"المتساقطون على طريق الدعوة؛ كيف ولماذا" كتاب واسع الانتشار بين أفراد التنظيم الإخواني في أنحاء العالم وواحد من المؤلفات التي تشكّل قناعات المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، منذ كتبه في ثمانينيات القرن العشرين فتحي يكن المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في لبنان. الكتاب يتناول بالتحليل - من وجهة نظر كاتبه - ظاهرة التفلّت التنظيمي لبعض أعضاء الجماعة البارزين وانشقاقهم عنها بعد طول اتصال بها، وهى الظاهرة التي يسميها يكن "التساقط"، ويأتي في مقدمة وفصلين عنوان الأول منهما "ظاهرة التساقط في عهد النبوة" وفيه يتناول نماذج لأخطاء وقع فيها عدد من الصحابة قبل أن يعودوا تائبين، بينما عنوان الثاني "أسباب التساقط" وفيه يحلل أسباب الانشقاق والتفلّت التنظيمي في جماعة الإخوان. يقرر يكن أن ظاهرة التساقط الإخواني تختلف عن ظاهرة التساقط في عهد النبوة؛ فالتساقط في عهد النبوة - على حد تعبيره - لم يكن إلا وقوعا في بعض الأخطاء الجسيمة أحيانًا يعقبها عودة سريعة وتوبة، بينما التساقط الحديث يعني خروج الفرد من تنظيمه خروجًا نهائيًا. وأرجع هذا الفرق إلى أن الحركة الإسلامية المعاصرة ليست هي جماعة المسلمين التي يعد الخارج منها مرتدًا ومن ثم يغادرها من يغادر دون تأنيب الضمير، وبالتالي فإن المسلمين الأوائل كانوا يواجهون تلك الأخطاء الجسيمة بالإنكار على صاحبها باعتباره خارجًا عن الدين، بينما قد يجد المنشق المعاصر تشجيعًا في بعض الأوساط الإسلامية. هذا الفرق الجوهري بين الحالتين، والذي يقر به يكن، كان كفيلا بنسف فكرة الكتاب من جذورها؛ فبما أن جماعة الإخوان مجرد تنظيم وليست هي الدين ذاته فإنه لا تثريب على من انتمى إليها زمنا ثم قرر الخروج منها. ولكن يبدو أن يكن حريص على تضخم حجم التنظيم ومنع الانفلات منه، ومن ثم سيسعى في بقية صفحات الكتاب إلى الخلط العجيب بين الدين والتنظيم؛ حتى يمتلئ أفراد الجماعة قناعة بأنهم في تنظيم مقدس كالدين لا يصح الخروج منه، وحتى ينظروا إلى المغادرين نظرة دونية تحول دون اتساع شريحة المغادرين وإن رأوا من التنظيم ما لا يروق لهم. يقول يكن في مقدمة كتابه: "فمن هؤلاء من ترك الدعوة ولم يترك الإسلام، ومنهم من ترك الدعوة والإسلام معًا، ومنهم من ترك الجماعة وأنشأ جماعة أخرى أو التحق بجماعة أخرى، وهكذا تتكاثر وتتعدد ظواهر التساقط". بهذه الكلمات يساوي يكن بين الارتداد عن الدين والارتداد عن التنظيم، فلا فرق عنده بين مغادرة الإسلام كدين وبين مغادرة الجماعة والتنظيم؛ فالانفلات من التنظيم - على حد تعبيره - سيؤدي إلى "انتشار وشيوع ظاهرة مرضية أخرى هى ظاهرة التعددية في العمل الإسلامي". وهذه بالطبع نتيجة لا يريدها من يرون جماعتهم أولى الجماعات الإسلامية بالاتباع! عند تحليله لأسباب هذا "التساقط" يورد يكن ثلاثة أنواع من الأسباب المؤدية له: بعضها يتعلق بالجماعة وبعضها يتعلق بالفرد وبعضها يتعلق بالظروف المحيطة. ويخلص القارئ إلى نتيجة مفادها أن هذا "المتساقط" شخص ضعيف النفس أمام ضغط المحن أو طامع في مال ووجاهة وقد يكون غير منضبط بطبعه أو متطرفا في الفكر أو متساهلا في مقاومة المغريات، أما الجماعة فهي أبدًا ناصعة الفكرة صحيحة التوجه ولكنها قد تقصر في تربية هؤلاء الضعفاء واستيعابهم. هذه الفكرة انتشرت بين أفراد جماعة الإخوان وشكّلت وجدانهم وقناعاتهم إلى الدرجة التي نراهم معها يخلطون هذا الخلط العجيب بين الدين والتنظيم؛ فالذي يختلف مع تنظيمهم يصنفونه في خانة المعادي للدين ذاته، والمغادر لجماعتهم شخص زلّت قدمه يدعون له ولأنفسهم بالثبات. حتى يمتد هذا الخلط إلى توصيف الصراعات السياسية التي تخوضها الجماعة بأنها صراعات دينية بين الحق الذي يمثلونه وبين الباطل الذي يمثله مخالفهم. المفارقة هنا أن فتحي يكن نفسه قد غادر جماعة الإخوان المسلمين عام 2006 وأسس في لبنان تنظيمًا آخر هو جبهة العمل الإسلامي بعد خلاف نشب بينه وبين قيادات الإخوان، ليكون بذلك واحدًا ممن وصفهم ب"المتساقطين" على طريق الدعوة؛ لينسف بهذه الخطوة فكرة كتابه من جذورها ويثبت عدم منطقيتها ومخالفتها لطبيعة الاجتماع البشري المتغيرة والتي تختلف عن طبيعة الدين الثابتة. وقد آن لهذه التنظيمات أن تفك هذا الارتباط غير المبرر بين الدين المقدس الذي لا يليق أن يتعدد وبين التنظيم البشري الذي يصيب ويخطئ وينبغي أن يتعدد بتعدد أفكار البشر وقناعاتهم؛ هذا الارتباط الذي يصح معه أن نصف تلك التنظيمات بأنها "متساقطة على طريق الفهم الصحيح للإسلام".