*نَبَشْتُ فى الذاكرة المُنهَكة، ثم لَمْلَمْت بقدر المستطاع حكاية مملكة صغيرة اسمها "على فيض الكريم".. سكانها 4 آلاف نفر، ولها شكل المملكة الكلاسيكي، ملك وقصره وحكومة وجيش من سبعين ثمانين واحد لأن المسألة مش مستاهلة.. الحياة فيها ماشية لذيذة وناعمة ولطيفة، وفجأة اكتشفوا أن احد الوزراء حرامي، وكانت أول جريمة سرقة فى تاريخ المملكة. بسرعة حاكموا الوزير الحرامى ورزعوه حكما بالإعدام شنقًا بالقانون.. المشكلة الرهيبة أن المملكة ليس لديها مشنقة ولا عشماوي، فأرسلوا إلى دولة قريبة تنفذ الإعدام بالمشنقة بالهبل، وطلبوا منها مشنقة بالصنايعى عشماوي، فَرَدَّت الجارة بأن ثمن المشنقة كذا ألف دولار بخلاف تكاليف المشال والشحن ودُخَّان عشماوي، لكن المملكة رأت أن التكلفة عالية والميزانية على قد اللقمة، فأرسلت لدولة أخرى فطلبت أيضا كذا باكو.. هى مبالغ صغيرة لكنها كفيلة بإفلاس المملكة. تأزم الموقف، فعقد الملك اجتماعا مع الحكومة للخروج من المأزق، إذ لا مفر من تنفيذ القانون وإعدام الوزير الحرامي، لأنها جريمة السرقة الأولى فى تاريخ المملكة، وحتى لا يفكر أى شخص فى السرقة. قال كبير الوزراء نجيب أى واحد يخنقه ويخلصنا منه، لكن الملك رفض الاقتراح، وانتهى بهم الأمر إلى تعديل الحكم من إعدام إلى تأبيدة, فوفروا فلوس المشنقة. ظهرت مشكلة أخرى، وهى أن المملكة بلا سجن، لكنهم حلوها بتخصيص حجرة وتعيين عسكرى حارسًا على الرجل وليحضر له الأكل. بعد عام من سجن الرجل، راجعت الحكومة ميزانية السنة، فاكتشفت أن الميزانية انضَرَبت، من أعباء مرتب الحارس, وأكل نفرين، فحسبوها لو السجين عاش كمان عشرين ثلاثين سنة، سوف يخرب بيت المملكة. عقد الملك اجتماعًا طارئا مع وزرائه للعثور على حل سريع للمصيبة، واقترح أحدهم إعفاء الحارس توفيرا لراتبه، فاستدرك آخر: كده ممكن المسجون يهرب، فقال الثالث ياريت.. والله لو هرب يبقى خير وبركة ونخلص من وجع الدماغ وننقذ الميزانية. طردوا الحارس، لكن السجين لم يهرب.. عاش حياته، ويذهب بنفسه لإحضار طعامه ويعود إلى محبسه، وبدا أنه لا ينوى الهرب.. الأمر الذى أربك الحكومة وأرعبها فقرروا إنهاء الموضوع لوقف نزيف الموازنة العامة، فجلس كبير الوزراء معه وألمَح له إلى أنه ممكن يهرب والحكومة تعمل من بنها، لكن الرجل فاجأه بقوله أهرب أروح على فين؟ أنا السجين والمجرم الوحيد فى المملكة، وشكلى وحش عند الناس، وسيفرون منى فرار السليم من الأجرَب.. واستطرد قائلا: أنتم حكومة عبيطة وأنتم السبب، ضربتم بالقانون عرض الحائط ولم تنفذوا الإعدام بسبب فلوس المشنقة، وحتى السجن المؤبد فشلتم فى تنفيذه وأبعدتم الحارس، وتعبتونى واتكَسَّحْت من مشاوير المطبخ عشان أجيب الأكل، قلت زى بعضه أضحى عشان ظروف البلد، وجايين دلوقتى وتقولوا لى اهرب؟!.. عليا الطلاق بالتلاتة منا هربان واللى يحصل يحصل. أصيب كبير الوزراء بصدمة هائلة، فاصطحب الملك لزيارة الرجل وعرضا عليه اقتراحا أخيرًا.. قالوا له خد ياعم المبلغ ده واهرب، بس بشرط ماحدش يعرف من البلد، لأن شكلنا هايبقى كَلْسون، وتبقى فوضى، وأنت وطنى وبتحب البلد. وافق الرجل وقفش الفلوس وخلع خارج المملكة، وقيل إنه استقر فى الأندلس "إسبانيا حاليًا". لم ينته الأمر عند ذلك الحد.. تقول القصة الأصلية إن الرجل كان يعود للمملكة من حين لآخر، ويمارس الابتزاز على الحكومة ويخرج بالأموال، ويعيد الكَرَّة كل حين. بقى القول إن الوزير الحرامى خرج فى هروبه الأول خفية.. لكن فى المرات التالية كان يعود ويخرج من صالة كبار الزوار. تنويه هام: الحكاية المكتوبة أعلاه لا علاقة لها بالملياردير حسين سالم.