كم تمر علىَّ الأوقات وأنا فى حالة ذهول لا أكاد أصدق نفسى من تجاهل الحركة الإسلامية لفريضة الوقت التى كان ينبغى أن تنفق فيها جل وقتها ومعظم مشروعها بعد ثورة يناير العظيمة، ولكنها أغفلتها واكتفت بالتأكيد المستمر والمتوالى على أن مصر سترجع إسلامية!! رغم أن ما تركته وتغافلت عنه هو واحد من أهم الأسس التى جاء الإسلام ليقيم عليها نظامه العام ومشروعه الحضارى وكان كلام الله المنزل على نبيه المكرم صلى الله عليه وسلم، يؤكد على ضرورة تحرير "الإنسان" من كل صور العبودية الجسدية والفكرية والدينية وتأكيد "حريته". فقد كانت "الحريات" قلب نظام الإسلام النابض التى أسس عليها نظامه وجاءت كلمة التوحيد كإعلان رسمى لتحرر الإنسان من عبادة الحجر والشجر وعبادة الأحبار والرهبان وتوجيه العبودية نحو خالق واحد أحد فرد صمد سبحانه وتعالى ونهى الإسلام بشدة أن تتخذ الوسائط بين العباد وبين خالقهم جل وعلا حتى لا تنشأ بعد ذلك طبقة تسلب الإنسان حريته وقدرته على الاختيار. الإسلام جاء ليؤسس دولة الحريات والعدالة والكرامة الإنسانية، وهذا هو جوهر الشريعة الإسلامية ومضمونها الحقيقى، الذى غاب للأسف عن أذهان الكثرة الكاثرة من أبناء الحوكة الإسلامية نتيجة غياب حديث "الحريات" عن مضمون خطاب أكثرية مشايخ وقادة الحركة الإسلامية وصرنا نسمع كلاماً مكرراً مقصودا منه مخاطبة العواطف والمشاعر من نوعية وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة دولة الإسلام وكأن الإسلام غائب عن مصر شعبا ومجتمعا.. لا ينكر أحد أن المجتمع المصرى أصيب بالعديد من الأمراض الأخلاقية والتربوية القاتلة، ولكن هذا لا يمنع أن الإسلام لم يغب وأنه حاضر وبقوة فى وعى ووجدان الشعب المصرى الذى بدا عصياً ممتنعاً طيلة العقود الماضية على الغزو العلمانى المركز فى الثقافة والإعلام والتعليم وغيره، ولكنه بقى مشدوداً إلى إسلامه وعقيدته. والشعب المصرى ينتظر منا أن نحول هذه الشعارات إلى واقع عملى ملموس يشعره بالتغير وليس هناك أغلى ولا أسمى من أن يسترد هذا الشعب حريته التى أفقدته قدرته على الإبداع والابتكار، وكما قال الكواكبى رحمه الله: )ولا شك أن الحرية أعز شىء على الإنسان بعد حياته, وأن بفقدانها تفقد الآمال, وتبطل الأعمال, وتموت النفوس, وتتعطل الشرائع, وتختل القوانين). ورغم أن كثيراً من الإسلاميين يؤكدون أن تطبيق الشريعة لا يعنى تطبيق الحدود التى تعتبر جزءًا منها إلا أننى ومن خلال متابعتى لكثير من الأحاديث واللقاءات للعديد منهم أشعر أن الإسلام لديهم انحسر فى السعى لإنفاذ الحدود وأشعر – وقد يكون بعض الظن إثماً – أنه إذا ابتلينا بطاغية جديد يصادر الحريات ويستعبد البشر، ولكنه يتخذ من تطبيق الحدود ستارًا له لخر له البعض ساجدين ولنادوا به ولياً للأمر وإماما مطاعاً!! ورغم أن الإسلاميين هم أكثر من عانى من غياب الحريات وشيوع الظلم إلا أنهم تغافلوا عن قضية الحريات وسبل تدعيمها وتأصيلها كأحد أهم ركائز دولة الإسلام القوية وكأن الحرية باتت تعنى لديهم انفتاح الباب أمام الفسوق والمجون والخلاعة وهى محض هواجس فكل خروج عن الآداب فالمجتمع والقانون كفيلان به. ومن هنا فإن المجتمع المصرى لا يحتاج إلى مزيد من القوانين التى تحد من الحريات وتقلص مساحتها بقدر احتياجه إلى نسف ترسانة القوانين التى تقف كحجر عثرة أمام إطلاق الحريات وملكات الإبداع والابتكار. هذا المجتمع يحتاج أن يسترد حقه فى الاختيار الحر متى شاء وأن يتعلم أن الحرية هى حق والتزام فى الوقت ذاته وعندما يسترد الشعب حريته سيشعر بكرامته وقيمته الإنسانية وتتعزز لديه قيمة الانتماء لهذا الوطن. استرداد المواطن لحريته هى الضمانة الحقيقة لنجاح مشاريع النهضة والتنمية والريادة. فعلى الحركة الإسلامية أن تهتف بإخلاص فى كل ميدان حرية.. عدالة.. كرامة إنسانية، وهى توقن من داخلها أنها تعنى إسلامية.. إسلامية. [email protected]