أقبلت مواسم الطاعة وهلّت ليالي الأنس والوصال وحلّت ساعات تواصل الأرض بالسماء... ساعات يباهي الله سبحانه فيها ملائكته... بأولئك الركع السُّجود بالليل بين يديه... خاضعين متبتّلين. في صلاة الليل أسرار لا يعرفها إلا من جرّب وأُذن له بالقرب والوصال... ولصلاة الليل حلاوة لا يدركها إلا من تذوق وأُذن له بالأنس والنَّوال... وعلى صلاة الليل طَلاوة لا يحسّها إلا من دنا وسجد واقترب... وأُذن له بالدخول والإقبال. فقف - إذا ما وقفت في صلاتك - بين يديه سبحانه بالتعظيم لوجه ذي الجلال الذي من أمامك... وبالإقرار والندم لمن يرى دون الخلائق كل أحوالك... ويطلع دون كل أحد على كل أسرارك وأفعالك... قف متفكرا فيما تتلو وتتحرك به شفتاك وينطق به لسانك... وكن حاضرا بقلبك فيما تقرأ... وهذا مفتاح الولوج وبداية الأمل في الفوز بالقرب والوصول. متذكرا بهذا الوقوف بين يديه تعالى طول الوقوف يوم القيامة بين يديه للعرض عليه سبحانه. واركع -إذا ما ركعت في صلاتك - بالتعظيم... مسبحا ربك العظيم... متذكرا حمل أوزارك وأثقالك... معظما من ركعت له، شاكرا له على توفيقه؛ فلو شاء لأقالك. واسجد -إذا ما سجدت في صلاتك - بالخضوع والذل لجلاله مسبحا ربك الأعلى... مناجيا ربك واضعا حاجتك بين يديه... متذكرا كل حاجة تريدها في كل أحوالك... وأنك لولا فضله عليك لكنت لا محالة هالك. وتشهد - إذا ما جلست للتشهد - محييا متذكرا ربك تعالى وما شرع من صلوات وزكوات وأعمال طيبات... مسلما على نبيك صلى الله عليه وسلم وعلى نفسك وعلى عباده الصالحين في الأرض وفي السماء... متذكرا رحمة الله وبركاته... وانطق الشهادتين حاضرهما بقلبك... واختم ذلك بالصلاة على النبي وآله. واجعل وردك من كتاب ربك في شهر القرآن - إن استطعت - كله في صلاة الليل... ولا يكن همك عدد الختمات... ولا كثرة ما تقرأ بقدر ما تجعل همك أن تجول بعقلك وقلبك وفكرك في رياض القرآن وعجائبه... فإنه: - إن ختمت القرآن في صلاة الليل في شهر رمضان ختمة واحدة فهو توفيق وتسديد... وذلك بقراءة جزء واحد منه كل ليلة. - وإن جعلتها ختمتان فهو أحسن، بأن تقرأ في كل ليلة جزئين... وأحسن منها أن تختم في العشرين الأولى ختمة بجزء ونصف كل ليلة... وتجعل ختمة في العشر الأخيرة؛ ثلاثة أجزاء كل ليلة. - وإن جعلتها ختمة لكل عشرة فتختم ثلاث ختمات فهو أحسن. - وإن زدت فجعلتها ختمة في كل أسبوع فهو أحسن. - وأحسن منها ختمة في كل خمس ليال. - وإن وصلت أن تختم في كل ثلاث ليال ختمة فهو حد الكمال... ولا مزيد عليه... فمن ختمه في أقل من ثلاث لم يفقهه... ولم يفكر فيه ولم يقف على وعده ووعيده. وأنسبها عندي وأحبها إلي ختمتان؛ ختمة في العشرين الأولى، وختمة في العشر الأخيرة... وأحب أن تكثر من الذكر مطلقا بالليل والنهار... وأحب أن تكثر من الاستغفار في أول الشهر وقبله لفك القيد وحل الوثاق، والدخول على موسم الفضائل هذا عن جدارة واستحقاق. ثم التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والحوقلة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم... وكذلك مطلق الدعاء وأحبه إلي سؤال الله تعالى العفو والعافية لا سيما في العشر الأخيرة خاصة الليالي التي نتحرى فيها ليلة القدر... وعلى الله قصد السبيل... فاللهم وفقنا، وبارك لنا، وتقبل منا... إنك أنت السميع العليم.