(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً).. سورة آل عمران. الأمة جريحة، ولكن أخشى أن نكون نحن أخطر جراحها، ولو صلحنا لأصلح الله حالها بنا، ولأنزل النصر عليها إكراماً لسعينا وعملنا وجهادنا، لا يعرف كثير من الناس إلا حالتين: إما التعاون الشامل، أو التنازع والخصومة والمواجهة، وهذا التصور صورة من صور الجهل وضيق النظر وغياب الحكمة وقلة المعرفة. إن لدى الذات الفردية دائماً دافعين مختلفين، الأول دافع الاتفاق مع الآخر، والثانى دافع الاختلاف معه، وكلا الدافعين موجودان، وهما فى حالة من الصراع الدائم، فالفرد يميل أحياناً إلى الاتفاق مع الآخر، كى يشعر بالانسجام مع الواقع الذى حوله، والاتفاق معه، وهو شعور يمنحه الإحساس بالطمأنينة، والراحة، ويدرك أنه ليس وحده، وأنه قوى بالآخرين. والفرد هو نفسه يميل أحياناً إلى الاختلاف مع الآخر، كى يشعر بذاته، ويحس أن لديه وجوده الخاص به، وأنه مستقل عن الآخرين، وأنه ذو كيان متكامل، وهو إحساس يمنحه الشعور بالفخر والعزة والزهو.. خلاصة القول إن الاختلاف الحق هو حرية الفرد فى اختياره لموضوع من بين موضوعات متاحة. والأساس الأول للاختلاف هو المعرفة، فهى التى تتيح حرية الاختلاف الحق. والأساس الثانى للاختلاف هو احترام الآخر، والإقرار له بحق الاختلاف، ولكن تعدّد وجهات النظر والاختلاف فى الآراء والمواقف لا يلغى الفوارق بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وسيظل الحق حقاً، والباطل باطلاً، ولا يمكن أن يلتبس شىء بشىء، ولكن الحق نفسه يرى من جوانب متعددة. وإذا ما بدا الاختلاف فى مجال ما حقاً، فإن الاتفاق قد يكون فى مجال آخر واجبًا، ولا سيما إذا تعلق الأمر بالحق والصدق والعدل، ولا سيما إذا كان الدافع هو حب الوطن. فالاتفاق والتعاون أمران مطلوبان، أوجبهما الشرع ولا يستغنى عنهما فى الواقع، والاختلاف غير المذموم أمر واقع أقره الشرع ضرورة وفطرة، وبعض الناس يغيب عنه منهج الإسلام الوسط فى أمور شتى من بينها الاتفاق والتعاون حال الاختلاف؛ فشعائر الإسلام كل منها رمز للاتفاق، فشرع صلاة الجماعة التى يصلى فيها المسلمون ضمن حركات متناسقة تنساب كأنها أمواج البحر، لا يشوبها تضارب أو تضاد، وبألفاظ واحدة، خلف إمام واحد، متجهين إلى قبلة واحدة، يدعون إلها واحداً، وشرع الزكاة التى تمثل أكبر مظاهر التكافل الاجتماعى فى الإسلام، والتى تظهر فيها معانى التراحم والتعاطف، وشرع الصيام الذى تظهر فيه معانى الشعور نحو الآخرين، والحج الذى يمثل بحق المؤتمر العالمى الإسلامى السنوى، الذى يظهر فيه المسلمون بمظهر واحد يلبون نداء رب واحد، فواقع المسلمين فى هذه الأيام يضطرهم للمطالبة بالحد الأدنى من الاتفاق والتعاون والتنسيق، بدلاً عن التشهير والتمزيق، فنحن نمر بفترات حرجة لا نحتاج إلى التعاون والتنسيق بل إلى الانصهار فى عمل كبير يعيد للدولة عزتها وكرامتها، ويعيد إليها الأمل والرجاء، إننا نحتاج إلى إنكار للذات بالدرجة الأولى، وإعمال الفكر فى المستقبل، وتأتى الخطوة التالية بالعمل الدءوب الذى لا يعرف الراحة، وإيجاد البرامج الجادة التى توحد ولا تفرق. إن الساعات الحاسمة فى التاريخ هى الساعات التى تتحول فيها الأمة كلها إلى (ورشة عمل)، كل له مكانه وكل له مكانته، يشعر كل فرد أنه يشارك فى البناء، فبنا جميعًا نتفق على بناء مصرنا الحبيبة، مصرنا الأم، مصرنا الوطن. [email protected]