لا يكاد يمر يوم إلا ونطالع أخبار وتقارير صحفية تكشف عن التحفظ على أموال مملوكة لقيادات وأعضاء قيادات جماعة الإخوان , وكان من بين آخر هذه القرارات التى أصدرتها لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية برئاسة المستشار الدكتور محمد ياسر أبو الفتوح رئيس اللجنة، التحفظ على 16 عنصرا من العناصر المنتمية للجماعة من بينهم ستة من أبناء الشيخ يوسف القرضاوى وهم : عبدالرحمن ومحمد وأسامة وسهام وعلا وأسماء . وتشمل قرارات التحفظ جميع الأموال وجميع الحسابات والأرصدة البنكية بالعملة المصرية والعملة الأجنبية والودائع أيا كان مسماها وجميع أنواع الأسهم والأوراق والسندات المالية والأراضي والعقارات والأطيان الزراعية والمنقولات سواء كانت مملوكة ملكية مباشرة أو غير مباشرة. كما قامت اللجنة بتنفيذ التحفظ على الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية والمملوكة للمتحفظ عليه عمر محمد شريف مصطفى أحمد الشنيطي والمالكة لمكتبة” ألف “.. وتم تنفيذ قرارات التحفظ على عدد 37 فرعا بمختلف محافظات الجمهورية ومنها القاهرة والجيزة وأسيوط والإسماعيلية والسويس والمنوفية والدقهلية والساحل الشمالى . هذه المصادرات للأموال المملوكة لأشخاص منتمون لتلك الجماعة تدفعنا لطرح العديد من التساؤلات من بينها : إلى أى مدى ساهمت هذه القرارات فى تقليص حجم الثروات المملوكة للإخوان وتنظيمها الدولى المنتشر فى أكثر من 73 دولة ؟ وهل أدت تلك المصادرات وقرارات التحفظ إلى التأثير على شعبية الجماعة فى الشارع المصرى ؟ وهل هناك بدائل تعتمد عليها الجماعة لتدبير شئونها وممارسة أنشطتها فى ظل استمرار حصار السلطات المصرية لها ؟ .
فى هذا السياق كشفت دراسة مهمة للغاية أصدرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بعنوان " الروافد المتعددة : هل تأثر نشاط جماعة الإخوان بمصادرة أموالها ؟ " عن الكثير من الحقائق والأسرار حول هذه القضية المهمة . الدراسة التى أعدها الباحث بهاء محمود أكدت أنه يمكن النظر إلى مسألة تمويل نشاط جماعة الإخوان المسلمين بعد 3 يوليو من خلال عدد من المحاور الرئيسية، هى على النحو الآتى: أولا- صعوبات تحديد حجم التمويل: تنوعت مصادر التمويل التى اعتمدت عليها جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها، من مصادر داخلية متمثلة فى اشتراكات من الأعضاء، وتبرعات، أموال زكاة، صدقات، أرباح أنشطة ومشروعات مملوكة للتنظيم ولأعضاء الجماعة، وأخرى خارجية مرتبطة بهيكل التنظيم الدولى للإخوان والمؤسسات التابعة له. ونتيجة لطبيعة عمل جماعة الإخوان السرى طوال الثمانين عاما التى مضت، وتعقد الإجراءات المتبعة فى حفظ عمليات التمويل والاستثمار الداخلى والخارجي، تكمن هنا الصعوبة فى تحديد حجم التمويل ومصادره بدقة، خاصة بعد اعتقال العديد من قيادات الجماعة وملاحقة الآخرين وهروب البعض لتركيا وقطر وغيرهما من الدول. فى هذا السياق ثمة صعوبات تعيق معرفة الحجم الحقيقى للتمويل، من أبرزها: 1- غموض هيكل التنظيم الدولي: ثمة تضارب حول ماهية التنظيم الدولى للإخوان وعمله والدول الموجود فيها وعدد أعضاءه، وما هى الآلية التى تربط أعضاء التنظيم فى الدول المختلفة، ومن ثم التنسيق المالى وترتيب أولويات الانفاق على أنشطة الجماعة، وحركة الأموال عبر الدول. 2- طبيعة ونوع الاستثمارات: فى ظل خوف رجال أعمال الجماعة من الملاحقة الأمنية، والمصادرة القضائية للممتلكات والأموال، اعتمدت الجماعة على اقتصاديات الربح السريع وتجارة التجزئة مع التقليل من الأصول المادية أو إنشاء مصانع ورؤوس أموال يصعب تحويلها إلى سيولة نقدية. 3- صعوبة مراقبة أموال الزكاة والصدقات: أجاز مفتى الجماعة بتلقيها زكاة المسلمين سواء من الأعضاء أو المتعاطفين مع الجماعة. تلك الأموال غير محددة كما أو كيفا، حيث تختلف من فرد لآخر، وتختلف حسب الرأى الفقهى المتبع فى تحديد مبلغ الزكاة وموعده ونوعه من المقادير والأوزان وغيرها مما يحسب بناء عليها خروج الزكاة، فضلا عن الصدقات التى قد يخرجها العضو فى أى وقت دون تحديد للزمن والكم. 4- سرية التبرعات والنشاط الخدمى: تعتبر التبرعات من البنود ذات السرية الشديدة، فى تلقيها وصرفها، لاسيما حرص الجماعة على عدم الاحتفاظ بأرصدة كبيرة فى البنوك المحلية. يضاف إلى ذلك قيمة التبرعات فى صورة أنشطة خدمية يقوم بها شباب الجماعة وغيرهم من المحبين وهى خدمات اقتصادية فى المقام الأول، ويصعب احتسابها دائما بشكل نقدى أو عينى. وكشفت الدراسة أن صور التمويل التى تعتمد عليها الجماعة فى دعم أنشطتها وحفظ كيانها لم تتغير كثيرا بعد خروجها من السلطة، غير أن التضييق عليها، وظهور انقسامات داخل الجماعة فى كيفية التعامل مع السلطة الحالية ما بين العنف والسلم، ساهم بشكل كبير فى العودة إلى ما قبل 2011 فى طريقة الانفاق وتلقى الأموال، ومن أهم هذه الصور ما يأتى: 1- اشتراكات الأعضاء: زادت نسبة اشتراكات أعضاء الجماعة من 3? فى الثمانينيات لتصل فى الآونة الأخيرة من 7? إلى 10? من اجمالى راتب العضو المنتسب للجماعة والقادر بحد أدنى على راتب 300 جنيه شهريا، مع الاعفاء لغير القادرين. وفى ظل وجود اختلاف فى تحديد تقديرات عدد الأعضاء المنتسبين للجماعة والقادرين على سداد الاشتراك، حيث يرى فريق أنها تتراوح بين 500 ألف عضو و750 ألفا، وفريق آخر بحسب الوثائق التى قدمها القيادى إبراهيم منير للبرلمان البريطانى بأن عدد الأعضاء الذين يحق لهم التصويت فى القضايا الداخلية للجماعة يتراوح من 900 ألف إلى مليون عضو ، هذا الرقم يعتبر متوسط للحد الأدنى الشهرى لقيمة الاشتراكات، والتى غالبا قد تتخطى القيمة السنوية حاجز ال10 مليارات سنويا. 2- أموال الصدقات والتبرعات والزكازة: مع استمرار عجز الدولة عن سد فراغ الجماعة فى الجانب الاجتماعي، تظل الجماعة على سابق عهدها تتلقى تلك الأموال وتنفقها حسبما ترى فى كل المصارف التى تراها الجماعة، سواء من أعضاء الجماعة أو من المتعاطفين معها. وفى هذا السياق يرى ثروت الخرباوى القيادي- المنشق عن الجماعة- أن حجم تبرعات الأعضاء قد يصل إلى 100 مليون جنيه سنويا. 3- أرباح المؤسسات المالية: أبرز مصادر التمويل التى تحدث عنها دوغلاس فرح الصحفى الأمريكى عام 2006 حول مصادر تمويل الإخوان الدولية وامبراطورية الإخوان الاقتصادية فى الغرب، شركات الأوف شور، وعمليات الفوركس ذات العائد المرتفع والسريع. 4- يدير الثلاثة «يوسف ندا- خيرت الشاطر- حسن مالك- أو ما ينوب عنهم من ذويهم» النصيب الأكبر فى إدارة أموال الجماعة فى مصر، والتنظيم الدولى عموما، وتشير دراسة دوجلاس فرح إلى أن جماعة الإخوان المسلمين انشأت العديد من الشركات المالية فى بنما وليبريا والبرازيل، حيث قدر حجم الأصول التى يديرها الثلاثة من 10 إلى 15 مليار دولار أمريكى.