الرقم الذي أعلنه البنك المركزي لاحتياطي العملة الصعبة لا يقدم دلالات صحيحة للوضع الاقتصادي، وتقديمه للرأي العام على أنه يتجاوز لأول مرة الرقم الذي كان عليه قبل ثورة يناير 2011 ( 36 مليار دولار) ما هو إلا كأس من الوهم . لعبة الأرقام لا تنطلي على أحد. الناس لديها من الوعي والذكاء ما يجعلها قادرة على التحليل والاستنباط. العبرة ليست بالرقم الذي أصبح في حوزة البنك المركزي والذي زاد خلال شهر يوليو بحوالي 4.7 مليار دولار، لكن العبرة من أين جاء.. من قلب الاقتصاد.. أم من خارجه على شكل ديون وقروض وسندات؟! جيد أن يقفز الاحتياطي النقدي إلى هذه الزيادة، ولكن سيكون سيئا جدا لو صدقنا أنفسنا بأننا تجاوزنا رقم حسني مبارك. هذا غير حقيقي بالمرة فالاحتياطي الذي احتفينا بانتصارنا عليه لا يخصم منه مثل الأعباء الحالية الضخمة من خدمة الدين والقروض. من الأفضل مواجهة الرأي العام بالحقيقة. لا نقول إننا دولة فقيرة ثم نصدر له أرقاما تقول عكس ذلك لدرجة أن البعض تساءل في وسائل التواصل الاجتماعي، لماذا كان الدولار في عهد مبارك بخمسة جنيهات ونصف بينما يقترب من الآن من 18 جنيها وأحيانا يتجاوزه؟! حساب الديون والقروض مرعب جدا، وإذا لم يستغل الاحتياطي في بيئة صناعية وزراعية وتصديرية تزيد من حجم الناتج المحلي وتضخ المليارات، فلن تكون الأرقام حينها ذات قيمة، بل تصبح عبئا على الجيل الحالي والأجيال القادمة، أشبه بمن استدان مبالغ مالية ووضعها في جيبه أو تحت البلاطة، وسيضطر لاحقا لدفعها مع الفوائد المترتبة عليها. البنك المركزي الذي أعلن الرقم السابق بدون تحليل أو تفسير وتركه لوسائل الإعلام المحلية لتنبهر وتحتفي، كان قد أعلن في 2 أبريل الماضي، قبل نحو 4 شهور فقط أن الدين الخارجي المستحق ارتفع إلى 67 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، مقارنة بنحو 48 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2015 بارتفاع 19 مليار دولار، أي أن مقدار الارتفاع في سنة واحدة يتجاوز نصف الاحتياطي المعلن عنه. تلك الديون عبء كبير مع ارتفاع قيمة فوائدها بمستويات قياسية. في عام 2010 كان اجمالي الديون الخارجية 34.7 مليار دولار، أي أن الزيادة الحالية تتجاوز 32 مليارا، وبطرحها من الاحتياطي المعلن عنه يتبقى نحو 4 مليارات فقط. هذا لمن يحتفي بالمقارنة بين الاحتياطي الحالي والاحتياطي عام 2010. وثائق صندوق النقد الدولي تؤكد أن مصر مطالبة بتدبير 20.4 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة لخدمة الدين الخارجي، ما بين فوائد وأقساط مستحقة، وستسدد نحو 3.5 مليار دولار خلال 2017-2018 و3.4 مليار دولار في 2018 – 2019 و 3.6 مليار دولار في 2019 – 2020 و4 مليارات دولار في 2020 – 2012. وتتوقع ارتفاع إجمالي الدين الخارجي 2021 إلى 102.4 مليار دولار، وسيرتفع في العام المالي القادم إلى 82.3 مليار دولار. لذلك نقول إن الاحتياطي بدون توجيهه لمشروعات انتاجية توفر عوائد لسداد الديون والفوائد لن يكون ذا قيمة وسيقرأه المتخصصون على أنه "وهم" أما الناس البسطاء فقد يصدقونه لأول وهلة وينتظرون تأثيرات ذلك على حياتهم، ثم سريعا يكتشفون أنه خداع إعلامي لرفع المعنويات. وبحسب قول منسوب للدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي، فإن القروض لا تصنع احتياطيا نقديا حقيقيا لأنها واجبة السداد وليست مملوكة للدولة. الاحتياطي الحقيقي يكون بما تملكه وليس بما تحوزه. الحيازة هي الأموال التي تحصل عليها من القروض والودائع والسندات الدولية، ولا تستطيع إنقاذ البلد وقت الأزمات، لأنها واجبة السداد في المستقبل. الحديث عن الأرقام بشفافية يريح الجميع رغم أنه موجع للغاية. [email protected]