معادلة نظام الدراسة بمدرسة عين شمس للمتفوقين بالبكالوريا المصرية    إعلان نتائج بطولة الملاكمة بالدورة الرياضية للجامعات والمعاهد العليا دورة الشهيد الرفاعي "53"    وزارة الأوقاف تعقد 574 ندوة علمية حول "الجوار الصالح مفتاح للسكينة والمودة"    وزير البترول يبحث فرص التعاون في المعادن الحيوية مع هانتر الأسترالية    البورصة المصرية تختتم جلسة الخميس 27 نوفمبر بارتفاع جماعي    الاتحاد الأفريقي يدعو الى الإفراج الفوري دون شروط عن رئيس غينيا بيساو    مدبولي: تحرك جاد لتفعيل بروتوكولات التعاون مع الجزائر وتعزيز الشراكة في مختلف المجالات    تدريبات بدنية خاصة للاعبي الزمالك قبل لقاء كايزر تشيفز    بمشاركة منتخب مصر| كل ما تحتاج إلى معرفته عن كأس العرب 2025    تعرف على الطرق البديلة بعد إغلاق ميدان الجيزة وشارع الهرم    الأزهر: التحرش بالأطفال جريمة منحطة حرمتها جميع الأديان والشرائع    حلمي عبد الباقي يتقدم ببلاغ للنائب العام ضد مصطفى كامل    توزيع جوائز الفائزين بمسابقة أجمل صوت فى تلاوة القرآن الكريم بالوادى الجديد    أحمد السلمان: مهرجان الكويت المسرحي موعد مع الإبداع والاكتشاف    رئيس المجلس الوطني للإعلام بالإمارات يزور عادل إمام.. والزعيم يغيب عن الصورة    مُصطفي غريب ضيف آبلة فاهيتا "ليلة فونطاستيك.. السبت    غلق وتشميع 4 معامل تحاليل ومركزين للجلدية في حملة مكبرة ببني سويف    مقتل سيدة بطلقات نارية في قنا    قراءة في هدية العدد الجديد من مجلة الأزهر، السنة النبوية في مواجهة التحدي    أحمد عبد القادر يغيب عن الأهلي 3 أسابيع بسبب شد الخلفية    عقدة ستالين: ذات ممزقة بين الماضى والحاضر!    توجيهات مزعومة للجنة الدراما تثير جدلا واسعا قبل موسم رمضان 2026    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    رئيس لجنة مراجعة المصحف بالأزهر: دولة التلاوة ثمرة الكتاتيب في القرى    «التأمين الصحى الشامل» يقرر تحديث أسعار الخدمات الطبية بدءًا من يناير 2026    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    أسوان تحصد جائزتين بالملتقى الدولى للرعاية الصحية    منظمات حقوقية: مقتل 374 فلسطينيا منهم 136 بهجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار    روسيا تصدر أحكاما بالسجن مدى الحياة بحق 8 أشخاص بشأن الهجوم على جسر رئيسي في القرم    وزارة التخطيط تستعرض الإصلاحات الهيكلية المنفذة منذ يوليو 2024    التحقيق مع 5 عناصر جنائية حاولوا غسل 50 مليون جنيه حصيلة النصب على المواطنين    إصابة شخص في انفجار أنبوبة غاز بقرية ترسا بالفيوم    مقتل أكثر من 30 وفقدان 14 آخرين بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية في سريلانكا    لتعاطيهم المخدرات.. إنهاء خدمة 9 عاملين بالوحدة المحلية وإدارة شباب بكوم أمبو    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    السعودية: 4.8% من سكان المملكة أكبر من 60 عاما    الهلال الأحمر المصري يرسل القافلة ال82 إلى غزة محملة ب260 ألف سلة غذائية و50 ألف بطانية    وزير الشباب والرياضة يستقبل سفير دولة قطر لبحث التعاون المشترك    محامي رمضان صبحي: التواصل معه صعب بسبب القضية الأخرى.. وحالة بوجبا مختلفة    روز اليوسف على شاشة الوثائقية قريبًا    عادل فتحي نائبا.. عمومية المقاولون العرب تنتخب مجلس إدارة جديد برئاسة محسن صلاح    عشرات القتلى و279 مفقودًا في حريق الأبراج العملاقة ب هونغ كونغ    3 قرارات جديدة لإزالة تعديات على أملاك بنك ناصر الاجتماعى    حقيقة فسخ بيراميدز تعاقده مع رمضان صبحي بسبب المنشطات    المفوضة الأوروبية: ما يحدث في السودان كارثة إنسانية    جامعة بنها ضمن الأفضل عربيًّا في تصنيف التايمز البريطاني    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    طقس الخميس.. انخفاض فى درجات الحرارة وشبورة كثيفة صباحا    الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    وزير الري يستعرض المسودة الأولية للنظام الأساسي واللائحة الداخلية لروابط مستخدمي المياه    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    «امرأة بلا أقنعة».. كتاب جديد يكشف أسرار رحلة إلهام شاهين الفنية    كرة يد - "أتفهم حزن اللاعبات ونحتاج دعمكم".. رسالة مروة عيد قبل كأس العالم للسيدات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محادثة الرجال للنساء بين الإفراط والتفريط

الحمد لله حمدا لا ينفد ، أفضل ما ينبغي أن يحمد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تعبد ، أما بعد ،،،
فقد خلق الله آدم عليه السلام ، وخلق منه حواء عليها السلام ليسكن إليها ، قال تعالى : { و هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ? } ( الأعراف : 189 ) ومنهما خلق الله الرجال والنساء ، وركب في كل منهما شهوات تهفو إليها نفوسهما ، قال الله تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ } ( آل عمران : 14 ) وجعل الزواج نظام الناس العام ، وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل ، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ ، قال تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ( الروم : 21 ) ، ووضع ضوابط للتعامل بينهما إن كانا أجنبيين ، ومن هذه الضوابط ، ضوابط المحادثة ، التي لابد أن يراعيها الطرفان ، بغير إفراط أو تفريط ، وسوف نتعرض لحكم المحادثة بينهما وضوابطها في ضوء آيتين من آيات الله وردتا في سورة الأحزاب ، في قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } ( الأحزاب : 53 ) ، وقوله تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } ( الأحزاب 32 ) وذلك على النحو الآتى :
الوقفة الأولى : عموم الحكم :-
الخطاب في الآيتين ، وإن كان موجها لنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه يشمل كذلك نساء المؤمنين ، إذ أن كل خطاب لنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، خطاب لنساء المؤمنين ، مالم يأت دليل على الخصوصية ( أي إختصاصهن بالحكم ) ، وليس ثمة دليل على إختصاصهن بالأحكام الواردة بهاتين الآيتين ، فشمل الحكم نساء المؤمنين .
الوقفة الثانية : تفسير الآيتين :-
1- تفسير الآية الأولى :-
قال القرطبى – رحمه الله - في " تفسيره " : { الثامنة : قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر : وافقت ربي في أربع . . الحديث . وفيه : قلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ، فأنزل الله عز وجل وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب . واختلف في المتاع ، فقيل : ما يتمتع به من العواري . وقيل فتوى . وقيل صحف القرآن . والصواب أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا .
التاسعة : في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض ، أو مسألة يستفتين فيها ، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى ، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة ، بدنها وصوتها ، كما تقدم ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها .
... الحادية عشرة : قوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء ، وللنساء في أمر الرجال ، أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية . وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له ، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته . } أه .
2- تفسير الآية الثانية :-
قال محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – في " تفسيره " : { فرع على تفضيلهن وترفيع قدرهن إرشادهن إلى دقائق من الأخلاق قد تقع الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشعور بآثارها ، ولأنها ذرائع خفية نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهن في نفوس بعض ممن اشتملت عليه الأمة ، وفيها منافقوها .
وابتدئ من ذلك بالتحذير من هيئة الكلام فإن الناس متفاوتون في لينه ، والنساء في كلامهن رقة طبيعية وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته من هيئة التدلل لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة . فإذا بدا ذلك على بعض النساء ظن بعض من يشافهها من الرجال أنها تتحبب إليه ، فربما اجترأت نفسه على الطمع في المغازلة فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة ، بله أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - اللاتي هن أمهات المؤمنين . والخضوع : حقيقتة التذلل ، وأطلق هنا على الرقة لمشابهتها التذلل . والباء في قوله بالقول يجوز أن تكون للتعدية بمنزلة همزة التعدية ، أي لا تخضعن القول ، أي تجعلنه خاضعا ذليلا ، أي رقيقا متفككا . وموقع الباء هنا أحسن من موقع همزة التعدية ، لأن باء التعدية جاءت من باء المصاحبة على ما بينه المحققون من النحاة أن أصل قولك : ذهبت بزيد ، أنك ذهبت مصاحبا له فأنت أذهبته معك ، ثم تنوسي معنى المصاحبة في نحو : ذهب الله بنورهم ، فلما كان التفكك والتزيين للقول يتبع تفكك القائل أسند الخضوع إليهن في صورة ، وأفيدت التعدية بالباء . ويجوز أن تكون الباء بمعنى في ، أي لا يكن منكن لين في القول .
والنهي عن الخضوع بالقول إشارة إلى التحذير مما هو زائد على المعتاد في كلام النساء من الرقة وذلك ترخيم الصوت ، أي ليكن كلامكن جزلا .
والمرض : حقيقته اختلال نظام المزاج البدني من ضعف القوة ، وهو هنا مستعار لاختلال الوازع الديني مثل المنافقين ومن كان في أول الإيمان من الأعراب ممن لم ترسخ فيه أخلاق الإسلام ، وكذلك من تخلقوا بسوء الظن فيرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ، وقضية إفك المنافقين على عائشة - رضي الله عنها - شاهد لذلك . وتقدم في قوله تعالى في قلوبهم مرض في سورة البقرة . وانتصب يطمع في جواب النهي بعد الفاء لأن المنهي عنه سبب في هذا الطمع .
وحذف متعلق يطمع تنزها وتعظيما لشأن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قيام القرينة .
وعطف وقلن قولا معروفا على لا تخضعن بالقول بمنزلة الاحتراس لئلا يحسبن أن الله كلفهن بخفض أصواتهن كحديث السرار .
والقول : الكلام . والمعروف : هو الذي يألفه الناس بحسب العرف العام ، ويشمل القول المعروف هيئة الكلام وهي التي سيق لها المقام ، ويشمل مدلولاته أن لا ينتهرن من يكلمهن أو يسمعنه قولا بذيئا من باب : فليقل خيرا أو ليصمت . وبذلك تكون هذه الجملة بمنزلة التذييل . } أه .
الوقفة الثالثة : حكم صوت المرأة :-
قال الشيخ عبدالرحمن الجزيرى – رحمه الله – في " الفقه على المذاهب الأربعة " : { اختلف العلماء في صوت المرأة فقال بعضهم إنه ليس بعورة ، لأن نساء النبي كن يروين الأخبار للرجال ، وقال بعضهم إن صوتها عورة ، وهي منهية عن رفعه بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب ، إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها ، وقد قَالَ اللَّه تَعَالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } فقد نهى اللَّه تَعَالى عن استماع صوت خلخالها لأنه يدل على زينتها ، فحرمة رفع صوتها أولى من ذلك ، ولذلك كره الفقهاء أذان المرأة لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت ، والمرأة منهية عن ذلك . } أه .
والراجح أن صوتها ليس بعورة ، إذا أمنت الفتنة ، وهذا هو قول جمهور العلماء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
قال الطحاوي الحنفي – رحمه الله - في " حاشيته على المراقى " ، نقلا عن ابن أمير حاج ، قوله : { الأشبه أنه ليس بعورة ، وإنما يؤدي إلى الفتنة } أه .
وقال الشربيني الشافعي – رحمه الله – في " مغنى المحتاج " : { وصوت المرأة ليس بعورة ، ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة } أه .
وجاء في فقه العبادات للمالكية ، أن صوت المرأة جائزٌ سماعه عند أمن الفتنة ، وإنما يحرم سماعه إن خيفت الفتنة ، فقالوا : { ولكن يحرم سماع صوتها إن خيفت الفتنة ولو بتلاوة القرآن } أه .
وقال المرداوي الحنبلي – رحمه الله – في " الإنصاف " : { صوت الأجنبية ليس بعورة على الصحيح من المذهب } أه
وقال البهوتي – رحمه الله – في " منتهى الإرادات " : { وصوت الأجنبية ليس بعورة ، ويحرم تلذذٌ بسماعه أي صوت المرأة غير زوجة وسَرِيَّة ، ولو كان صوتها بقراءة ، لأنه يدعو إلى الفتنة بها } أه .
الوقفة الرابعة : جواز المحادثة للحاجة :-
كلام المرأة مع الرجل الأجنبي قد أجازه الفقهاء عند الحاجة ، ومن الحاجة : أن تباشر مع الرجل البيع والشراء وسائر المعاملات المالية الأخرى ، أو أن تسأل المرأة الرجل العالم عن مسألة شرعية ، أو أن يسألها الرجل ، إذا كانت عالمة بما يسألها ، وغير ذلك من الأمور الضرورية التي تستدعي كلام المرأة مع الرجل .
فقد جاء في حاشية الطحاوي الحنفي ، نقلا عن أبي العباس القرطبي ، ما نصه : { فإنا نجيز الكلام مع النساء للأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك ، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ، ولا تمطيطها ، ولا تليينها وتقطيعها ، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن ، وتحريك الشهوات منهن } أه .
وجاء في فقه العبادات للمالكية ، استدلالهم على الجواز ، بأن { نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ يكلمن الصحابة ، وكانوا يستمعون منهن أحكام الدين } أه .
وقد استدل الغزالي الشافعي – رحمه الله – في " إحياء علوم الدين " على جوازه عند الحاجة ، بقوله : { فلم تزل النساء في زمن الصحابة رضي الله عنهم يكلمن الرجال في السَّلام ، والاستفتاء ، والسؤال ، والمشاورة ، وغير ذلك } أه .
الوقفة الخامسة : ضوابط المحادثة :-
جاءت الشريعة الإسلامية الغراء كاملة من لدن ربنا عز وجل ، وسطا بين الإفراط والتفريط وعلى منهج بين الغلو والجفاء ، فجاءت باليسر والتيسير، ولم تأت بالشدة والتعسير ، فلا إرهاق في تكاليفها ، ولا إذلال لإتباعها ، ولا تضييق على معتنقيها ولا إعسار على المتمسكين بها ، بل هو التوسط والاعتدال ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }. ( البقرة : 143 ) ، وقد جاءت تكاليفُ الشرع وأوامر الله - سبحانه وتعالى - وسطًا بين طرفين مذمومين ، هما : الغلو والتساهل ، الإفراط والتفريط ، فقد ذكر العسكرى – رحمه الله في " كشف الخفاء " عن الأوزاعي أنه قال : { ما من أمرٍ أَمَر الله به ، إلا عارَضَه الشيطانُ بخَصْلَتين ، لا يُبَالِي أيَّهما أصاب : الغُلُو والتقصير } أه .
وقد تضمنت الآيتان أحكاما متوازنة في علاقة النساء بالرجال الأجانب ، فلم تمنع محادثة أحدهما للأخر فيما تدعو الحاجة إليه ، وإنما أمرت النساء بالقول المعروف ، وعدم الخضوع به حال الحديث معهم ، لئلا يؤدى ذلك إلى طمع الرجال فيهن . و يمكن تلخيص الضوابط التي يلزم مراعاتها عند الكلام بينهما ، كالتالي :
1- أن يكون الكلام لحاجة ، وتقدر الحاجة بقدرها ولا يجوز التوسع في الكلام والانبساط فيه لغير حاجة حقيقية .
2- أن لا يكون في الكلام خضوعٌ ، ولينٌ، وتكسيرٌ، وترقيقٌ، وإيماءٌ ، وهزلٌ ، حتى لا يكون مدخلاً إلى تحريك الغرائز وإثارة الشهوة .
3- أن يكون الكلام في المعروف ، أي في غير المحرمِ شرعاً .
4- أن لا يفضي الكلام إلى خلوة محرمة بينهما ، أو دوامٍ واستمرارٍ عليه .
الوقفة السادسة : بعض صور المحادثة ، وأحكامها :-
1- إلقاء السلام على النساء :-
لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة الأجنبية عنه إذا كانت عجوزاً ، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم يؤمن من الفتنة ، وهذا هو الذي تدل عليه أقوال العلماء رحمهم الله .
سُئِلَ الإمام مَالِك هَلْ : يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ ( وهي العجوز ) فَلا أَكْرَهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلا أُحِبُّ ذَلِكَ .
وعلَّل الزرقاني في شرحه على الموطأ عدم محبة مالك لذلك : بخوف الفتنة بسماع ردها للسلام .
وفي الآداب الشرعية ذكر ابن مفلح أن ابن منصور قال للإمام أحمد : التسليم على النساء ؟ قال : إذا كانت عجوزاً فلا بأس به .
وقال صالح ( ابن الإمام أحمد ) : سألت أبي يُسَلَّمُ على المرأة ؟ قال : أما الكبيرة فلا بأس ، وأما الشابة فلا تستنطق . يعني لا يطلب منها أن تتكلم برد السلام .
وقال النووي – رحمه الله - في كتابه " الأذكار " : { قال أصحابنا : والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل ، وأما المرأة مع الرجل ، فإن كانت المرأة زوجته ، أو جاريته ، أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل ، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه . وإن كانت أجنبية ، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم الرجل عليها ، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ، ولم تسلم هي عليه ابتداء ، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كره له . وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل ، وعلى الرجل رد السلام عليها . وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل . أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخَفْ عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة . روى أبو داود عن أَسْمَاء ابْنَة يَزِيدَ قالت : مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا . صححه الألباني في صحيح أبي داود . وروى البخاري عن سَهْلٍ بن سعد قَالَ : كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ ( نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ ( أي تطحن ) فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا } أه .
وقال الحافظ إبن حجر – رحمه - في " الفتح " عن جواز سلام الرجال على النساء ، والنساء على الرجال ، قال : { الْمُرَاد بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُون عِنْد أَمْن الْفِتْنَة . ونَقَل عن الْحَلِيمِيّ أنه قال : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنْ الْفِتْنَة ، فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسه بِالسَّلامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلا فَالصَّمْت أَسْلَم . ونَقَل عَنْ الْمُهَلَّب أنه قال : سَلَام الرِّجَال عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء عَلَى الرِّجَال جَائِز إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة } اه .
2- المحادثة عن طريق وسائل الإتصال الحديثة :-
مع التقدم الكبير في وسائل الاتصال تظهر كثير من الطرق التي لم تكن معهودة في ما مضى من إمكان محادثة الرجال والنساء بعضهم بعضاً ، ولم تزل هذه الطرق بمرورالأيام تتطور وتنتقل من طور إلى طور متقدم في تلك الإمكانيات ،
فوجد الهاتف المنزلى ، ثم الهاتف المحمول ، بأجياله المتعدده ، وما تحويه من إمكانية نقل صوت وصورة المتحدث
حتى وصلت إلى ما يُعرف ب ( الشات ) و (غرف الدردشة ) عن طريق الإنترنت الذي تغري تكلفته الزهيدة بالانسياق في هذا الأمر .
وقد يكون في استخدام ( الشات ) سواء كان كتابة باليد أو تكلماً بالصوت بين أفراد الجنس الواحد أي بين رجل يخاطب رجلاً ، أو امرأة تخاطب امرأة ، نوع من التعارف الذي قد تترتب عليه بعض المصالح ، وهذا في دائرة المباح ، وإن كان هناك احتمال عدم صدق البيانات ، فقد يكتب بعض الناس بيانات مخالفة لبياناته الحقيقية ، وخاصة في خانة الجنس ليوقع الجنس الآخر في مخاطبته .
أما المخاطبة من أجل تحقيق مصلحة دنيوية كأن تخاطب امرأةٌ طبيباً مثلاً ، أو يخاطب رجل طبيبة للسؤال والاستفسار عما فيه مصلحة من ذلك ، فهذا لا حرج فيه ، ولكن ينبغي أن يكون الكلام من أجل ذلك الغرض حقاً ، وأن لا يسترسل أحد المتخاطبين في كلام خارج عن المطلوب ، حتى لو لم يكن فيه كلمات غير مناسبة .
وأما المخاطبة من أجل تحقيق مصلحة دينية كالاستفسار مثلاً عن تفسير آية أو حديث أو السؤال عن حكم فقهي فهو جائز أيضاً، إذا كان المسؤول ممن يقدر على ذلك ، وينبغي أيضاً الانتباه إلى عدم الاسترسال في الكلام الخارج عن موضوع السؤال حتى لو لم يكن فيه شيء ، والشيطان هنا قد يضحك على كل منهما فيمنيهما بأنهما صالحان طيبان وأنه لا خوف عليهما من الاسترسال في الكلام ، فهما ليسا بمنزلة الأشرار، وهذا من مخادعة الشيطان لهما . فليحذر المتخاطبون من هذا المنزلق الذي قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه !
الوقفة السابعة : بعض صور الإفراط والتفريط :-
1- صور الإفراط :
للأسف الشديد تفرط بعض النسوة الملتزمات ، في محادثتها للرجال الأجانب ، فإذا رن هاتف منزلها ، تراها ترفع سماعة الهاتف للرد على المتصل ، فإن تبين لها أنه رجل أجنبى يسأل عن زوجها ، أو أبيها ، أو أخيها ، لا تقوم بالرد عليه ، وتضع سماعة الهاتف ، وإذا دق جرس الباب وسمعت صوت رجل أجنبى لا ترد عليه ، وإذا سألها أجنبى في حاجة لا ترد عليه ، بدعوى خشيتها من الفتنة !!! بل تبالغ بعضهن بأخذ بعض الصبيان ، ليتكلموا مع الباعة بدلا منها فإذا سأل البائع سؤالا ، قامت بالرد عليه عن طريقه !!
2- صور التفريط :
والقول أن صوت المرأة ليس بعورة لا يعني بحال تساهل النساء في مخاطبة الرجال وتوسعهن بلا ضوابط ، بل الواجب عليهن التزام الشرع والتقيد بقيوده . وقد فرط كثير من النساء في هذا العصر فصرن يتحدثن مع الرجال الأجانب كما يتحدثن مع محارمهن من خضوع في القول ، وإطالة في الكلام ، وإخبار بالأمور الخاصة وضحك ونحوه ، بل إنتشر بين الفساق ما يعرف باسم الجنس عن طريق الهاتف !!!
فليتق الله الجميع ، وليلتزموا بالضوابط الشرعية للمحادثة ، وليعلموا أن الخير كله في إتباع الشرع ، والشر كله في عدم إلتزامه .
والله الموفق .
** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – الكاتب بمجلة التوحيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.