لهم بالسياسة". وانتقدت عرابي، دعوة الزعفراني، قائلة إنها "محاولة منه لفصل الدين عن الدولة"، وتساءلت: لماذا دخل الزعفراني في السياسية عقب ثورة يناير 2011 رغم قناعته بفصل الدعوة عن العمل السياسي؟
غير أن الزعفراني أوضح أنه لا يقصد من إعلان مرشد "الإخوان" التخلي عن السلطة والابتعاد عن المشهد السياسي أن يتم توجيهها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، لأن "معركته على السلطة هي صفرية بالنسبة له". وأشار إلى أن الإخوان ستكون موجهة إلى العديد من أفراد وطبقات الشعب والذين يخافون عودة الإخوان للحكم، "ولذلك فهم مستمرون في مناصرة السيسي، والفائدة من التوجه لهؤلاء هي إزالة تخوفهم وتخليهم عن مناصرة النظام الحالي". ولفت إلى أن الدعوة ستكون موجهة لحكام بعض الدول الإقليمية والمحلية والدولية التي أزعجها وصول الإخوان للحكم، وبادر بعضهم بتأييد النظام بالدعم المادي، ولا يزالون مستمرين في دعمهم له "رغم ما يحققه من فشل وسوء إدارة للبلاد". وأوضح أن الهدف من ذلك "تبديد مخاوف هؤلاء من عودة الإخوان واطمئنانهم لكراسيهم ومصالحهم وتحويل تفكيرهم لعلهم يرون ضرورة إيجاد بديل عن السيسي يستطيع تهدئة الأوضاع والقدرة على أدارة البلاد ، خوفا من الانفجار وخروج الأمور عن السيطرة". وقال إن "الدعوة ستكون موجه للأحزاب والشخصيات العامة التي رأت نفسها عاجزة عن منافسة جماعة تمتلك المساجد والمنابر والشعارات والعواطف الدينية، فدفعها هذا إلى الارتماء في أحضان النظام الجديد حتى لا يظل الإخوان في السلطة والفائدة إحساس هؤلاء في عدم مزاحمة أو إزاحة الإخوان لهم، بان بمقدورهم أن يجدوا لأنفسهم موضع قدم داخل السلطة حين تصبح المنافسة بينهم وبين أحزاب ( حتى ولو كانت لها خلفيتها الإسلامية ) فسوف تنافسها هذه الأحزاب ببرامج وكوادر سياسية وحملات انتخابية تحمل الطابع الإقناعي من خلال البرامج والرموز السياسية لا من خلال العواطف والشعارات الدينية". الدكتور ممدوح المنير، القيادي بجامعة "الإخوان المسلمين"، المقيم في تركيا أيد بشدة طرح الزعفراني، قائلاً: "الإخوان بوضعهم الحالي "كقيادة و تنظيم " أصبحوا عائق كبير أمام الثورة". وأشار إلى أنه "واجب المخلصين للثورة في المرحلة الراهنة أن يطالبوا الإخوان ك "تنظيم" بالابتعاد عن المشهد و المنافسة السياسية مستقبلا لفترة محددة، وفي ذات الوقت يتركوا "شباب الإخوان" مع باقي الثوار يتحركوا خارج مظلة التنظيم فيبنوا مقاومتهم و بدعوا في نضالهم لإسقاط النظام". مع ذلك، اعتبر أن ما قاله "الزعفراني ليس دعوة للتخلي عن شرعية مرسي فهذه إرادة شعبية وعقد بينه وبين شعبه، بقدر ما هي مطالبة واضحة صريحة أن يبتعد الإخوان كتنظيم عن التنافس السياسي وأن يتحرك شباب الإخوان مع غيرهم لاستكمال الثورة بعيدًا عن وصاية التنظيم الذي أصبح بقيادته وترهله غير خادم للثورة اللهم إلا في زيادة إعداد المعتقلين والشهداء وفي نشر البكائيات على الفضائيات". وقال المنير إن "النظام في مصر يحفظ الهرم القيادي للإخوان ويعرف حدوده ويعلم كيف يتعامل معه، لكنه سيصبح في مأزق إذا وجد نفسه يتعامل مع الشباب مباشرة بإبداعهم ومناوراتهم وتضحياتهم". أيده الرأي أحد القيادات الإخوانية الشبابية، قائلاً ل "المصريون" إن "جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة سلمية ولا تنتهج العنف من الأساس على خلاف ما يشاع في الإعلام". وأضاف القيادي الشاب الذي طلب عدم نشر اسم، أنه يؤيد ما قاله الزعفراني ولابد من الرجوع للدعوة مرة أخرى والابتعاد بعض الشيء عن السياسية لالتقاط الأنفاس.