إلى المسلمين الذين يستغربون شعار "الإسلام هو الحل" : هل ترون حلا أفضل من الإسلام لجميع مشكلات بلادنا بل وأمتنا كلها؟ أليس الله تعالى يقول :"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا *" أوليس يقول " ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض...." ويقول: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم..." إن معنى اختياري لهذا الشعار هو قبولي اتخاذ الإسلام منهجا شاملا في الحياة ، وأنني رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، والإسلام هو الدين الوحيد من بين الأديان السماوية والأرضية الذي يقدم حلا لكل مشكلة وإجابة على كل سؤال ، وإذا كان هناك أديان أخرى تقدم حلولا تفصيلية لبعض المشكلات وإجابات مقنعة على بعض الأسئلة في إطار أسسها ومنطلقاتها الثقافية والفكرية فإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وبين وجه الحق فيما اختلف فيه من أسسها الفكرية و نظم كيفية السلوك الصحيح لتنفيذ الحلول التي شرعها لكل مشكلة ، والله تعالى يقول "..ما فرطنا في الكتاب من شيء..." ، وقد كان اليهود يحسدون المسلمين على هذه الشريعة التي تنظم كل شيء في الحياة حتى أدق التفاصيل وورد في هذا رواية صحيحة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يخالط اليهود كثيرا في مجالسهم ويسمع منهم ما يقولون. فالذي يقول إن الإسلام هو الحل ليس مطالبا بتأليف كتاب جديد يبين فيه نظرته إلى الكون والحياة ولا هو مطالب بوضع تشريعات جديدة غفل عنها كتاب الله أو أغفلتها سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتنظيم حياة الناس ولبناء مجتمع متماسك ودولة قوية ؛ لأن البيان الشافي للحق في جميع المسائل وارد في كتاب الله ولأن الطريق الكامل لإصلاح الحياة واضح تماما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فعلينا أن نبدأ بوضعهما موضع التنفيذ ، أما ما يطرأ من مشكلات في التنفيذ فليجتهد علماؤنا في تصور وجه الحق فيها واستنباط الأحكام والتشريعات لحلها من أسسها المعتمدة من الكتاب والسنة ، وليجتهد القائمون على التنفيذ في ابتكار الحلول لكل مشكلة مستلهمين الأسس الفكرية والأخلاقية المتفق عليها والتي أرساها هذا الدين ، وليحكم قضاتنا فيما شجر بين الناس بما أنزل الله في كتابه وبمثل ما قضى رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون بإحسان ، وليجتهد كل منهم رأيه فيما لم يجد فيه نصا من الكتاب والسنة أو إجماعا بين علماء المسلمين. وأرى أن انتخابي مرشحا يرفع شعار "الإسلام هو الحل" يعني اختياري فكر الإسلام كمرجع بينه القرءان الكريم وأسلوب الإسلام كمنهج فصلته السنة المطهرة وأخلاق الإسلام كطريق للتعامل بين الناس وضحته السيرة النبوية العطرة ، وأنني لا أحتاج بعد القرءان الكريم والسنة المطهرة والسيرة العطرة إلى كتاب رابع أستقي منه الفكر أو أبحث فيه عن الحل ، ويكفيني أن أعلم من سيرة الرجل صدقه وأمانته ومروءته وعفته والتزامه بعقيدة الإسلام وفكر الإسلام وأخلاق الإسلام أو أتوسم ذلك فيه حتى أنتخبه وأنا آمل في أن يمثلني فيحسن تمثيلي في مجلس تشريع القوانين ومراقبة المنفذين ، فإذا أحسن أعدت انتخابه ، وإن أساء فليس حجة على الإسلام ، والإسلام حجة على الجميع. أما من يرفع شعارات معادية للإسلام – إن وجد – فليس بمسلم أصلا ؛ لأن أبسط أسس الإسلام هو إعلان الاستسلام الكامل لله في أمره ونهيه ، والذي يعلن خلاف ذلك يخرج نفسه بنفسه من الإسلام. وأما من ينادي بحلول غير إسلامية فمثله كمثل من قال الله تعالى فيه "..ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون*" ، ومع ذلك فليناد بما شاء وليبحث عمن ينتخبه ، والله تعالى يقول "...فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.." ، وهو – مع اختلافنا معه – مواطن له جميع حقوق المواطنة وبيننا وبينه حسن الجوار والمصالح المشتركة. فهل معنى ذلك ألا يوجد مساحة للاختلاف في الرأي والنظر والاجتهاد؟ إذا نظرنا إلى قول الله تعالى "....ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم..." علمنا أن الاختلاف في الرأي سنة من سنن الحياة الدنيا بل وسبب من أسباب وجود الناس فيها ؛ فلا يمكن أن يكون كل إنسان نسخة كربونية من الآخرين ، وإلا فقدت الحياة طعمها ؛ فالاختلاف بين الناس في النظر إلى الأمور وتصور الحلول شيء طبيعي نفرضه طبيعة الحياة وتقره الشريعة الخالدة ؛ وإلا فكيف يتميز الناس بعضهم عن بعض وقد خلقنا الله على هذه الأرض ليظهر كل منا مدى استحقاقه لحب الله ومدى جدارته برضاه؟ إذن فنحن نلتقي على أسس العقيدة والشريعة وتختلف اجتهاداتنا في التطبيق وفي حل المشكلات ، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه المذاهب والأحزاب المختلفة ، وهذا الاختلاف مشروع بل ومطلوب لإثراء الفكر وإنارة الطريق والتنافس الشريف في خدمة الوطن والمواطنين. فكما يسمح الإسلام باختلاف المجتهدين في فهم الأحكام واستنباطها فتنشأ المذاهب الفقهية فهو يسمح باختلاف المجتهدين في تحليل مشكلات التطبيق ووضع حلولها وتنفيذها فتنشأ الأحزاب السياسية الإسلامية متحدة في أصولها الفكرية ومختلفة في رؤاها الواقعية. فالذين يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" لا يفترض أن يتفقوا على جميع التفاصيل المتعلقة بتطبيق المبادئ وحلول المشكلات ، ولكن يجمعهم إطار منهجي واحد هو الإسلام. وفي إطار هذا نستطيع أن نفهم تعدد الرؤى السياسية في الإسلام ، وعدم استحقاق أي من أصحاب رؤية ما نفي أصحاب الرؤى الأخرى أو حرمانهم من حقهم في التفكير المستقل والعمل الحر طالما يتحركون داخل إطار الإسلام العام ، ونفهم المقولة الخالدة للإمام حسن البنا رحمه الله " ليعن بعضنا بعضا فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" ، وذلك التأصيل المنهجي العظيم الذي وضعه بعض علمائنا الأولين حين قال " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ، وليس لنا أن نلومه على تمسكه بصحة رأيه فلو رآه خطأ لبادر إلى تركه. كذلك نستطيع أن نفهم في ضوء هذا وجه الحق في فرية "زعم احتكار الحقيقة" التي يفتريها بعض الناس على الإخوان المسلمين ؛ فليس لهم أن يدعوا احتكار الصواب وهم لم يزعموا ذلك يوما ما ، ومن يزعم ذلك منهم فقد جانبه الصواب ، ولكن كما لا يحق لي أن أزعم احتكار الصواب في اجتهاداتي لفهم أحكام الإسلام وابتكار الحلول للمشكلات لا يملك أحد أن يرغمني على التخلي عن اعتقادي بأن الإسلام هو الدين الحق وأن ما عداه من الأديان باطل ما أنزل الله به من سلطان ، طالما أنني أحفظ لأتباع الأديان الأخرى حقوقهم ولا أعتدي عليها. فمن أحب أن يرفع شعار "الإسلام هو الحل" من غير الإخوان المسلمين فله ذلك ، ونشجعه على ذلك ، وقد كان هناك حزبان سياسيان من غير الإخوان المسلمين يرفعان فعلا هذا الشعار الكريم في أكثر من دورة انتخابية سابقة ولم يختلف معهم الإخوان بل تحالفوا معهم ووصلوا معا إلى قيادة المعارضة في مجلس الشعب في دورة 1987 وتسببوا معا في بدايات نهضة عظيمة لم يلبث الأعداء أن أجهضوها وجمدوا أحد الحزبين وأفسدوا الآخر بوسائلهم الشيطانية التي يعلمها الجميع. أما المقولة السخيفة التي يتشدق بها البعض فيقولون إنهم يحتكرون الإسلام بتسمية أنفسهم "الإخوان المسلمين" فالرد عليه ببساطة شديدة هو أن ذلك القول يصح لو صح احتكار عائلتك السعادة دون الآخرين لمجرد أن جدك اسمه "السعيد" ؛ فهم إخوان لأنهم يتحابون في الله ويعامل بعضهم بعضا معاملة الإخوان ، وهناك إخوان غيرهم كثيرون ، وهم مسلمون لأنهم يتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة والإسلام دينا ومنهجا شاملا للحياة لا يقتصر على العبادات وإنما يشمل جميع المعاملات بين الأفراد والجماعات والدول والشعوب ؛ فكل من أحب أن يفعل مثلهم فهو أخ مسلم مهما كان اسمه ، أما من أراد أن يكون قدوته كارل ماركس أو مكارثي أو حتى جورج بوش فله ذلك وليبحث عمن ينتخبه! وأما غير المسلمين في بلادنا فلنا معهم حديث آخر. دكتور مهندس / علاء الدين حسين