قرر المصريون فجأة الاستيقاظ قبل اكتمال الحلم الثوري , فرحين منتشين بما حققوه من نصر لم يحمدوا الله عليه , بل أخذوا كعادتهم يُسرفون في تعاطي الأغاني الوطنية , ويتحدثون عن الأمجاد التي تحققت، وأنهم أنجزوا أعظم ثورة في التاريخ , ولا أعرف لماذا هي الأعظم ؟ , فلقد شاهد المصريون تضحيات الشعب الليبي , والصمود اليمنى , ولم ينحنوا إجلالاً لتضحيات الشعب السوري العظيم حتى الآن, ومن قبل شاهدوا ثورة الكرامة بتونس والتي كانت كلمة السر بالنسبة للثورة المصرية , ولا أقلل من شأن ثورتنا المجيدة؛ فهي الحدث الأهم من وجهة نظري في التاريخ المصري قاطبة , وهى أيقونة الثورات الأخرى , وشعارها "الشعب يريد إسقاط النظام"، ينخلع له القلب , وتدمى معه العين , وترتقي به الروح إلى العَنان , لكن استثمار الحدث الأهم يجب أن يكون على مستوى الحدث , وليس انجرافًا في أتون الغرور وادعاء العظمة والشوفينية. الثورة المصرية حتى الآن حبيسة الميدان، لم تنطلق لأبعد منه بخطوات , والدرس الأكبر والأهم الذي تعلمته من فشل تجربتنا حتى الآن بعد الوقوع في فخ الاستفتاء أنه "لا ثورة مع انتخابات ولا انتخابات مع ثورة"، فلقد قبلنا مبكرًا وقبل استكمال استحقاقات ثورتنا المجيدة , بل قبل تحقيق أي من أهدافها بالتنازع والتقاتل في غزوة الصناديق , وهى فعلاً غزوة أنهت عبقرية مقولة "الشعب يريد إسقاط النظام" , فالثورة فلسفتها قائمة على الاتحاد , والانتخابات قائمة على الاختلاف والتنافس . من مفارقات القدر أن ما أسقط مبارك وهو البطء في اتخاذ القرار هو نفسه ما أسقط طموحنا الثوري , رضينا بإدارة المجلس العسكري للبلاد , ثم اتجهنا بعد تكرار الأحداث المفجعة إلى إسقاط حكم العسكر , رضينا بمحاكمة نتوقع فيها البراءة ولم ننتفض إلا بعد النطق بالحكم , رضينا بدخول الانتخابات مع شفيق , ثم قلنا بتفعيل عزل الفلول فى جولة الإعادة ، على الرغم من أن أعضاء المجلس قبلوا بدخول الانتخابات النيابية فى مقابلة الفلول , التصرف السريع الوحيد الذي اتخذه الثوار بالإجماع , هو ترك الميدان يوم 11فبراير , ويا ليتنا لم نتسرع ، وأعتقد أن كل الثوار أدركوا حاليًّا حجم الخطأ الذي وقعنا فيه . عبقرية ثورتنا فى تلقائيتها وشعبيتها , وإخفاقها الكبير فى عدم بلورة قيادة ورؤية موحدة تفرض "أجندتها" بعيدًا عن الصفقات , ويُلام فى ذلك كثير من الإخوان المسلمين الذين خرجوا من الميدان مبكرًا , ولم يعودوا له إلا بعد أن أصبح مرشحهم وجهًا لوجه مع مرشح النظام القديم , فعادوا للميدان ولكن هذه المرة لأخذ الأصوات , الإخوان الذين تحولوا من مشروع النهضة فى الجولة الأولى والذي لا يخاطب العقول ولا يحاكى الواقع ويرى الحياة "بمبى", إلى مشروع مبارك القديم فى جولة الإعادة ، وهو التخويف والادعاء بأن الثورة فى خطر , هم مَن شارك فى صنع هذا الخطر , ولا يعلمون أن الشعب يرفض إعادة إنتاج هذه القيم حتى لو أُريد بها خير وهو إقصاء شفيق. إن ثورتنا بشقيها المدنى والدينى وتلك أيضًا معضلة أخرى والتى لم تنجح فى حسم المعركة لصالحها فى البداية، واختارت النفق الطويل المظلم , لم تقدم تطمينات لفئات كثيرة فى المجتمع , وأسرفت فى توسيع قاعدة الفلول حتى صُدمنا بأكثر من 7 مليون صوت لوزيري مبارك , وذلك بعد عام ونصف فقط من الثورة . إن المشهد الآن وبعد كل هذه الأخطاء يتحول من ثورة إلى صراع على السلطة بين النظام القديم ويمثله شفيق , والتيار الدينى ويمثله مرسى , ومَن خذلوا الثورة بعدم وَحدتهم ويمثلهم صبَاحى و أبو الفتوح , والشعب والثورة خارج هذا المشهد القمىء . للأسف ، الثورة ليست مستمرة، بل هى معطلة , وقد نخرج من هذا التنازع على السلطة إلى مرحلة أخرى، وهى التحلل أو الفوضى ؛ لذلك على الشعب المصرى أن يكون صاحب كلمته، ولا يترك مصيره بيد مجموعات باحثة عن مصالحها فقط ، ويستكمل وَحده مسيرته ليصنع مستقبله , وألا ينتظر الرئيس ، بل يكون هو الرئيس . باحث فى العلوم السياسية