يكاد يذهب بي الظن أن من يصدر مثل تلك القرارات الاقتصادية هو شخص أو جهة تضمر شرا بالسيسي أو تريد به سوءا وتوريطا ، لأنه لا يتصور أن يكون سوء التقدير وضحالة الوعي السياسي قد وصلت بالقيادة إلى هذا المستوى ، أن تقرر معاقبة الشعب وزيادة الضغط المعيشي الرهيب عليه في ذكرى ما يعتبرها الثورة التي أتت به ووثق الشعب به فيها ، فكأنه يعاقب الناس على أن وثقوا به أو وضعوا فيه آمالهم ، ويقسو عليهم كل تلك القسوة ، ولا يتصور أن تكون تلك القرارات في نهاية الفترة الزمنية التي طالب الناس فيها بالصبر عليه ستة أشهر فقط وسترون الأمور بعدها كيف أصبحت أفضل ، فإذا بالأمور بعدها تكون أسوأ وأضل سبيلا ، ويزيد صراخ الناس من آلام الحياة التي يعرفون حق المعرفة أنها ستتصاعد عليهم ابتداء من غد بعد أن تتمدد آثارها إلى كافة قطاعات الاقتصاد وأسعار السلع والخدمات ووسائل النقل وغيرها . تلقى نظام 3 يوليو حزمة من المساعدات المالية العربية والأجنبية ضخمة للغاية ، وتتراوح التقديرات فيها بين ثلاثين وأربعين مليار دولار ، حتى اليوم لا يستطيع مسئول رسمي أن يخرج على الناس لكي "يفند" تلك الأموال الطائلة ويوضح للناس كيف وأين ذهبت خلال أربع سنوات فقط ، أو بالأحرى ، كيف تبخرت ، هذه الأموال تقدر بحسابات البنوك الرسمية اليوم بما يقرب من ثمانمائة مليار جنيه مصري ، كانت كافية لتغيير وجه الحياة في مصر ، ومع ذلك زادت أمور الناس سوءا في الدخل والقدرة على الإنفاق وأسعار السلع وفي الخدمات والمواصلات وفي الصحة والتعليم والبنية الأساسية ، باستثناء بعض الطرق التي تم تجديدها أو توسعتها ، وهي مشروعات لا تستهلك خمسة في المائة فقط من هذه المبالغ الطائلة ، فأين ذهبت الأموال ، وهل كانت مصر في حاجة إلى الاستعراض بإنشاء تفريعة لقناة السويس لا تحتاجها ولا يحتاجها العالم ، ونهدر فيها مليارات الدولارات ، لزوم الوجاهة وتسويق السلطة نفسها عند الشعب المغيب ، أو رفع الروح المعنوية للشعب حسب تعبير الرئيس ، هل نحن في دولة كانت تحتمل مثل هذا الترف ، هل نحن كنا في حاجة إلى دفن مئات المليارات من الجنيهات في إنشاء عاصمة جديدة أو التوسع في بناء سجون ومعتقلات جديدة أو التوسع في شراء أسلحة بباهظ الأثمان رغم غياب وجود أي تحدي حقيقي ، وحتى لو وجد فلدينا ما يجعلنا الأقوى في المنطقة . لا يحتاج أي مراقب للوضع في مصر إلى كثير تأمل لكي يدرك أن البلاد عانت من سوء إدارة ، في الاقتصاد ، كما سوء إدارة في السياسة التي عززت الانقسام الوطني وبالغت في القمع للجميع ، ثم احتاجت إلى نفقات مضاعفة لتغطية تكاليف القمع الجديد والتوسع فيه ، فضلا عن انتشار حالة غياب اليقين والثقة بالواقع وبالمستقبل ، وهو غياب يشمل المواطن والمسئول معا ، والغريب أن رئيس الوزراء ووزير البترول يتحدثون أمس الأربعاء عن "الإشاعات" التي يتم ترويجها عن رفع أسعار الوقود ، وينتقدون "الصحافة المستهترة" التي لا تراعي ظروف الوطن وتأثير تلك الأخبار "الكاذبة" على معنوياته ، وفي الصباح يقوم نفس الوزير ونفس رئيس الوزراء بعقد مؤتمر للصحفيين "مروجي الإشاعات" لكي يشرحوا لهم أسباب رفع أسعار الوقود التي صدر القرار بها الثامنة صباحا ، وهو ما فهم منه أن الاثنين مجرد ديكورات لأصحاب القرار الحقيقي في البلد ، وأنهم بسطاء مثلهم مثل عامة الشعب ، تأتيهم التعليمات فينفذوا أو يعلنوا ، دون معرفة مسبقة لهم أو حتى وجود رأي لهم من أساسه . تخطئ السلطة و"تعك" ويدفع الشعب الفاتورة ، ثم يسمعون الكلام الساذج والكاذب والرخيص عن أسعار الوقود في البلد الفلاني والعلاني ، دون أن يذكروا أن هذا البلد يعيش أهله في متوسط دخل سنوي للفرد يعادل عشرة أضعاف الدخل السنوي للفرد في مصر على الأقل ، أو يذكرونهم بالظروف التي يعاني منها البلد ، دون ذكر البذخ الذي تنفق به السلطة على بعض القطاعات التي تدعمها وتستند إليها ، ودون تذكير بسوء الإدارة والذي يرقى إلى حد الفساد ، وإهدار مقدرات هائلة كانت كافية لإصلاح معيشة الناس والرحمة بهم ، ويحدثونك عن البلد التي تسلمها السيسي "خربانة" وهي أكاذيب ترفضها الأرقام العلمية المجردة ، للاحتياطي النقدي ولأسعار العملة الوطنية ولأسعار السلع والخدمات والتي انهارت جميعها بعد أربع سنوات فقط من تسلمه لها . لا أعتقد أن الكلام سيكون مفيدا ، وإن كنا نقوله براءة أمام الله وأمام الوطن والناس ، إذ يبدو واضحا أن الرئيس يعيش في عزلة معنوية وسياسية تحول دون أن يرى واقع الناس والمخاطر بشكل صحيح . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1