حين وقع الحادث كنت فى حالة دهشة شديدة وصار سؤال هام يلح علىّ ليل نهار. كيف عبروا ذهابًا وإيابًا بدون علم الرادارات والدفاعات الأرضية، وهل شلت كل أجهزة الرادار وشبكات الدفاع الجوى من خلال عمليات تشويش وإعاقة إلكترونية متطورة من طرف الأسطول السادس البحرى الأمريكى المرابط جنوب شرق البحر الأبيض؟ عشت فى هذه الحيرة طويلاً مع قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية، قبل نحو 3 سنوات بضرب مركز تجارب زراعى يقع فى شمال سوريا قرب الحدود التركية. لم يكن ممكناً الوصول لهذا الهدف بدون الطيران فوق الأراضى التركية. فكيف إذن طاروا وعادوا من نفس المسار بدون اعتراض تركى؟ كل تلك الأسئلة سببت لى أرقاً طويلاً وأصابتنى بحيرة كبيرة، مع علمى التام بصدق القيادة السياسية التركية الحالية وبعدم إمكانية علمها وقبولها لمثل هذه الجريمة ضد بلد مسلم مثل سوريا يقع على حدود تركيا الجنوبية. صحيح أن سقوط خزان وقود إضافى لإحدى الطائرات الإسرائيلية فوق قرية حدودية تركية فى طريق العودة مع المناورات الجوية الحادة، كشف هوية الطائرات. غير أن الكشف عن الهوية وتقديم دولة الاحتلال اعتذارًا لتركيا لم يقدم إجابة شافية عن كيفية الطيران ذهاباً وإياباً دون علم الدفاعات الجوية التركية. لكن تسجيل بث مؤخراً عبر أحد المواقع الإلكترونية، يتعلق بحوار دار بين طيارين حربيين تركيين مع قاعدتهما الجوية العسكرية، بخصوص اعتراضهما لطائرة إسرائيلية بدون طيار كانت تتجسس على تركيا وسوريا، فى آن واحد، مخترقة المجال الجوى التركى. كشف كيف تعرضت الطائرات التركية الاعتراضية لخطر السقوط من نفاد وقودها أو من السقوط من الطائرات الإسرائيلية المقاتلة التى خرجت لمتابعة عملية مطاردة الطائرة بدون طيار. لقد كانت الطائرة الإسرائيلية فى مرمى الطائرات التركية التى طلبت – طبقاً للتسجيل الصوتى – من القاعدة أمر الضرب، ولكن لم يعط للطيارين أمراً بإسقاط طائرة التجسس الإسرائيلية، وطلب من الطيارين الطيران فى وضع منخفض لوقت طويل، مما جعل وقود الطائرات يقترب من النفاد فطلبا إمدادًا بالوقود وهما فى مجالهما الجوى الإقليمى. طيلة الوقت سمحت للطرف الإسرائيلى، بإطلاق طائرات حربية مقاتلة للتصدى للطائرات التركية، ومن ثم، مورست عمليات إعاقة وتشويش إلكترونية من الطرف الإسرائيلى لإسقاط الطائرات التركية. وفى نهاية الأمر هربت الطائرة الإسرائيلية ورجعت الطائرات التركية تجر خلفها خيبة أملها. الصحف التركية عطفاً على التسجيل الصوتى، كشفت عن اسمى قائدى طيران بالمنطقة الجنوبية التركية اللذين منعا الطائرات الوطنية التركية من إسقاط طائرة العدو. بل بلغ الأمر بهما لتعريض طائرات بلادهم الوطنية للسقوط فى المجال الجوى الإقليمى! هذا الحادث الذى وقع قبل شهور قليلة أوضح أو قدم إجابة شافية للأسئلة الحائرة التى كانت تدور فى ذهنى منذ وقوع حادث قصف مركز التجارب الزراعية السورى من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلى، مستخدمة الأراضى التركية. ولو أضفنا لهذه الإجابة اعتراف الفريق شويك بير نائب رئيس أركان الجيش التركى الأسبق - يحاكم حالياً عن دوره فى التهديدات والانقلاب العسكرى- المدنى ضد حكومة حزب الرفاة الائتلافية برئاسة الراحل نجم الدين أربقان عام 1997- وأنه قام بهذا الانقلاب حماية لإسرائيل. نجد أنفسنا كشعوب إسلامية أمام ثلة من العملاء، تعيش بيننا وتأكل من خيرات بلادنا، وتحمل هويتنا وفى نفس الوقت تطعننا من الخلف. هل توضحت ملامح هذه الصورة السوداء للقارئ العزيز وهى التى أرهقتنى كثيراً لكى أصل لشمعة وضوء يساعدنى على رؤيتها وسط ظلام الديكتاتوريات العسكرية التى تتحكم فى بلادنا؟