مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم، رئيس كوريا الجنوبية يلتقي السيسي ويلقي كلمة بجامعة القاهرة    تحذير عاجل من الأرصاد| شبورة كثيفة.. تعليمات القيادة الآمنة    رشا عدلي: أشعر بالفخر لكتابة رواية شغف.. ونجاحها إنصاف لزينب البكري    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإحالة ممن لا يملك الإحالة

إن المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا تنص على أنه "إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية" وقد قصر القانون بهذا النص الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا على المحاكم والهيئات ذات الاختصاص القضائى فلا يجوز لجهة الإدارة أن تقرر إحالة قانون أو لائحة إليها بل يجب عليها أن تنفذ القانون وفقا لنصوصه دون امتناع عن التنفيذ.
ويثور البحث فى ماهية السلطة القضائية التى تنعقد للمحكمة وتتمايز بها عن السلطات الأخرى. وبعيدا عن الاستطراد إلى النظريات الفلسفية التى لا تفيد موضوع هذا المقال فإننا نجتزئ بأن جوهر عمل السلطة القضائية هو جانبان الفصل فى الدعوى الجنائية وفى الدعوى حول الحقوق وحول الالتزامات المالية وهى خصومة غير جنائية. وللقاضى اختصاصات جانبية كإصدار الأوامر الولائية وهى تصدر فى غير خصومة دعوى وليست قضاء بالمعنى الدقيق. وقبل نحو مائة سنة قال أبو هيف إن السلطة القضائية ليست إلا حكما وهى تطبق القانون إذا رفعت إليها دعوى أو قدم طلب وفق القواعد التى ينص عليها. وقال القضاء الحقيقى يشترط فيه أن تكون الدعوى فى مواجهة خصم معين تسمع أقواله أو يدعى أمام القاضى ليدافع عن نفسه حضر أو لم يحضر (المرافعات المدنية والتجارية عبد الحميد أبو هيف ص89 – 90 طبعة دار المعارف سنة 1915). وإذا كان القاضى حكما فإنه يفصل إذن فيما ليس هو جزءاً من واقعته وخصومته. وفى الفقه الإسلامى قال الحسام الشهيد إن القضاء هو فصل الخصومات وقطع المنازعات (شرح أدب القاضى للحسام الشهيد ص4 طبعة دار الكتب العلمية). وقد ميز الفقه الإسلامى بين السلطة القضائية وبين السلطة التنفيذية التى تتبعها جهات الإدارة قال القرافى إن ولاية القاضى متناولة للحكم ولا يندرج فيها غيره وليس للقاضى السياسة العامة (تبصرة الحكام ابن فرحون الجزء الأول ص12 طبعة دار الكتب العلمية). وفى نظرية الحلول قيل بحق للتمييز بين العمل الإدارى والقضائى إن الإدارة تعمل وفقا للقانون أما القضاء فهو يطبق القانون (الوسيط د.فتحى والى ص34 طبعة 1980). ومؤدى ذلك أن القاضى يأمر بقضاء ملزم بتطبيق القانون على الغير المحكومين فى واقعة ليس هو جزءا منها لأنه ليس هو الذى يخاطبه القانون بالسلوك وإنما هو الذى يلزم الآخرين بالسلوك وفقا للقانون. إن الفرد مطالب بأن يسلك سلوكا مطابقا للقانون وهذا السلوك هو سلوكه الخاص به والإدارة كالفرد تسلك كذلك فى عملها الذى تختص بإجرائه بما يتفق والقانون وتصدر القرار الذى تختص ابتداء بتقدير ملاءمته وفقا للقانون وهذا القرار هو قرارها الذى تشكل جزءا من واقعته فالقرار الإدارى هو مظهر سلوك الإدارة وعملها أما القاضى فإنه يأمر بتطبيق القانون على آخرين هم الملزمون ابتداء بالسلوك بمقتضى القانون دون أن يكون جزءا من واقعة هذا السلوك الذى يلزم باتخاذه. إن المعيار الجوهرى للتفرقة بين السلطة القضائية وجهات الإدارة التنفيذية أن الأخيرة تباشر عملها سواء قبل مخالفة الآخرين للقانون أو بعد مخالفته باعتباره عملها الأصيل المنوط بها أما القاضى فهو يباشر سلطته القضائية بعد مخالفة القانون لفرض قواعده سواء على الإدارة أو الأفراد إذا خالفوا تلك القواعد فى سلوكهم الخاص بهم . هنالك فإذا أصدرت الإدارة أثناء مباشرة عملها قرارا إداريا خالفت به قواعد القانون أو امتنعت عن إصدار القرار الإدارى الذى يوجبه فإن القاضى يأمر بتصحيح هذا الخطأ بإلزام الإدارة بالسلوك الصحيح فى عملها الذى يسنده القانون إليها وعلى ذلك فإننا نعرف القضاء بأنه السلطة التى تختص بفرض قواعد القانون على أشخاص معينين إدارة أو أفرادا فى واقعة معينة مخاطبين بالسلوك فيها بمقتضى القانون لدى مخالفة السلوك لقواعده وبفرض جزاء القانون على من يخالف تلك القواعد.
وتمتلك الهيئة ذات الاختصاص القضائى استثناء بعض اختصاص المحكمة سالف البيان إذا أكسبها القانون ذلك الاختصاص وفى حدود ما يمنحها القانون من تلك السلطة.
إن المادة 29 قد ناطت ما يجوز إحالته إلى المحكمة الدستورية العليا بأن تكون الإحالة "أثناء نظر إحدى الدعاوى" ونصت المادة 29 على "إيقاف الدعوى" ووصفت ما تنظره المحكمة من الدعوى بأنه "نزاع" بما يعنى أنها تحصر ما تجوز إحالته بأن تكون الإحالة أثناء نظر خصومة دعوى تتحقق لها أركان الدعوى. وتلك الأركان هى أولا : أشخاص الدعوى أى خصوم متعددين يتنازعون الحق.
ثانيا : محل الدعوى وهو ما يطلب المدعى القضاء بتقريره أو إنشائه أو الإلزام به ضد خصمه المدعى عليه. ثالثا : سبب الدعوى وهو الواقعة القانونية التى تنشأ عنها سواء أكانت واقعة مادية أو تصرفا قانونيا أو قرارا إداريا. ويجب أن يوجد الحق فى الدعوى سابقا دائما على رفع وتحريك الخصومة القضائية ولذلك الحق السابق ثلاثة أركان هى الحق الذى يتداعى المدعى بطلبه وواقعة الاعتداء على الحق المسند اقترافه للمدعى عليه والصفة فى الدعوى أى إسناد الحق والاعتداء على الحق لكل من المدعى والمدعى عليه.
ولا تنعقد خصومة الدعوى القضائية إلا بتحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم فلا عدالة بدون مواجهة. وسبل المواجهة إحدى طرق ثلاثة هى إعلان الدعوى للخصوم لكفالة علمهم بها أو مثولهم أمام المحكمة لإبداء دفاعهم فى الخصومة أو إيداعهم مذكرات أو مستندات بقلم الكتاب. وإذا لم تنعقد الخصومة القضائية بإحدى تلك الطرق فإن إجراء الدعوى إجراء معدوم مشوب بالبطلان المطلق لا يرتب أثرا قانونيا ما.
وإذ كانت المادة 29 تنص على حصر حق الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا فى المحكمة أو الهيئة "ذات الاختصاص القضائى" فإنه يجب تحديد الطبيعة القانونية للجنة الانتخابات الرياسية التى نص عليها الإعلان الدستورى. لقد وصف الإعلان هذه اللجنة بأنها "هيئة قضائية" وهو تعبير لا يعنى غير أن أعضاء اللجنة مختارون من القضاة ولا يعنى بضرورة اللغة أنها ذات اختصاص قضائى فلا يكفى شغل القاضى لمنصبه لكى يكون عمله بعيدا عن منصة القضاء قضائيا وبفرض أن تلك التسمية خطأ لغوى – ولا خطأ فيها – فإن الخطأ فى الاسم لا تتغير به حقيقة المسمى. إن القضاة هم جميع أعضاء اللجان العامة للانتخابات وهم رؤساء لجان الانتخابات الفرعية ولا يمكن رغم ذلك القول بأن أعمال هذه اللجان قضائية فهى ليست غير أعمال إدارية بمقتضى طبيعة العمل وإن كانوا هم قضاة. وبعض القوانين تطلق على "هيئة قضايا الدولة" اسم "هيئة قضائية" وإذ كان عملها هو الدفاع عن أجهزة الدولة فلا يمكن الزعم بأن أعضاءها قضاة ولا شك فى أنه ليس لهم بحسب طبيعة أعمالهم اختصاص قضائى وفى أنهم لا يصدرون أحكاما وفى أن كل قراراتهم قرارات إدارية. إن دستور 1971 قد نص على ما أسماه سلطة الصحافة ولا تغير هذه التسمية حقيقة عمل الصحافة فتبقى السلطات هى السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وحدها وليست الصحافة سلطة لأنها لا تملك ولاية السلطة وقوة الإلزام ولا يعدو تعبير سلطة الصحافة أن يكون تعبيرا أدبيا.
تختص لجنة الانتخابات الرياسية بالإعلان عن الانتخابات وبفحص توافر الشروط القانونية فيمن لهم حق الانتخاب وقيدهم بجداول الناخبين وبفحص طلبات الراغبين فى الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية والتحقق من توافر الشروط القانونية فيهم وإعلان قائمة المرشحين وأخيرا الإشراف على إجراءات الانتخاب ثم إعلان نتيجته وجميع هذه الأعمال تباشرها اللجنة فى حدود اختصاصها القانونى باعتبارها نشاطها الأصيل وسلوكها الخاص دون ارتباط بمخالفة أحد للقانون وبغض النظر عن وجود هذه المخالفة أو عدم وجودها فهى إذن أعمال إدارية لا تختلف فى طبيعتها القانونية عن أعمال جهات الإدارة التى تتلقى مثلا طلبات تشييد المبانى أو حيازة الأسلحة ثم إصدار التراخيص لا تختلف عنها فى طبيعة العمل وإنما فى أهمية العمل.
إن أعمال لجنة الانتخابات هى السلوك الذى تختص اللجنة به والذى عهد إليها القانون ابتداء بإجرائه وألزمها بالخضوع فى هذا السلوك لقواعده وهى لا تفصل فى أى خصومة إذ لا توجد بين أحد من طالبى الترشيح وبين غيره من الطالبين خصومة ما تعرض على اللجنة تملك الفصل فيها. والطالب لا يشير فى طلبه إلى طلبات غيره من المرشحين وليس له أن يشير إليها ولا يعترض عليها فى الطلب المقدم منه وليس له أن يعترض عليها ولو أبدى اعتراضا فإن اللجنة تنظره كشكوى إدارية وليس فى صورة دعوى أو بإجراءات دعوى إذ لم يمنحها القانون هذا الحق وليس ثم أدنى صلة بين طلب أى من المرشحين وبين طلبات غيره من طالبى الترشيح. والرابطة القانونية فى الطلب مقصورة على كل من الطالب واللجنة وحدهما. إنه يتقدم إليها بطلبه ويقدم لها مسوغاته ويدعم الطلب بمستنداته وينتظر قرار اللجنة الذى يصدر بعد أن تفحص طلبه دون علاقة لغير هذه اللجنة بفحوى الطلب ومداره.
يجب إدراك أن المرشحين يتنافسون على مدى قبول الناخبين لهم عند إجراء الانتخاب لكنهم لا يتخاصمون قضائيا بهذا التنافس وإلا تحولت بالخلط بين التنافس الانتخابى وبين الخصومة القضائية جمعية الانتخاب إلى محكمة تشمل المجتمع بأسره.
إذا أصدرت لجنة الانتخابات الرياسية قرارها فى الطلب إما بقبول قيد الطالب أو باستبعاده من القائمة فقد أفصحت عن إرادتها بقرار هى المختصة بإصداره ابتداء فهو مظهر سلوكها الإدارى وهو قرار إدارى صادر عن إحدى جهات الإدارة. ويظل للمتضرر من هذا القرار أن يتظلم منه إلى الجهة الإدارية التى أصدرته وفق القاعدة العامة التى تبيح التظلم من القرار الإدارى إلى الإدارة عسى أن تعدل عنه وقد أشارت المادة 24 من قانون مجلس الدولة إلى التظلم من القرار الإدارى للإدارة الصادر عنها قبل رفع الطعن على القرار إلى محاكم مجلس الدولة وهذا التظلم إجراء إدارى أما الطعن أمام المحكمة فهو وحده الدعوى.
إمعان فادح فى الخطأ وصف التظلم للجنة بأنه دعوى وذلك لسببين أولا : يجب أن تكون الدعوى مسبوقة كما أسلفنا بالحق فى الدعوى والحق فى الدعوى له ركن ركين لا ينشأ بدونه هو ركن الاعتداء على الحق ولما كان الطالب لا يسند إلى أى شخص من الغير الاعتداء على حقه فى الترشيح وإنما يسند إلى اللجنة ذاتها أنها هى التى اتجهت بإرادتها إلى تقدير قانونى يصفه بالخطأ استندت إليه فى قرارها بحرمانه من الترشيح فهو فى الحقيقة يسند إلى اللجنة دون غيرها أنها هى التى اعتدت على حقه فى هذا الترشيح فاللجنة إذن خصمه الفريد ولولا أن المادة 28 من الإعلان الدستورى تمنع الطعن على قرارات اللجنة لكان له الطعن على قرارها أمام محكمة القضاء الإدارى وإذا كانت اللجنة وحدها هى الخصم فكيف يكون الخصم حكما؟
ثانيا : إن المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد اشترطت أن تكون الإحالة إليها "أثناء نظر إحدى الدعاوى" والركن الأول فى الدعوى إنما هو تعدد أشخاص الدعوى فلا تقتصر الدعوى على مدع لا خصم له وهى تخضع دائما لقواعد إجرائية شكلية تنص عليها القوانين لا وجود للدعوى إذا خرجت عن مسارها. تخضع خصومة الدعوى القضائية لمبدأ المواجهة بين الخصوم فتعلن الخصومة إلى المدعى عليه الذى ينسب إليه الاعتداء على الحق كى يبدى دفاعه أمام قاض ليس هو الخصم وإنما هو حاكم المتداعيين وحاكم النزاع بينما لا يوجد فى التظلم للجنة الانتخابات الرياسية أى مظهر وأثر لخصومة قضائية فلا خصومة منعقدة سواء بإعلانها رسميا إلى خصوم حيث لا خصوم أو بمثول الخصوم لتبادل الدفاع إذ لا خصوم فليس ثم إذن دعوى.
ولا يجوز قياس هذا التظلم على ما يبيحه قانون المرافعات من التظلم من الأمر على العريضة كالإذن بالحجز التحفظى أمام القاضى الآمر ذلك أن التظلم من قرار اللجنة هو تظلم من قرار إدارى يصدر دون خصومة مع آخرين تنشب قبل القرار ودون ادعاء باعتداء الغير على الحق بينما التظلم من الأمر على العريضة تظلم من أمر ولائى وليس من قرار إدارى ويصدر هذا الأمر الولائى فى خصومة حقيقية وفى نزاع محقق بين خصوم هو فى مثال الحجز التحفظى نزاع بين الخصوم الذين يتنازعون الدين الذى يراد حماية اقتضائه بالحجز التحفظى غير أن تلك الخصومة كانت قبل التظلم خصومة غير منعقدة لعدم إعلانها إلى الخصم الصادر ضده الأمر لما قد تقتضيه العدالة من سرعة إصدار أمر مؤقت قبل الإعلان لحماية الحق ثم تتحول الخصومة غير المنعقدة برفع التظلم إلى القاضى الآمر إلى خصومة قضائية منعقدة تتخذ صورة دعوى كاملة إذ نصت المادة 199 من قانون المرافعات على أن يرفع التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى فتعلن صحيفته إلى المتظلم ضده إعلانا رسميا ويمثل أمام القاضى لإبداء دفاعه وتقديم أدلته فالتظلم أمام القاضى هو دعوى بينما التظلم أمام اللجنة ليس غير إجراء إدارى.
الآن فإن المادة 28 من الإعلان الدستورى قد نصت على أن لا يجوز الطعن على قرارات لجنة الانتخابات الرياسية بأى طريق من طرق الطعن وقد استخدمت بذلك ألفاظا عامة ومطلقة لا تسمح بأى استثناء من عدم جواز الطعن القضائى على القرار حتى لو كان أمام اللجنة نفسها – أيا كان الرأى فى صواب التحصين من الطعن – ويتأدى هذا العموم والإطلاق إلى وجوب أن تصدر اللجنة قرارا واحدا لو فرض – بجدل نظرى – أن التظلم طعن قضائى هو "قررت اللجنة عدم جواز التظلم" وإذا كان ذلك هو القرار الواجب فإنه لا يجوز – بداهة – لهذه اللجنة أن تصدر قرارا بفحص دستورية قانون فى موضوع لا يجوز لها ابتداء نظره.
إن الحكم يضحى قضاء معدوما إذا لم تتوافر له أركان ثلاثة أولا : أن يصدر الحكم من قاض ذى ولاية قضائية وليست لجنة الانتخابات الرياسية ذات ولاية قضائية فلا تعدو أن تكون لجنة إدارية. ثانيا: أن يصدر الحكم فى خصومة قضائية منعقدة بينما تصدر قرارات اللجنة فى غير خصومة وعلى غير خصوم وفى غير دعوى. ثالثا: أن يصدر الحكم بالشكل الرسمى المكتوب وإذ يفتقد قرار اللجنة فى التظلم الذى يقدم إليها طعنا على قرارها كلا الركنين الأول والثانى من أركان الحكم القضائى فإن قرارها إذا وصفت نفسها – بدون سند من القانون – بأنها سلطة قضائية ووصفت قرارها بأنه حكم هو حكم معدوم مشوب بالبطلان المطلق لا يرتب أى أثر قانونى. ومؤدى نظرية القضاء المعدوم أن المعدوم ليس بحاجة إلى من يعدمه وأن لكل فرد وسلطة تجاهله كما لو كان لم يصدر وأن يمتنع عن تنفيذه ويجوز رفع دعوى مبتدأة ببطلانه دون حاجة إلى الطعن عليه وفقا لقواعد الطعن بفرض وجود إجراءات للطعن. وإذا رفع طعن على حكم ما تناول هذا القرار بأى وجه قانونى فى نزاع ما كان على محكمة الطعن كذلك – مثل محكمة الدرجة الأولى – أن تعده معدوما باطلا بطلانا مطلقا وألا ترتب عليه أى أثر للحكم القضائى الذى يصدر من قاض ذى ولاية قضائية وأن تسبغ عليه أحكام البطلان المطلق . إن من ينسب لنفسه صفة القاضى لا يمكنه أن يكسب قراره آثارا قانونية بمجرد الادعاء. ولا يؤثر تحصين المادة 28 من الإعلان الدستورى لقرارات تلك اللجنة من الطعن عليها تقييد نظرية الحكم المعدوم إذ أن المادة 28 تحصن من الطعن القرارات التى تصدرها اللجنة فقط بصفتها الوظيفية الإدارية ولو أن اللجنة مدت سلطتها إلى ما لم يمنحها الإعلان الدستورى والقوانين المختلفة إياه فأصدرت مثلا قرارا سياسيا كإعلان الحرب على دولة أجنبية فهل يمكن القول أن قرارها محصن من الطعن. إنه قرار معدوم لأنه يصدر متجاوزا اختصاصها الوظيفى القانونى ولا يرتب أثرا. كذلك لو أصدرت وهى مجرد لجنة إدارية ما أسمته حكما فى غير دعوى قضائية فلا يمكن الادعاء بأن قرارها حصين. إن القرار قد ولد معدوما وتحصين المادة 28 له من الطعن لا يمتد لحماية العدم ولا ينشئ حماية للإجراء الباطل بطلانا مطلقا ولا يبعث الحياة فى صفة قضائية لم تنشأ لا يعترف بها القانون.
رئيس محكمة الاستئناف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.