انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. محكمة الأقصر تتلقى أوراق 9 مرشحين في اليوم قبل الأخير    بدء اختبارات الالتحاق بمدارس التمريض 2025 بالمنيا (الموعد والمكان)    صعود 8 مؤشرات قطاعات بالبورصة بجلسة الأربعاء على رأسها "السيارات"    رئيس الوزراء: سفن التغييز تبدأ الضخ في الشبكة القومية الأسبوع المقبل    رئيس الوزراء: برنامج خاص لتوفير وحدات بديلة للمستأجرين الأصليين في «الإيجار القديم»    الحوثيون: استهدفنا السفينة «إترنيتى» بزورق مسير و6 صواريخ باليستية    مدبولى: إجماع دولي على تأثير الأحداث الجيوسياسية على مؤشرات الاقتصاد    وزير الخارجية يستقبل مدير عام السياسات باللجنة اليهودية الأمريكية    وزارة الخزانة الأمريكية تعلن فرض عقوبات إضافية على كيانات مرتبطة بإيران    وزير الرياضة يهنئ منتخب السلة بالفوز بلقب البطولة العربية للسيدات    بعد أزمة وسام أبوعلي.. فرمان صارم من الخطيب للاعبي الأهلي    محكمة إسبانية تحكم بسجن أنشيلوتي عامًا بتهمة التهرب الضريبي خلال فترته الأولى مع ريال مدريد    مدبولي: نقل الإنترنت ل«سنترال الروضة»    جهود مكثفة للبحث عن مفقودين في حادث سقوط سيارة من معدية دشنا في نيل قنا    ب «ابتدينا».. عمرو دياب يدخل قائمة أعلى الألبومات استماعا في العالم (تفاصيل)    «رصد خان وولاد العفريت الزرق».. مشروعات تخرج قسم علوم المسرح ب«آداب حلوان»    عثمان سالم يكتب: إدارة احترافية    زينة عامر وچنا عطية تتوجان بذهبية تتابع الناشئات ببطولة العالم للخماسي الحديث    بعد تصدرها التريند.. كل ما تريد معرفته عن سكك حديد مصر    رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة يلتقي سفير مصر بالمملكة المتحدة    أشرف صبحي: لم يكن في الخطة تطبيق بند ال8 سنوات بأثر رجعي    الرياضية: جيسوس يوقع على عقود تدريب النصر يوم الخميس    ندوة لصناع "قهوة المحطة" بمكتبة الإسكندرية ضمن معرض الكتاب    توجيه رئاسى    إخماد حريق اشتعل بكشك فى شارع فيصل.. صور    تاريخ جديد بالأفعال.. لا بالأقوال    جولة موسعة بمنطقة "القنطرة غرب الصناعية" لمتابعة المشروعات والمصانع الجارى إنشائها    الكوليرا تفتك بالسودان.. 85,531 مصاب و 2,145 حالة وفاة نقص فى المستلزمات الطبية والأدوية    عيسى السقار نجم حفل "هنا الأردن.. ومجده مستمر" في "مهرجان جرش"    الأزهر للفتوى الإلكترونية: الالتزام بقوانين ضبط أحوال السير والارتفاق بالطرق من الضرورات الدينية والإنسانية    رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 بالاسم ورقم الجلوس    وفاة طالب إثر إصابته بلدغة ثعبان في قنا    السجن 3 سنوات لمتهم بإحراز سلاح نارى بدون ترخيص فى سوهاج    رياضة كفر الشيخ توجه الدعوة لانعقاد الجمعيات العمومية ب 22 نادى رياضى    كوريا الشمالية: وزير خارجية روسيا يزور بيونج يانج بعد غد    فتح باب التقديم مجددًا للمستبعدين من إعلان «سكن لكل المصريين 5»    بدايًة من 12 يوليو.. أماكن امتحانات كلية التربية الفنية في المحافظات لتأدية اختبارات القدرات لعام 2025-2026    إعادة تخصيص 6 قطع أراضي لصالح جهاز مستقبل مصر    وصل ب إيراداته إلى 132.6 مليون جنيه.. تفاصيل أحدث أفلام كريم عبدالعزيز    ليلى عبد اللطيف تتوقع ل4 أبراج زيادة فى الدخل خلال يوليو.. أبرزهم الميزان    تارا عماد: أجسد صحفية بحكاية "just you" بمسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"    الشرع وعبدي يبحثان مستقبل سوريا برعاية أميركية ( تحليل إخباري )    أفضل دعاء للرزق بالولد وفقًا للقرآن والسنة    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفى القرآنى» مبادرة تعزز دور الأزهر فى خدمة كتاب الله    الأزهر للفتوى: متوفين سنترال رمسيس "شهداء".. ويشيد بدور رجال الاطفاء    من «الميكسات» الخطر.. استشاري تغذية تحذر من الشاي بالحليب    صحة الوادي الجديد: جميع شبكات الاتصال تعمل بكفاءة عالية    إجراء 12 عملية قلب خلال أول يومين عمل بمستشفى طنطا الجديدة    لم يعد مرضا نادرا.. إطلاق دمية باربى للأطفال مصابة ب السكر ومعها أنسولين    "تاس": القوات الروسية تستولي على بلدة "تولستوي" شرقي أوكرانيا    انخفاض جديد للطن.. سعر الحديد اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025 محليًا    الجدول الزمنى لإجراء لانتخابات الشيوخ مع بداية خامس أيام تلقى أوراق الترشح    لاول مرة مساعد رقمى يتنبأ بالخطر بالمحطات النووية قبل وقوعه ب30 دقيقة    عودة خدمات فوري إلى كفاءتها التشغيلية بعد حريق سنترال رمسيس    إحباط ترويج ربع طن مخدرات ب34 مليون جنيه| صور    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    البابا تواضروس الثاني يلتقي الدارسين وأعضاء هيئة تدريس الكلية الإكليريكية بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد النهضة : آثاره على حصة مصر المائية والزراعة
نشر في المصريون يوم 24 - 06 - 2017

لأول مرة فى التاريخ ، يتعرض النيل لأكبر تحد يعطل مسيرته من دولة المنبع إثيوبيا إلى دولة المصب مصر.ويتم هذا التحدى ببناء إثيوبيا لسد النهضة على النيل الأزرق قرب الجانب الشرقى للحدود السودانية والذى من المخطط أن يحجز ببحيرته 74 مليار متر مكعب يبدأ تجميعها بتخزين 14 مليار متر مكعب من الفيضان الحالى أى خلال الشهور الثلاثة القادمة (يوليو وأغسطس وسبتمبر).
وتعتمد الآثار المترتبة على السدعلى ثلاثة عوامل أساسية 1) طول فترة الملء الأول لبحيرة السد ، 2) الكيفية التي سيجري إدارة تشغيل السد بها، 3) معدلات الفيضان السنوى والتى تعتمد أساسا على التغيرات المناخية على الهضبة الحبشية، ودون وجود اتفاقات بين إثيوبيا ودولتى المصب فيما يتعلق بطول فترة الملء الأول وإدارة التشغيل سيكون هناك الكثير من المخاطر بالنسبة للدولتين .
هدف السد المعلن والهداف غير المعلنة والموقف التفاوضى
الهدف الأساسى المعلن من قبل إثيوبيا من إقامة سد النهضة وغيره من السدود المخطط إقامتها على النيل الأزرق هو تأمين متطلبات الدولة من الكهرباء من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية لتوليد طاقة نظيفة ومتجددة كالطاقة الهيدروليكية المولدة من السدود . إلى جانب السيطرة على الفيضانات وزيادة رقعة الأراضي المزروعة بالرى.ومن المخطط أن ينتج سد النهضة طاقة كهربية تقدر ب 6000 ميجاوات سنويا يباع الجزء الأكبر منها إلى دول أخرى . أما الأهداف غير المعلنة فتشمل تحويل مساحات كبيرة من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية باستغلال المخزون المائى الكبير، وقد يتمكن الإثيوبيون مستقبلا من إقامة بنك للمياه حيث يبيعون المياه للدول الأخرى بما فيها مصر.
فعلى مدى سنوات التفاوض لم ينجح المفاوض المصرى فى الحصول على أى تنازل من قبل المفاوض الإثيوبى أو حتى حلحلته عن موقفه المتعنت.فالسد يجعل لإثيوبيا القدرة على التحكم الاستراتيجى الكامل فى مياه النيل الأزرق بعد نقل تخزين المياه من بحيرة السد العالى إلى بحيرة سد النهضة على الهضبة الإثيوبية.لأن المسألة لو كانت تفتصر على إنتاج الكهرباء فقط لكانت السدود الأصغر التى يتراوح تخزينها المائى بين 8 و 15 مليار متر مكعب كافية لإنتاج ما ترغبه إثيوبيا من كهرباء ، ولماذا إذن تتمسك إثيوبيا بسد ذى سعة تخزينية بمثل هذه الضخامة إلا إذا كانت تخطط لتحقيق أغراض أخرى ؟ وفى هذا السياق قد تكون الغاية النهائية للمفاوض الإثيوبى من وراء تشبثه بهذا الموقف المتعسف هو أن ترضخ مصر للتفاوض على أرضية جديدة تماما مؤداها أن مياه النيل الأزرق هى ملك لإثيوبيا ولها الحق فى التصرف فيها كيفما تشاء وعلى النحو الذى يعظم مصالحها منفردة بصرف النظر عن مصالح شركائها فى النهر.وعلى هذا النحو سيكون لدى إثيوبيا مخزونا كبيرا من المياه وقدرا كبيرا من الطاقة ولديها مساحات شاسعة من الأراضى القابلة للزراعة ، كل ذلك يوفر مناخا جاذبا للاستثمارات الخليجية والهندية والصينية التى لديها بالفعل موطىء قدم هناك.

رغم المفاوضات التى تجرى بين الدول الثلاث على مدى السنوات السابقة ومد يد التعاون من جانب مصر يبدو الموقف الإثيوبى متعسفا لا يبدى أى قدر من المرونة ، بل على العكس يستغل الموقف المصرى المرن فى تثبيت مكتسبات تفاوضية لصالحه .واقرب مثال على ذلك اعتباره وثيقة الخرطوم اعترافا بالسد بسعته الكبرى من جانب دولتى المصب ،ويؤيد ذلك تصريحات لمسئولين إثيوبيين يؤكدون فيها أن مسالة ملء وتشغيل السد هى جزء لا يتجزأ من إجراءات بناء السد الذى تعترف به الوثيقة ، ومن ثم لا مجال للتفاوض حولها مع دولتى المصب. ويلقى هذا الموقف ظلالا كثيفة من الشك على مدى التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات الفنية التى كان من المفترض أن تبدا فى أول فبراير 2016 وتنتهى فى يناير 2017، وهى غير ملزمة أصلا .
ومن ناحية أخرى ، إثيوبيا لم ، ولا تريد أن، تعترف مطلقا بحصة مصر المائية التاريخية ، مما يعطى مؤشرا واضحاً وصريحاً بأن إثيوبيا لا تقر بكمية المياه التى تستخدمها مصر حالياً ومنذ أكثر من خمسين عاماً، والتى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.ويترتب على هذا الموقف أن مصر تتعرض لسيناريوهات مفتوحة فيما يتعلق بإيراد النهر عند السد العالى وكلها تتوقف على المزاج الإثيوبى فضلا عن التغيرات المناخية بالنسبة للفيضان والجفاف. وتعتبر فترة الملء الأول لخزان السد هى الأخطر تأثيرا على إيراد النهر .فكلما كانت فترة الملء أقصر سارع ذلك من توليد الكهرباء وهو ما تريده إثيوبيا ، ولكن في المقابل سيخفض ذلك من سريان المياه لدول المصب بشكل كبير وستعانى مصر من الجفاف بشدة أثناء فترة الملء.

أولا : أثر السد على حصة مصر المائية
بدون الاتفاق على "حصة مصر المائية" المحددة والثابتة على النحو الذى استمر العمل به على مدى خمسين عاما ، وطالما ظلت إثيوبيا ترفض الالتزام تجاه دولتى المصب بحصة محددة . سيكون هناك كمية من المياه متغيرة تختلف من سنة إلى اخرى أو حتى من شهر لآخر .وتختلف الكمية الواردة سنويا لمصر أثناء فترة ملء بحيرة السد عنها فيما بعد الملء.

أ. المياه الواردة لمصر فى فترة الملء:
تتحدد كمية الواردة لمصر أثناء فترة الملء فى ضوء عدد سنوات التى تقررها إثيوبيا للملء.
إذا قررت إثيوبيا أن تكون فترة الملء إلى 3 سنوات فقط لبناء الحجم الكلى للتخزين والمحدد ب 74 مليار متر مكعب ،فيكون التخزين السنوى 25 مليار متر مكعب سنويا يتم خصمها من حصة مصر والسودان المائية بنسبة 75% و 25% على الترتيب ، وعلى ذلك تقل الكمية الواردة لمصر من المياه ب 18.5 مليار متر مكعب سنويا ،أى ينخفض الإيراد النهرى لمصر إلى 37 مليار متر مكعب سنويا بنسبة انخفاض 33.3% عن الحصة الحالية.
أما إذا قررت إثيوبيا أن يتم الملء في فترة 6 سنوات " فيقدر التخزين السنوى ب 12 مليار متر مكعب .وطبيعى أن هذه الكمية سوف تخصم من إيراد النهر لدولتى المصب السودان ومصر مقسمة بينهما 25% و 75% أى 3 و 9 مليارات على الترتيب. وفى ظل هذه التقديرات تبلغ كمية المياه الواردة لمصر 46.5 مليار متر مكعب ، أى ما يقل بنسبة 16.2% عن الحصة الحالية.وطبيعى أن الخصم يمكن أن يزيد عن ذلك فى سنوات الجفاف أو الفيضان المنخفض ،وقد يزيد بالنسبة لمصر إى 16 مليار متر مكعب سنويا فى فترات الجفاف.ويلاحظ أن هذه الحسابات لم تأخذ فى الاعتبار معدلات البخر فى البحيرة .

ب. المياه الواردة لمصر فيما بعد الملء:
بعد امتلاء بحيرة السد ، لن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعى كما كانت قبل السد.فهناك الفاقد المائى نتيجة البخر من البحيرة ، وهناك مشاريع التوسع فى الزراعة المروية والتى تخطط لها إثيوبيا والتى تقدر كمرحلة أولى بعد إتمام السد بنحو 2 مليون فدان. فإذا قدر الفاقد بالبخر ب 10 مليارات متر مكعب واحتياجات الرى للمساحة المذكورة ب 10 مليارات أخرى ، فيكون إجمالى الخصم من ايراد دولتى المصب 20 مليار متر مكعب سنويا نصيب مصر منها 15 مليار ، أى بنسبة انخفاض 27% عن الحصة الحالية.

ثانيا : أثر السد على المساحة المزروعة وتوزيعها الجغرافى

سوف يؤدى العجز المائى المتزايد إلى تقلص الرقعة الزراعية فى مصر بدرجات تتفاوت حسب السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالكميات المائية الواردة إلى مصر فى فترة الملء الأول وما بعده.كما يتوقع أن يتغير التوزيع الجغرافى للرقعة الزراعية حسب المناطق المتضررة من نقص المياه.
وللحصول على تقدير مبدئى للمساحة الزراعية المعرضة للفقد أثناء فترة الملء الأول يؤخذ فى الاعتبار أن الزراعة تستهلك حاليا نحو 50 مليار متر مكعب سنويا ، وأن الرقعة الزراعية الإجمالية 9 مليون فدان ، فيكون متوسط ما يستهلكه الفدان من المياه 5500 متر مكعب سنويا.وعلى ذلك ففى حالة السيناريو الأول (فترة ملء 6 سنوات وحجز 9 مليار م م سنويا) تبلغ المساحة الزراعية المعرضة للفقد 1.6 مليون فدان (تمثل 17% من إحمالى المساحة) ، وفى حالة السيناريو الثانى (الملء فى ظل فيضان تحت المتوسط او ضعيف) الذى ينخفض فى ظله الإيراد المائى لمصر ب 16 مليار م م سنويا تزيد المساحة الزراعية المفقودة إلى 2.9 مليون فدان (تمثل 32% من إجمالى المساحة).
أما السيناريو الأسوأ على الإطلاق فيحدث إذا ما قررت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد فى ثلاث سنوات فقط إذ ترتفع الكمية المحجوزة سنويا إلى 24.7 مليار م م نصيب مصر منها 18.5 مليار م م سنويا ترتفع إلى 25.5 مليار م م سنويا فى حالة الفيضان الضعيف.الأمر الذى يعنى تبوير 4.6 مليون فدان أى أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية.

أما بالنسبة للتوزيع الجغرافى للمساحة الزراعية المفقودة فيتوقف على أى المناطق أكثر تضررا من غيرها نتيجة لنقص المياه سواء فى الأراضى القديمة أو الجديدة . ومن المتوقع أنه سيكون لوزارة الموارد المائية دور فى إعادة توزيع الكميات الواردة على مختلف المناطق آخذة فى الاعتبار العجز الإضافى فى الموارد . ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية فى أراضى محافظات شمال الدلتا . وسوف تتضرر الأراضى القديمة بشكل أكبر من الأراضى الجديدة ، نظرا لأن الأولى تستخدم طريقة الرى بالغمر والثانية تستخدم طرق الرى الحديثة .
وجدير بالملاحظة ، أن الضرر الناشىء عن نقص المياه فى منطقة معينة إما يأخذ صورة تبوير كامل للأرض الزراعية وهذا يمكن أن يحدث فى حالة الانقطاع الكامل للمياه ،أو يأخذ صورة تبوير جزئى للأرض الزراعية كأن تزرع شتاء ولا تزرع صيفا.وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية مما يؤثر سلبا على الإنتاجية الفدانية.وفى جميع هذه الصور يصبح تجريف الأراضى الزراعية والتغول العمرانى عليها أمرا واقعا.ومن الصعب حينئذ استعادة خصوبة الأراضى إلى ما كانت عليه .

ثالثا : الآثار البيئية للسد وتداخلها مع أثر التغيرات المناخية
من المعروف أن مصر تنتمى جغرافيا إلى أكثر المناطق جفافا على مستوى العالم.كما أن الدراسات البيئية العالمية توضح أن مصر ستكون إحدى الدول القليلة التى ستضرر من ارتفاع سطح البحر فضلا عن الآثار الناشئة عن الاحتباس الحرارى.فمن المتوقع أن تتعرض أجزاء كبيرة من منطقة الدلتا إلى الغرق بمياه البحر المتوسط فى حالة ارتفاع سطح البحربما يتراوح بين نصف متر إلى متر بحلول عام 2050 .هذا بخلاف ظاهرة تسرب مياه البحر تحت أراضى الدلتا مخلفة ظاهرة تملح التربة وتدهور خصاتصها وانخفاض إنتاجيتها .ولهذا السبب تعمل الدولة على وجود مساحات مزروعة بالأرز لا تقل عن 700 ألف فدان فى شمال الدلتا للحد من هذه الظاهرة.ولاشك أن نقص الموارد المائية بسبب السد بما يتراوح بين 9-18.5 مليار متر مكعب سنويا سوف يجعل من الصعب الحفاظ على زراعات الأرز كما هى عليه الآن، ومن ثم يتوقع أن تضرب مياه البحر بالتملح أكثر من مليونى فدان فى منطقة الدلتا .أما السيناريو الكارثى حقا هو أن يتواكب مع السد ظاهرة الجفاف فى الهضبة الإثيوبية مع ظاهرة ارتفاع مياه البحر متزامنا ذلك كله مع ظاهرة الاحتباس الحرارى. هذا فضلا عن توقعات بزيادة معدلات التصحر والتجريف والتملح فى الأراضى الزراعية نتيجة لنقص المياه فى ظل السد.وستزداد ظاهرة تملح الأراضى نتيجة لزيادة درجة الملوحة فى المياه .ومن الآثار البيئية أيضا انخفاض موارد المياه الجوفية المتجددة المعتمدة على التسرب من مياه النيل.

رابعا : أثر السد على الإنتاج الزراعى والفجوة الغذائية
يلقى سد النهضة بظلال كثيفة على الإنتاج الزراعى فى مصر حيث يتعرض إلى نقص جوهرى نتيجة لفقد هذا الكم الهائل من الموارد المائية والأرضية. ولا يعزى النقص إلى الفقد الكلى أو الجزئى فى المساحة الزراعية فقط بل يتقرر كمحصلة للفقد فى المساحة والتوزيع الجغرافى لها والتغير فى التركيب المحصولى والفقد فى الإنتاجية الزراعية . فالتركيب المحصولى فى ظل عجز المياه يتجه إلى زراعة المحاصيل الأقل احتياجا للمياه على حساب المحاصل كثيفة استخدام المياه. أما بالنسبة للإنتاجية الزراعية فيتوقع أن تنخفض لأكثر من سبب ، الأول نتيجة لقصور المياه عن استيفاءالاحتياجات المائية للمحاصيل ، والثانى هو تدهور نوعية المياه بسبب زيادة درجة الملوحة ، وزيادة معدل تدوير المياه . فى المجمل إذا كان الناتج المحلى الإجمالى حاليا يبلغ 250 مليار جنيه ، فإن قيمة الفقد فى الإنتاج الزراعى تتراوح بين 42 و 80 مليار جنيه فى السيناريوهين الأفضل والأسوأ على الترتيب .أما فى ظل السيناريو الأكثر سوءا على الإطلاق فينخفض الناتج الزراعى إلى النصف.
ويتوقع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجه إلى الاتساع بشكل جوهرى نظرا لأن محاصيل الحبوب وهى عصب الأمن الغذائى سوف تتأثر سلبا بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية ، وتتركز محاصيل الحبوب فى منطقة الدلتا التى ستضرر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية .

خامسا:الآثار الإجتماعية والأضرار الواقعة على السكان الزراعيين ومعدلات الفقر الريفى
سوف ينشىء السد ظروفا غاية فى الصعوبة لقطاعات عريضة من السكان الريفيين خاصة فى المناطق المتضررة بنقص الموارد المائية. وبصفة عامة يمكن تقدير عدد السكان الزراعيين المضارين بشكل تقريبى .وذلك على اساس أن العدد الكلى للسكان الزراعيين 40 مليون نسمة يتعيشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 مليون فدان ، فتكون حمولة الفدان من السكان 4.4 فرد ، أى أن كل مليون فدان يعول 4.4 مليون نسمة.وفى حالة السيناريو الأول (فقد 1.6 مليون فدان) يفقد 7 مليون نسمة مصدر دخلهم الرئيسى ، اما فى حالة السيناريو الثانى فيزيد عدد السكان الزراعيين الذين يفقدون مصدر دخلهم إلى 12.8 مليون نسمة . وفى السيناريو الثالث يزيد عدد السكان المتضررين الفاقدين لدخولهم 20.2 مليون نسمة أى نصف عدد السكان الزراعيين. وسينشأ عن هذه السيناريوهات مشاكل خطيرة تتعلق بالهجرة الريفية المتزايدة إلى المدن وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سببا فى خلق قلاقل اجتماعية على نطاق واسع .

أستاذ الاقتصاد الزراعى
كلية الزراعة، جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.