«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنبيه الغافلين بأهمية قضاء الدين (3)


ثانيا : المدين المعسر :-
تعريفه :
جاء في معجم المعانى : { المدين المعسر هو غير القادر على أداء دينه ويجد عسرا في ذلك . عاجز عن سداد ديونه في حينها } أه .
وجاء في الموسوعة الفقهية في تعريف الإعسار أنه : { عدم القدرة على النّفقة ، أو عدم القدرة على أداء ما عليه بمالٍ ولا كسبٍ } أه .
وضابط الإعسار عند الفقهاء هو ألا يجد المدين وفاءً لديونه من أموال نقدية أو عينية كالعقارات والأراضي ونحوها ، وقد حدد مجمع الفقه الإسلامي ضابط الإعسار في قراره المتعلق ببيع التقسيط حيث ورد في القرار: { ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار : ألا يكون للمدين مالٌ زائدٌ عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقدًا أو عينًا } ، فالمعسر الذي عنده أموال عينية كالأراضي أو العقارات وهي زائدة عن حوائجه الأصلية ، يلزمه بيعها لقضاء ديونه ، ولا يلزمه أن يبيع بيته الذي يسكن فيه ، أو أرضه الزراعية التي يعتاش منها ، أو سيارته التجارية التي يشتغل عليها .
ولعجز المدين المعسر عن سداد دينه ، فإن مات وهو عازم على السداد فإن الله يؤدى عنه :
أ- أداء الله عنه :-
عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يدعو اللهُ بصاحبِ الدَّيْنِ يومَ القيامةِ حتى يُوقفَ بين يديهِ فيقالُ : يا ابنَ آدمَ فيم أخذتَ هذا الدَّيْنَ وفيم ضيَّعتَ حقوقَ الناسِ فيقولُ : يا ربِّ إنك تعلمُ أني أخذتُهُ فلم آكل ولم أشرب ولم ألبس ولم أُضَيِّعْ ولكن أتى على يديَّ إمَّا حَرَقٌ وإما سَرَقٌ وإما ضِيَعَةٌ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : صدق عبدي أنا أحقُّ من قضى عنك اليومَ فيدعو اللهَ عزَّ وجلَّ بشيٍء فيضعُهُ في كفَّةِ ميزانِهِ فترجحُ حسناتُهُ على سيئاتِهِ فيدخلُ الجنةَ بفضلِ رحمتِهِ } ( رواه أحمد وحسنه أحمد شاكر ، وضعفه الألبانى )
وقد حث الشرع الدائنين على الصدقة على المعسر ، ووضع الدين عنه :
ب- إستحباب الصدقة على المعسر :-
قال تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى? مَيْسَرَةٍ? وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ? إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
قال القرطبي رحمه الله : { ندب الله تعالى? بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعُسِر وجعل ذلك خيراً من إنْظاره وانتظار سداده } أه .
وعن محمد بن كعب القرظي : { أن أبا قتادة كان له على رجل دين ، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبىء منه ، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه ، فقال : نعم هو في البيت يأكل خزيرة ، فناداه يا فلان اخرج ، فقد أُخْبِرتُ أنك ههنا ، فخرج إليه ، فقال : ما يغيبك عني ؟ قال : إني معسر وليس عندي ، قال : آلله أنك معسر ؟ قال : نعم ، فبكى أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نفس عن غريمة أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة } ( أخرجه أحمد ) وفى رواية : { عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه طلب غريمًا له فتوارى عنه ثم وجده ، فقال : إني معسر ، قال : آلله ، قال : آلله ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه } ( رواه مسلم ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : { . . . وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى? مُعْسِرٍ ، يَسَّرَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ . . . } ( أخرجه مسلم ) .
وعن أبي هريرة رضيَ الله عنه ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : { كان تاجِرٌ يُداينُ الناسَ ، فإذا رأَى مُعسِراً قال لِفتيانهِ : تجاوَزُوا عنهُ لعلَّ الله أن يَتجاوَزَ عنّا ، فتَجاوَزَ الله عنه } ( متفق عليه واللفظ للبخاري )
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تلقت الملائكةُ روحَ رجلٍ ممن كان قبلكم ، فقالوا : عملتَ من الخير شيئًا ؟ قال : لا ، قالوا : تذكَّر، قال : كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال الله : تجاوزوا عنه } ( رواه البخاري ومسلم )
وفي رواية لمسلم وابن ماجة عن حذيفة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أن رجلًا مات فدخل الجنة ، فقيل له : ما كنت تعمل ؟ قال : فإما ذَكرَ وإما ذُكِّرَ ، فقال : كنت أبايع الناسَ ، فكنت أُنظر المعسرَ، وأتجوز في السَّكة ، أو في النقد فغفر له } ( التجوز والتجاوز معناهما المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقصٌ يسير ) كما قال النووي في شرح صحيح مسلم ، وفي رواية للبخاري ومسلم عنه أيضًا قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه ، فقال هل عملت من خير؟ قال : ما أعلم ، قيل له : انظر ، قال : ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا ، فأُنظر الموسر ، وأتجاوز عن المعسر ، فأدخله الله الجنة } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { كان رجلٌ يداين الناس ، وكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه ، لعل الله عز وجل يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه } ( رواه البخاري ومسلم ) ، وفي رواية للنسائي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط ، وكان يداين الناس ، فيقول لرسوله : خذ ما تيسر ، واترك ما عسر وتجاوز ، لعل الله يتجاوز عنا ، فلما هلك قال الله له : هل عملت خيرًا قط ؟ قال : لا ، إلا أنه كان لي غلام ، وكنت أداين الناسَ ، فإذا بعثته يتقاضى قلت له : خذ ما تيسر، واترك ما عَسُرَ ، وتجاوز ، لعل الله يتجاوز عنا ، قال الله تعالى : قد تجاوزت عنك } ، وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { حُوسب رجل ممن كان قبلكم ، فلم يوجد له من الخير شيء ٌ، إلا أنه كان يخالط الناس ، وكان موسرًا ، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر ، قال الله تعالى : نحن أحق بذلك ، تجاوزوا عنه } ( رواه مسلم ).
ج - إستحباب الوضع عن المدين :-
عن عائشة رضى الله عنها قالت : { سمع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صوتَ خُصومٍ بالبابِ عاليَةٍ أصْواتُهما، وإذا أحدُهما يَسْتَوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُهُ في شَيءٍ ، وهو يقول : والله لا أفعلُ ، فخرج عليهما رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( أين المُتَألِّي علَى اللَّهِ لا يفْعَلُ المعْروفَ) . فقال : أنا يا رسولَ اللهِ ، ولهُ أيُّ ذلك أحَبَّ.} ( رواه البخارى ومسلم )
قال الحافظ في الفتح : { قوله : ( سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم ) في رواية " أصواتهما " ، وكأنه جمع باعتبار من حضر الخصومة وثنى باعتبار الخصمين ، أو كأن التخاصم من الجانبين بين جماعة فجمع ثم ثنى باعتبار جنس الخصم ، وليس فيه حجة لمن جوز صيغة الجمع بالاثنين كما زعم بعض الشراح ، ويجوز في قوله : " عالية " الجر على الصفة والنصب على الحال .
قوله : ( وإذا أحدهما يستوضع الآخر ) أي يطلب منه الوضيعة ، أي الحطيطة من الدين .
قوله : ( ويسترفقه ) أي يطلب منه الرفق به . وقوله : ( في شيء ) وقع بيانه في رواية ابن حبان فقال في أول الحديث " دخلت امرأة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه . لا والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا أو نطعمه مسكينا ، وجئنا نستوضعه ما نقصنا " الحديث ، فظهر بهذا ترجيح ثاني الاحتمالين المذكورين قبل ، وأن المخاصمة وقعت بين البائع وبين المشتريين ولم أقف على تسمية واحد منهم ، وأما تجويز بعض الشراح أن المتخاصمين هما المذكوران في الحديث الذي يليه ففيه بعد لتغاير القصتين ، وعرف بهذه الزيادة أصل القصة .
قوله : ( أين المتألي ) بضم الميم وفتح المثناة والهمزة وتشديد اللام المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين ، مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد التحتانية وهي اليمين ، وفي رواية ابن حبان " فقال : آلى أن لا يصنع خيرا ثلاث مرات فبلغ ذلك صاحب التمر " . قوله : ( فله أي ذلك أحب ) أي من الوضع أو الرفق ، وفي رواية ابن حبان : " فقال إن شئت وضعت ما نقصوا إن شئت من رأس المال ، فوضع ما نقصوا " وهو يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال ، وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة ، لا كما زعم بعض الشراح أنه يريد بالرفق الإمهال ، وفي هذا الحديث الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه ، والزجر عن الحلف على ترك فعل الخير ، قال الداودي : إنما كره ذلك لكونه حلف على ترك أمر عسى أن يكون قد قدر الله وقوعه ، وعن المهلب نحوه ، وتعقبه ابن التين بأنه لو كان كذلك لكره الحلف لمن حلف ليفعلن خيرا ، وليس كذلك بل الذي يظهر أنه كره له قطع نفسه عن فعل الخير ، قال : ويشكل في هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي قال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص : " أفلح إن صدق " ولم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل الخير ، ويمكن الفرق بأنه في قصة الأعرابي كان في مقام الدعاء إلى الإسلام والاستمالة إلى الدخول فيه فكان يحرص على ترك تحريضهم على ما فيه نوع مشقة مهما أمكن ، بخلاف من تمكن في الإسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير . وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع ، وطواعيتهم لما يشير به ، وحرصهم على فعل الخير ، وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت عند الحاكم . وفيه جواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية واعتل بما فيه من تحمل المنة . وقال القرطبي : لعل من أطلق كراهته أراد أنه خلاف الأولى . وفيه هبة المجهول ، كذا قال ابن التين ، وفيه نظر لما قدمناه من رواية ابن حبان والله أعلم . } أه .
أحكام المدين المعسر :-
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : { أوّلاً‏:‏ مطل المدين المعسر الّذي لا يجد وفاءً لدينه :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يمهل حتّى يوسر‏ ، ويُترك يطلب الرّزق لنفسه وعياله والوفاء لدائنيه‏ ، ولا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا مضايقته‏ ، لأنّ المولى سبحانه أوجب إنظاره إلى وقت الميسرة فقال :‏ { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }‏‏.‏
قال ابن رشدٍ‏ :‏ لأنّ المطالبة بالدّين إنّما تجب مع القدرة على الأداء‏ ، فإذا ثبت الإعسار فلا سبيل إلى المطالبة‏ ،‏ ولا إلى الحبس بالدّين‏, ، لأنّ الخطاب مرتفع عنه إلى أن يوسر‏.‏
وقال الشّافعي‏ :‏ لو جازت مؤاخذته لكان ظالماً‏ ، والفرض أنّه ليس بظالم لعجزه‏ ، بل إنّ ابن العربيّ قال‏ : إذا لم يكن المدين غنياً‏ ، فمطله عدل‏ ،‏ وينقلب الحال على الغريم‏ ، فتكون مطالبته ظلماً‏ ، لأنّ اللّه تعالى قال :‏ { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ‏ }‏‏.‏
وأجاز الحنفيّة ملازمة الدّائن لمدينه المعسر مع استحقاقه الإنظار بالنّصّ .‏
وقد بيّن المصطفى صلى الله عليه وسلم فضل إنظار المعسر وثوابه عند اللّه تعالى‏ ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول :‏ { من أنظر معسراً أو وضع له أظلّه اللّه يوم القيامة تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظله } .
واختلف الفقهاء في المدين المعسر إذا لم يكن القدر الّذي استحقّ عليه حاضراً عنده‏ ، لكنّه قادر على تحصيله بالتّكسب مثلاً ، هل يجب عليه ذلك أم لا ؟‏ قال الحافظ ابن حجرٍ :‏ أطلق أكثر الشّافعيّة عدم الوجوب‏ ، وصرّح بعضهم بالوجوب مطلقاً .‏ وفصّل آخرون بين أن يكون أصل الدّين يجب بسبب يعصي به فيجب ، وإلا فلا } أه .
ثالثا : المدين المماطل :-
تعريفه :
جاء في الزاهر لأبى بكر الأنبارى : { المماطلة لغة : من المطل ، وهو كما يقول الأزهري : هو إطالة المدافعة وكل مضروب طولا من حديد وغيره فهو ممطول }
وجاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : { المطل أصل يدل على مد الشيء وإطالته }
وهو مشتق من مطلت الحديدة إذا ضربتها ومددتها لتطول .
وجاء في المصباح المنير للفييومى : { ومنه يقال : مطله بدينه مطلا ، وماطله مماطلة : إذا سوفه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى }
وفي الاصطلاح الفقهي : فقد حكى النووي ، وملا علي القاري أن المطل شرعا : منع قضاء ما استحق أداؤه وزاد القرطبي قيدا فقال : { عدم قضاء ما استحق أداؤه مع التمكن منه } ( المفهم فيما أشكل على صحيح مسلم )
وقال الحافظ ابن حجر في فتح البارى : { ويدخل في المطل كل من لزمه حق ، كالزوج لزوجته والسيد لعبده ، والحاكم لرعيته ، وبالعكس }
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في فتح البارى : { والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، والغني مختلف في تعريفه، ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخرَّه ولو كان فقيرًا } أه .
وللترهيب من المطل ، فقد رتب الشرع عليه الآتى :
1- إتلاف الله له :-
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { مَن أخَذَ أموالَ الناسِ يُريدُ أداءَها أدّى اللهُ عنه ، ومَن أخَذَها يُريدُ إتلافَها أتْلَفَهُ الله } ( أخرجه البخاري ) .
قال أهل العلم : والإتلاف هنا يشمل إتلاف النفس في الدنيا بإهلاكها ، ويشمل أيضاً إتلاف طيب عيشه ، وتضييق أموره ، وتعسّر مطالبه ، ومحق بركته ، فضلاً عما يحصل له من العذاب في الآخرة .
2 - المماطل زانٍ وسارقٍ :-
عَنْ مَيْمُونٍ الْكُرْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنَ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ ، لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا ، خَدَعَهَا ، فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا حَقَّهَا ، لَقِيَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْناً لاَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ ، خَدَعَهُ ، حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ ، فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ دَيْنَهُ ، لَقِيَ اللَّه وَهُوَ سَارِقٌ } ( أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط ، ورواته ثقات ، وصححه الألباني رحمه الله ) .
وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { أيما رجل يدين دينًا وهو مجمع على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقًا } ( رواه ابن ماجة والبيهقي ، وقال العلامة الألباني : حسن صحيح . )
3 - المماطل الغنى ظالم :-
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : { مَطلُ الغنيِّ ظلمٌ ، ومنْ أتبعَ على مَليٍّ فليتَّبِعْ } ( رواه البخارى )
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في فتح البارى ً: { وفي الحديث الزجر عن المطل ، واختلف هل يُعَدُّ فعله عمدًا كبيرة أم لا ؟ فالجمهور على أن فاعله يفسَّق } أه .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } ( أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه الألباني ) .
ومعنى لي الواجد : أي مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه .
يحل عرضه : يبيح أن يُذكر بسوء المعاملة .
عقوبته : حبسه .
4 - المماطل مفلس :-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَ?ذَا ، وَقَذَفَ هَ?ذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَ?ذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَ?ذَا ، وَضَرَبَ هَ?ذَا ، فَيُعْطَى? هَ?ذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَ?ذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى? مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } ( أخرجه مسلم ) .
5 – فقدانه للحسنات ، وإكتسابه للسيئات :-
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : { مَن كانت لهُ مَظلمةٌ لأخيهِ مِن عِرضِه أو شيءٍ ، فليَتحلَّلْهُ منهُ اليومَ ، قبلَ أن لا يكونَ دينارٌ ولا دِرهمٌ ، إن كانَ لهُ عملٌ صالِحٌ أُخِذَ منهُ بقدْرِ مَظلمتِه ، وإن لم تكنْ لهُ حَسناتٌ ، أُخِذَ من سيِّئات صاحبِه فحُمِلَ عليه } ( أخرجه البخاري )
وعن عبدالله بن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من ماتَ وعليْهِ دينارٌ أو درْهمٌ قُضِيَ من حسناتِه ، ليسَ ثمَّ دينارٌ ولا درْهمٌ } ( رواه ابن ماجه وصححه الألبانى )
أحكام المدين المماطل :-
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : { نصّ الفقهاء على طرقٍ تتّبع لحمل المدين المماطل على الوفاء ، منها‏ :‏
أ - قضاء الحاكم دينه من ماله جبراً :‏
إذا كان للمدين المماطل مال من جنس الحقّ الّذي عليه ، فإنّ الحاكم يستوفيه جبراً عنه ، ويدفعه للدّائن إنصافاً له ، جاء في الفتاوى الهنديّة‏ :‏ المحبوس في الدّين إذا امتنع عن قضاء الدّين وله مال فإن كان ماله من جنس الدّين ، بأن كان ماله دراهم والدّين دراهم‏ ، فالقاضي يقضي دينه من دراهمه بلا خلافٍ .‏
وقال القرافي‏ :‏ ولا يجوز الحبس في الحقّ إذا تمكّن الحاكم من استيفائه ، فإن امتنع من دفع الدّين ، ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدّين ، ولا يجوز لنا حبسه .‏
ب - منعه من فضول ما يحل له من الطّيّبات :‏
قال ابن تيميّة‏ :‏ لو كان قادراً على أداء الدّين وامتنع ، ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنّكاح فله ذلك‏ ، إذ التّعزير لا يختص بنوع معيّنٍ‏ ، وإنّما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره‏ ، إذا لم يتعدّ حدود اللّه‏ .‏
ج - تغريمه نفقات الشّكاية ورفع الدّعوى :‏
قال ابن تيميّة :‏ ومن عليه مال ، ولم يوفّه حتّى شكا رب المال ، وغرم عليه مالاً ، وكان الّذي عليه الحق قادراً على الوفاء‏ ، ومطل حتّى أحوج مالكه إلى الشّكوى ، فما غَرِمَ بسبب ذلك ، فهو على الظّالم المماطل‏ ، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد‏ .‏
د - إسقاط عدالته ورد شهادته :‏
حكى الباجيّ عن أصبغ وسحنونٍ من أئمّة المالكيّة أنّهم قالوا بردّ شهادة المدين المماطل مطلقاً ، إذا كان غنياً مقتدراً ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّاه ظالماً في قوله :‏ { مطل الغنيّ ظلم } ونقل الحافظ ابن حجرٍ عن جمهور الفقهاء أنّ مقترف ذلك يفسّق .‏
ولكن هل يثبت فسقه وترد شهادته بمطله مرّةً واحدةً ، أم لا ترد شهادته حتّى يتكرّر ذلك منه ويصير عادةً‏ ؟‏
قال النّووي :‏ مقتضى مذهبنا اشتراط التّكرار ، وقال السبكي‏ :‏ مقتضى مذهب الشّافعيّة عدمه ، واستدلّ بأن منع الحقّ بعد طلبه ، وابتغاء العذر عن أدائه كالغصب ، والغصب كبيرة ، وتسميته في الحديث ظلماً يشعر بكونه كبيرةً ، والكبيرة لا يشترط فيها التّكرار ، نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره .‏
وقال الطّيبيّ :‏ قيل :‏ يفسق بمرّة ، وترد شهادته ، وقيل‏ :‏ إذا تكرّر ، وهو الأولى‏ .‏ واختلفوا هل يفسق بالتّأخير مع القدرة قبل الطّلب أم لا‏ ؟‏ قال ابن حجرٍ :‏ الّذي يُشْعِرُ به حديث الباب التّوقف على الطّلب ، لأنّ المطل يشعر به‏ .‏
ه - تمكين الدّائن من فسخ العقد الموجب للدّين‏ :‏
نصّ أكثر فقهاء الحنابلة ، على أنّ من حقّ الدّائن عند مطل المدين بغير عذرٍ أن يفسخ العقد الّذي ترتّب عليه الدّين كالبيع ونحوه ، ويسترد البدل الّذي دفعه ، وقد جعل له هذا الخيار في الفسخ ليتمكّن من إزالة الضّرر اللاحق به نتيجة مطل المدين ومخاصمته ، وليكون ذلك حاملاً للمدين المقتدر على المبادرة بالوفاء .‏
وقال الشّافعيّة :‏ ولو امتنع - أي المشتري - من دفع الثّمن مع يساره فلا فسخ في الأصحّ ، لأنّ التّوصل إلى أخذه بالحاكم ممكن‏ .‏
و - حبس المدين :‏
نصّ جمهور الفقهاء على أنّ المدين الموسر إذا امتنع من وفاء دينه مطلاً وظلماً ، فإنّه يعاقب بالحبس حتّى يؤدّيه .‏
ونقل ابن سماعة عن محمّدٍ في المحبوس بالدّين إذا علم أنّه لا مال له في هذه البلدة ، وله مال في بلدةٍ أخرى ، فيؤمر رب الدّين أن يخرجه من السّجن ، ويأخذ منه كفيلاً بنفسه على قدر هذه المسافة ، ويؤمر أن يخرج ويبيع ماله ويقضي دينه ، فإن أخرج من السّجن ، فلم يفعل ذلك ، أعيد حبسه‏ .‏
وقال ابن تيميّة :‏ ومن حبس بدين ، وله رهن لا وفاء له غيره ، وجب على ربّ الدّين إمهاله حتّى يبيعه ، فإن كان في بيعه وهو في الحبس ضرر عليه ، وجب إخراجه ليبيعه ، ويضمن عليه ، أو يمشي معه الدّائن أو وكيله‏ .‏
ز - ضرب المدين المماطل :‏
قال ابن قيّم الجوزيّة :‏ لا نزاع بين العلماء أنّ من وجب عليه حق من عينٍ أو دينٍ ، وهو قادر على أدائه ، وامتنع منه ، أنّه يعاقب حتّى يؤدّيه ، ونصوا على عقوبته بالضّرب ، ثمّ قال معلّقاً على حديث :‏ { لي الواجد يحل عرضه وعقوبته } :‏ والعقوبة لا تختص بالحبس ، بل هي في الضّرب أظهر منها في الحبس‏ .‏
وجاء في شرح الخرشيّ :‏ إنّ معلوم الملاءة إذا علم الحاكم بالنّاضّ الّذي عنده ، فإنّه لا يؤخّره ، ويضربه باجتهاده إلى أن يدفع ، ولو أدّى إلى إتلاف نفسه ، ولأنّه مُلِدٌّ‏ .‏
ح - بيع الحاكم مال المدين المماطل جبراً‏ :‏
ذهب الفقهاء إلى أنّ الحاكم يبيع مال المدين المماطل جبراً عليه وذلك في الجملة .‏ غير أنّ بينهم اختلافاً في تأخيره عن الحبس ، أو اللجوء إليه من غير حبس المدين ، أو ترك الخيار للحاكم في اللجوء إليه عند الاقتضاء على أقوال ٍ‏:‏
قال الحنفيّة :‏ المحبوس في الدّين إذا امتنع عن قضاء الدّين - وله مال - فإن كان ماله من جنس الدّين ، بأن كان ماله دراهم والدّين دراهم ، فالقاضي يقضي دينه من دراهمه بلا خلافٍ ، وإن كان ماله من خلاف جنس دينه ، بأن كان الدّين دراهم وماله عروضاً أو عقاراً أو دنانير ، فعلى قول أبي حنيفة لا يبيع العروض والعقار ، وفي بيع الدّنانير قياس واستحسان ، ولكنّه يستديم حبسه إلى أن يبيع بنفسه ويقضي الدّين ، وعند محمّدٍ وأبي يوسف يبيع القاضي دنانيره وعروضه روايةً واحدةً ، وفي العقار روايتان .‏
وفي الخانيّة‏ :‏ وعندهما في روايةٍ‏ :‏ يبيع المنقول وهو الصّحيح .‏
وذهب المالكيّة إلى أنّ المدين إن امتنع من دفع الدّين ، ونحن نعرف ماله ، أخذنا منه مقدار الدّين ، ولا يجوز لنا حبسه ، وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في الدّين - كان رهناً أم لا - فعلنا ذلك ، ولا نحبسه ، لأنّ في حبسه استمرار ظلمه .‏
وقال الشّافعيّة‏ :‏ وأمّا الّذي له مال وعليه دين ، فيجب أداؤه إذا طُلب ، فإذا امتنع أمره الحاكم به ، فإن امتنع باع الحاكم ماله وقسمه بين الغرماء‏ .‏
قال النّووي :‏ قال القاضي أبو الطّيّب من الشّافعيّة والأصحاب‏ :‏ إذا امتنع المدين الموسر المماطل من الوفاء ، فالحاكم بالخيار‏:‏ إن شاء باع ماله عليه بغير إذنه وإن شاء أكرهه على بيعه وعزّره بالحبس وغيره حتّى يبيعه‏ .‏
وقال الحنابلة‏ :‏ إن أبى مدين له مال يفي بدينه الحالّ الوفاء ، حبسه الحاكم ، وليس له إخراجه من الحبس حتّى يتبيّن له أمره ، أو يبرأ من غريمه بوفاء أو إبراءٍ أو حوالةٍ ، أو يرضى الغريم بإخراجه من الحبس ، لأنّ حبسه حق لربّ الدّين وقد أسقطه ، فإن أصرّ المدين على الحبس باع الحاكم ماله وقضى دينه‏ .‏ } أه .
الوقفة السابعة
بعض آداب قضاء الديون
جاءت الشريعة بمحاسن الآداب في جميع المجالات ، ومنها قضاء الديون ، فحثت على جملة من الآداب منها :
أمر الدائن بحسن الطلب :-
عن عبدالله بن عمر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من طالبَ حقًّا فليطلبْهُ في عفافٍ وافٍ أو غيرِ وافٍ } ( رواه إبن ماجه وصححه الألبانى )
قال السندى – رحمه الله – في حاشيته على سنن إبن ماجه : { قوله : ( في عفاف ) العفاف بالفتح الكف عن المحارم ، أي : فليطلبه حال كونه ساعيا في عدم الوقوع في المحارم مهما أمكن تم له العفاف أم لا ، قالوا فيمن وفى الشيء إذا تم ، وهذا المعنى هو ظاهر اللفظ ويحتمل أن يجعل واف حالا عن الحق على أنه مجرور في اللفظ على الجوار ، ويحتمل أن يكون مرفوعا والجملة حال ، أي : هو واف ، أي : الحق ، فلا يتعدى إلى المحارم سواء وصل إليه وافيا أم لا ، وهذا المعنى أمتن ، وفي الزوائد هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم ورواه ابن حبان في صحيحه . } أه .
الترفق بالدائن " إن لصاحب الحق مقالا " :-
عن عائشة رضى الله عنها قالت : { ابتاعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من رجلٍ من الأعرابِ جزورًا – أو جزائرَ - بوسقٍ من تمرِ الذَّخِرَةِ [ وتمرُ الذَّخِرَةِ : العجوةُ ] ، فرجعَ بهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى بيتِهِ والتمسَ لهُ التمرَ فلم يجدْهُ ، فخرج إليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال له : يا عبدَ اللهِ ، إنَّا قد ابتعْنا منكَ جزورًا –أو جزائرَ - بِوَسَقٍ من تمرِ الذَّخِرَةِ ، فالتمسناهُ فلم نجدْه ، قال : فقال الأعرابيُّ : واغدراهُ ، قالت : فهمَّ الناسُ وقالوا : قاتلكَ اللهُ ، أيغدِرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قالت : فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : دَعُوهُ ، فإنَّ لصاحبِ الحقِّ مقالًا ، ثم عاد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا عبدَ اللهِ ، إنَّا ابتعنا منكَ جزائرَ ونحنُ نظنُّ أن عندَنا ما سمَّيْنا لكَ ، فالتمسناهُ فلم نجدْه ، فقال الأعرابيُّ : واغدراهُ ، فنهمهُ الناسُ وقالوا : قاتلكَ اللهُ أيغدِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : دَعُوهُ ، فإنَّ لصاحبِ الحقِّ مقالًا ، فردَّدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلكَ مرتينِ أو ثلاثًا ، فلما رآهُ لا يفقهُ عنهُ قال لرجلٍ من أصحابِه : اذهبْ إلى خولةَ بنتِ حكيمِ بنِ أميةَ فقل لها : رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ لكِ : إن كان عندَكَ وسقٌ من تمرِ الذَّخِرَةِ فأسلفِيناهُ حتى نؤدِّيَه إليكِ إن شاءَ اللهُ ، فذهبَ إليها الرجلُ ، ثم رجعَ فقال : قالت : نعم ، هو عندي يا رسولَ اللهِ ، فابعثْ من يقبضُهُ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للرجلِ : اذهبْ بهِ فأَوْفِهِ الذي لهُ ، قال : فذهبَ بهِ فأوفاهُ الذي لهُ ، قالت : فمرَّ الأعرابيُّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو جالسٌ في أصحابِه ، فقال : جزاكَ اللهُ خيرًا ، فقد أوْفَيْتَ وأطْيَبْتَ ، قالت : فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أولئكَ خِيَارُ عبادِ اللهِ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ : المُوفُونَ المُطِيبُونَ } { رواه أحمد وحسنه الألبانى )
فانظر – راعاك الله – كيف ترفق النبى صلى الله عليه وسلم بالدائن ونهى أصحابه عن سبه ، مبينا لهم أن لصاحب الحق مقالا .
جزاء السلف الحمد والأداء :-
عن عبدالله بن ربيعة رضى الله عنه قال : { استقَرَضَ مِنِّي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا ، فجاءَه مالٌ ، فدَفَعَه إليه ، وقال : بارَكَ اللهُ لك في أهلِك ومالِك ، إنما جزاءُ السَّلَفَ ، الحمدُ والأداءُ. } ( رواه النسائى وصححه الألبانى )
* نائب رئيس هيئة قضايا الدولة والكاتب بمجلة التوحيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.