لا أدري ، وقد يشاركني غيري ، لماذا هذه الحملة الشديدة من الدكتور عمرو عبد السميع ورفاقه ، وعبر قناة تليفزيونية هي ملك لكل المصريين ، علي تيار بعينه دون غيره وهو التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين ، ومن خلال حلقات عنوانها الحوار . وبداية فإن ذلك ليس دفاعا مطلقا عن السوءات التي يقع فيها أتباع هذا التيار أو هذه الجماعة ، أو إقرارا بصحة كل بنود برنامجها ، وإنما سعيا لموضوعية الحوار وعدم القبول باستفزازه للعقل العلمي الذي لاينتج عنه سوي مزيد من التعاطف مع الغائبين أو المغيبين ، وهو أثر عكسي لايرجوه أو يسعي إليه المستأثرون بالحوار . وإذا كان الدكتور عمرو وبعض صحبه قد أشاروا إلي صعوبة استضافة من يمثلون هذه الجماعة بحكم أنها محظورة منذ أن فرض الإنجليز عليها ذلك ، فإن هناك العديد من الكوادر العلمية التي تمثل التيار الإسلامي غيرهم من أمثال الدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور محمد سليم العوا والدكتور محمد عمارة والمستشار طارق البشري والأستاذ محمد عبد القدوس وغيرهم الكثير ممن لهم ثقل علمي وثقافي يزيد عن حجم كثير من المثقفين أو جامعي أعقاب الثقافات الذين امتلأت بهم الساحة ، وممن يستطيعون حفظ موضوعية الحوار لا ترديه . ولعل من بين هؤلاء من يستطيع أن يصحح ماذكره البعض من أقطاب الحوار الموجه أن تشكيلات الأجهزة السرية في الأربعينات لم تكن قاصرة علي جماعة الإخوان بل شارك فيها الوفد ومصر الفتاه والحزب الوطني الشباب بزعامة فتحي رضوان وبعض الجماعات الشيوعية ، وأن الكثير منها قد شاركت في موجة الاغتيالات السياسية كمقتل رئيس الوزراء أحمد ماهر 1945 الذي اتهم فيه فتحي رضوان ، ومقتل أمين عثمان الذي اتهم فيه أنور السادات والصحفي سعد الدين كامل ابن أخت فتحي رضوان . كما أن اغتيال النقراشي علي يد أحد المنتمين إلي جماعة الإخوان ، وهي الحادثة الوحيدة التي أسندت إليهم ، قد تمت في ظل حل النقراشي للجماعة ووضع كل كوادرها في السجون ، أي بقرار فردي وليس بقرار من الجماعة . وما أشار إليه بعض المحاورين من أن حسن البنا قد كتب يصف القاتل بأنه ليس من الإخوان وليس من المسلمين كان وصفا يعبر عن موقف الجماعة وليس كما ذكر المحاور من أن ذلك قد دفع القاتل للقول بأن البنا هو الذي حرضه ، فالذي وجه القاتل وحرضه علي اتهام البنا هو النظام السياسي ، وكان البنا قد أدرك اتجاه النظام لقتله حين تركه وحيدا دون اعتقال مع صحبه مما دعاه للتقدم بالعديد من الطلبات لاعتقاله قبل الاغتيال . إن استمرار هذا الشكل من الحوار يعبر عن حجم الهواجس التي سببها نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات لدي البعض ممن اعتادوا غياب التيار الإسلامي السياسي أو ساهموا في تغييبه علي ما يزيد عن نصف قرن ، والتقوا في هواجسهم مع المعسكر الأمريكي وما يمثله من اتجاه سياسي وثقافي رغم كل ادعاءات الديمقراطية . وتفرض هذه الهواجس توابع من هواجس تحيط بالكثيرين للبحث عن أسبابها ، أليس التيار الإسلامي يعبر عن تيار سياسي وفكري داخل بلادنا يستحيل تجاهله ؟ وهل أتباعه منذ تأسيسه وحتى الآن ليسوا من أهل مصر ؟ وهل نحكم عليه قبل التجربة من خلال تصورنا لتجربة غيره كطالبان والسودان وغير ذلك ؟ وهل وجوده علي الساحة السياسية المصرية يثير إمكانية التدخل الأمريكي العلني ؟ وهل .......... وهل ؟ . ولعل ماينبغي أن يدركه أغلب هؤلاء المحاورين ، وهو أمر واضح لدي كثير من مثقفي مصر ، أن التيار اليساري نفسه وبكل توجهاته يثير هاجسا أكبر لدي أغلب أهل مصر سواء ببعده الفكري المنقول أم بنتاج التجربة التي سعوا لتطبيقها علي ضوئه ، فالتجربة التي طبقوها خلال الربع الثالث من القرن الماضي لم تحقق قدرا مقبولا من العدل الاجتماعي ، ولم تتح أي قدر من الحرية بكل نوافذها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، ولم يفلح أقطابها في الربط بينها وبين مصالح الشعب لكونها رغم بريقها قد فرضت عليه ولم يستشر فيها ، فهزمت عسكريا واقتصاديا واجتماعيا 1967 ، ولم يبق منها إلا مابقي في فكر أتباعها الذين بقوا علي الساحة لضرورات سياسية وثقافية مرحلية ، فابتعدوا عن الناس وابتعد الناس عنهم ، وأصبحوا يمثلون كابوسا وليس هاجسا فقط . إن صيحات أقطاب الأحزاب اليسارية عبر مكبرات الصوت ، وصيحات من يجارونهم عبر بقية الوسائل ، لن تأتي إلا بمردود عكسي إن لم يكن بتأييد التيار الإسلامي فسيكون بمزيد من العزلة السياسية والاجتماعية للتيار الذي يمثلونه . وعلي الرغم من ذلك فإن علي أتباع التيار الإسلامي ، وجماعة الإخوان خاصة ، أن تسعي للاندماج في نظام الدولة وعبر دستورها ووفق قوانينها حتى وإن لم يستطيعوا تغيير بعضها عبر دورهم البرلماني ، وأن تكون مصلحة البلاد فوق كل المصالح الشخصية أو الفئوية أو الفكرية . وأن يحاولوا جميعهم إزالة هواجس أي تيار تجاههم والأقباط في المقدمة باعتبارهم مكون هام وأساسي في جسم هذه الأمة المصرية والعربية والإسلامية ، ولعل أحد كوادرهم التي هي كوادرنا الذي عبر عن هذه الهواجس وهو الدكتور ميلاد حنا يمثل رصيدا هاما من ثقافة وآلام وطموح بلادنا ، وأن الانتفاع بعلمه وصدق ورجاحة توجهه ومعه غيره هي غاية واجبه . وإن كان من الواجب علي رجل بثقل الدكتور ميلاد حنا ألا تثيره هذه التطورات الطبيعية وهو الأعلم بنتاج تاريخ طويل من تعايش وانصهار المسلمين والمسيحيين الذي لم تشبه شوائب ولم ينجح محتل أو مغرض الإخلال به عبر كل المراحل والأزمات فأغلبهم يمثلون أقباط مصر أي العنصر الأساسي المكون للأمة وليس عنصري الأمة كما يحلو للبعض تسميتهم . كما أن علي أتباع الجماعة أن تنتهز فرصة مشاركتها في مجلس الشعب لتكون معبرا ومدافعا عن مصالح الناس ، كل الناس، وليس شريحة منهم لبعد طائفي أو عصبي ، وأن تعلن اعتذارها بشفافية عن التجاوزات التي يثبت اقتراف أعضائها لها إبان الحملة الانتخابية حتي ولو كان هذا قد اقترفه غيرها . وربما يكون الواجب الأهم هو أن علي الجماعة أن تدرك أنها ليست وحدها التي تمثل التيار الإسلامي ، وأن تراعي أن دوافع الجميع في بلادنا هي دوافع خيرية ووطنية ، وأن الضمير الديني للجميع ، مسلم ومسيحي وحتى يهودي في بلادنا ، والبعد الوطني ، هو دافع الجميع . إننا جميعا بكل شرائحنا مسلمون كما ذكر المفكر مكرم عبيد قبل قرابة قرن من الزمان ، ونسعى لتحقيق الرقي لبلادنا وأمتنا ، وبالتالي فأن مساعي الإخوان أو غيرهم للتمايز بيننا تمثل جزءا من كل ، الكل المصري والعربي والإسلامي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر