من "التوحيد والجهاد" إلى "ولاية سيناء" تاريخ طويل وتطورات كثيرة، مرت بها الحركات الجهادية المسلحة في سيناء خلال أكثر من 15 عامًا مضت، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من قدرات تنظيمية وقتالية وإعلامية فائقة. فكيف تحول التنظيم في غضون تلك السنوات من تنظيم جهادي يحارب إسرائيل إلى تنظيم مسلح يخوض حرب عصابات مع الجيش المصري في سيناء، ويقود معركة طائفية ضد أقباط مصر في الوادي والدلتا؟. بحسب مختصين في الحركات الإسلامية والجماعات الجهادية في مصر، فإن هناك اختلافًا على طبيعة نشأة وتكوين تنظيم داعش في سيناء، بين من يرى أنه بدأ كتنظيم محلي سيناوي يقتبس أفكاره من تنظيمات جهادية كتنظيم القاعدة، وبين من رأى أنه ظهر كفرع لتنظيم جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2003. وفي كلا الحالتين فإن الفريقين يتفقان على أن بداية الظهور الأول للحركات المسلحة في سيناء، كان في بدايات الألفية الثانية، على يد تنظيم أطلق على نفسه في تلك الفترة "جماعة التوحيد والجهاد" على يد مؤسسها الطبيب السيناوي "خالد مساعد". التنظيم وقتها كان يركز وقتها علي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال استهداف السياح الإسرائيليين في جنوبسيناء، حيث بدأ نشاطه الفعلي بتفجيرات طابا عام 2004 ثم تفجيرات شرم الشيخ (2005) ودهب (2006) وكانت معظمها تتم في مناسبات وطنية كعيد تحرير سيناء 25 إبريل أو خلال الاحتفال بأعياد أكتوبر. بعد تلك التفجيرات وجه حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك، ضربات أمنية موجعة إلى الجماعة، حيث اعتقل نحو 3 آلاف من أهالي سيناء من عائلات الجهاديين، أو من يظن أنه قريب منهم وأخذهم كرهائن حتي يسلم الجهاديون أنفسهم. نجحت الضربات الأمنية خلال الفترة من 2006، وحتى 2010 في تفتيت الحركة الجهادية في سيناء، وحدث تشظي في الخريطة الجهادية بفعل المطاردات الأمنية التي تعرض لها تنظيم "التوحيد والجهاد" وتصفية أبرز قادته وعلي رأسهم خالد مساعد ونصر خميس الملاحي عامي 2005 و 2006 علي الترتيب. في المقابل تسببت الضربات الأمنية أيضًا في خلق تنظيمات أخرى صغيرة مثل "تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة، وكتائب الشهيد عبد الله عزام وهم بقايا من تنظيم التوحيد والجهاد، و"مجلس شوري المجاهدين مصر الذي تحول لاحقًا لتنظيم بيت المقدس"، وغيرهم. اتفقت تلك التنظيمات في كثير من المبادئ الأساسية لكنها اختلفت بشكل جزئي في بعض القضايا، غير أن القبضة الأمنية المحكمة في عهد العادلي لم تكن تسمح بمزيد من التوسع والانتشار. كما أن أعدادهم كانت محدودة إلى حد ما، بسبب حملات الاعتقال الواسعة في صفوف ذويهم وأهاليهم، وهو ما خلق بعد ذلك نوعًا من العداء الشديد للدولة، وتسبب في إيجاد حاضنة شعبية لتلك التيارات الجهادية. بعد ثورة يناير 2011، بدأت هذه التنظيمات في لملمة أوراقها نتيجة لحالة الفوضي التي أعقبت الثورة، وساعدها في ذلك قيام المجلس العسكري الحاكم حينها، بالإفراج عن كثير من القيادات الجهادية وهو ما جعل الحياة تدب في أوصاله من جديد. في تلك الأثناء ظهر تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وقد اختلفت الآراء أيضًا في طبيعة تكوينها الأول، بين من يقول أنها مصرية خالصة تشكلت من بقايا جماعة التوحيد والجهاد التي كانت منتشرة في سيناء، وبين من يقول أنها خليط بين السلفية الجهادية في سيناء، والسلفية الجهادية في غزة لمواجهة إسرائيل، ومن هنا نشأ اسمها "أنصار بيت المقدس". الجماعة مع ظهورها في 2011، كانت تركز الهجوم على إسرائيل أيضًا، وأعلنت عن نفسها عبر تبنيها تفجير أنبوب الغاز الذي يغذي إسرائيل، وقد تم تفجيره عدة مرات وصلت إلى نحو 22 تفجيرًا، كما تبنت إطلاق عدة صواريخ نحو الأراضي المحتلة ومدينة إيلات تحديدًا. أنصار بيت المقدس كانت آنذاك تعتبر نفسها على نفس منهج وعقيدة تنظيم القاعدة، حيث كانت تحمل نفس الأفكار والمبادئ لكنها لا ترتبط تنظيميًا بتنظيم القاعدة وليست جزءًا منه. وخلافًا لما يشاع بالربط بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المسلحة في سيناء مثل "أنصار بيت المقدس"، فإن العمليات ضد قوات الجيش والشرطة لم تتوقف في سيناء مع وصول الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى سدة الحكم، كما أن موقف أنصار بيت المقدس كان واضحًا من جماعة الإخوان المسلمين، من اللحظة الأولى. فتنظيم بيت المقدس يعتبر أن خلافه مع الإخوان خلاف عقائدي، فأنصار بيت المقدس رأوا أن الإخوان عقب وصولهم للحكم لم يطبقوا شرع الله على الأرض، ولم يلغوا اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ولم يقوموا بفك الحصار عن قطاع أهل غزة، كما لم يمنعوا المد الرافضي في مصر، وتواصلت القاهرة مع إيران. وخلال حكم مرسي وقعت مذبحة رفح الأولى وهي المذبحة التي نُفذت على الحدود بين مصر وإسرائيل في 6 أغسطس 2012، من قبل مجهولون وأسفرت عن استشهاد 16 ضابطاً وجندياً مصرياً لتنفذ بعدها القوات المسلحة عملية أمنية واسعة لضبط المتهمين، ووُصفت تلك الحادثة بعد ذلك بإنها كانت فخا لمرسي للوقوع في صدام مباشر مع الحركات الجهادية في سيناء. بعد الإطاحة بمرسي، في 3 يوليو 2013 ومع بدء الجيش لعملياته في سيناء من أجل "التخلص من العناصر التكفيرية" والتوسع في سياسة القصف لمناطق شاسعة بسيناء، تأوي مدنين وأهالي لا علاقة لهم بالتنظيم، بدأت الحاضنة الشعبية للتنظيم تتسع شيئًا فشيئًا. ثم بدأ التنظيم في إعادة ترتيب أوراقه والاستعداد لخوض حرب عصابات مع قوات الجيش، التي حكم عليها التنظيم بالردة والكفر واعتبر قتالها لا يختلف عن قتال إسرائيل، وعلى هذا الأساس نفذ العشرات من العمليات ضد قوات الجيش. ونجح التنظيم في استقطاب عناصر جديدة من خلال استخدام مظلومية "القمع السياسي" من أجل بناء قدرات بشرية وقتالية لافتة، ترجمت بعد ذلك في عدد من العمليات النوعية التي استهدفت قوات وكمائن ومناطق تجمع قوات الجيش وكان أهمها عملية "كرم القواديس" في 24 أكتوبر 2014، والتي تم الإعلان بعدها بأربعة أيام عن خطة إخلاء حوالي 1000 متر علي الحدود بين رفح وغزة من أجل إقامة منطقة حدودية. في آواخر 2013، وطوال عام 2014 وصل الصراع بين أنصار بيت المقدس وقوات الجيش إلى ما وصف بأنه "حرب استنزاف جديدة"، خصوصًا وأن العمليات التي قامت بها أنصار بيت المقدس ضد قوات الأمن المصرية لم تتوقف على حدود سيناء، لكنها خرجت إلى الوادي والدلتا وانتشرت في باقي محافظات الجمهورية. ففي سبتمبر 2013، نفذت الجماعة محاولة اغتيال فاشلة لوزير الداخلية محمد إبراهيم، من خلال تفخيخ إحدى السيارات بجانب منزله، كما أعلنت في أكتوبر 2013، مسؤوليتها عن الهجوم على مبنى المخابرات العسكرية في الإسماعيلية. وفي ديسمبر 2013، فجرت الجماعة مديرية أمن الدقهلية، وخلف التفجير 16 قتيلًا، من بينهم 14 من ضباط الأمن، وفي يناير 2014، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن الهجوم على كمين شرطة بني سويف، والذي قتل على إثره 6 أشخاص. وفي نفس الشهر، تبنت الجماعة تفجير مديرية أمن القاهرة، وأعلنت مسؤوليتها عن إسقاط مروحية عسكرية بسيناء، كما نفذت في العام نفسه عملية "كرم القواديس" في شمال سيناء وأدت إلى مقتل 31 عسكريًا، وأذاعتها مصوّرة عملية قتل الجنود والاستيلاء على الدبابات والذخائر من خلال إصدار "صولة الأنصار". في 10 نوفمبر 2014، كان هناك تحول كبير في خريطة الجماعات الجهادية بسيناء، حين أعلن "تنظيم بيت المقدس" عبر تسجيل صوتي له انضمامه الرسمي لتنظيم الدولة "داعش" ومبايعته لزعيمه أبو بكر البغدادي وتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء". بعد ذلك، بث تنظيم الدولة تسجيلًا صوتيًا للبغدادي، أعلن فيه "تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين (السعودية) واليمن وإلى مصر وليبيا والجزائر"، مؤكدًا قبول بيعة كل من بايعوا الدولة في "ولايات جديدة". ومنذ انضمام التنظيم إلى داعش بدا واضحًا التغير الاستراتيجي على التنظيم سواء من حيث طبيعة العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، أو من حيث الامكانات الإعلامية الهائلة أو الإمدادات بالأسلحة والمقاتلين. عمليات تنظيم "ولاية سيناء" توقفت بشكل كبير فى الوادى والدلتا عام 2015 وخلال النصف الأول من 2016، وهي الفترة التي أعقبت مبايعة داعش. لكن مع بدايات النصف الثاني من 2016، عادت العمليات الخاصة بولاية سيناء، إلى الوادي والدلتا من جديد، لكنها أخذت منحنى "طائفي" حيث بدأ التنظيم يركز على استهداف الأقباط. تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية في ديسمبر 2016، كانت أولى العمليات ضد الأقباط في القاهرة، وهو التفجير الذي أودى بحياة العشرات. وفي فبراير الماضي بث التنظيم تسجيلًا مصورًا يهدد فيه أقباط مصر، ويعرض ما قال إنها الرسالة الأخيرة للانتحاري المسؤول عن تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، فضلًا عن عمليات قتل استهدفت مسيحيين في العريش، ما دفع عشرات العائلات لقبطية للنزوح ومغادرة منازلهم خوفًا على حياتهم. المثير أن الفيديو حمل اسم "الدولة الإسلامية في مصر" وليس "ولاية سيناء" مما يوضح أن التنظيم مد عملياته إلى أنحاء أخرى من البلاد. ولم تمض على تهديدات داعش سوى عدة أسابيع ليتبنى التنظيم تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية، ويسقط عشرات الأقباط. وفيما بدا أنه رد مباشر من التنظيم على ما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن عمليات التنظيم خارج سيناء دليل نجاح السلطه في محاصرته، نشر إصدارًا جديدًا حمل عنوان "صاعقات القلوب" يُظهر عمليات قنص نفذها مسلحو التنظيم في سيناء ضد العشرات من جنود الجيش.