حدثني أحد الناس حديثا يحزن القلب ويشقي الوجدان ويجرح الخاطر ويكدر النفس... قال: رأيت قريبا لي وقد تجاوز الثمانين من عمره يصلي في المسجد صلاة حزينة لا يقيم فيها ركوعا ولا سجودا... ولا يرفع ظهره بعد الركوع ولا بعد السجدات الاولى في صلاته كلها... بل ينزل بعد الركوع والسجدات الأولى بغير رفع!.. قال: فقلت له متلطفا: يا عم فلان... الصلاة كذا وكذا... ولابد من كذا وكذا... قال وشرحت له كيفية الصلاة ووجوب الطمأنينة فيها بما يناسب سنه وحاله... قال: وذكرت له حديث المسيء في صلاته والنبي صلى الله عليه وسلم يفهمه وهو يصلي ويعيد... حتى تعلم. قال: حتى اطمأننت أنه استوعب كلامي وفهم الأمور وبان له الحق... قال: وبعد صلاة الجماعة قام هذا المسن يصلي نفس صلاته الحزينة ولم يتغير ولم ينتفع بشيء ولا فعل شيئا مما ذكرته له... ما إن فرغ صاحبي من كلامه حتى وجدتني في حالة سيئة ومزاج معتكر... ودارت في ذهني ذكريات الشباب ومنذ أكثر من ثلاثين عاما وقد رأيت هذا المسن نفسه يصلي نفس الصلاة ووعظته يومها وكان قد تجاوز الخمسين... فسمع وفهم... ثم نكص ولم يطبق شيئا مما سمع!... صعب جدا يا سادة أن يظل إنسان يصلي حوالي سبعين سنة من عمره صلاة خطأ ولا يتغير ولا يعطي لنفسه الفرصة أن يتغير... والتغيير ليس مستحيلا... أنا أميل إلى أن هذا المسن ومن على شاكلته مسكين غلبته نفسه وأغواه شيطانه وأشقاه جهله... حتى ضاع عمره وفاتت سنينه عليه سدى... كل هذا العمر الطويل لم ينتفع بوعظ ولم يستفد بنصح ولم يرعوي لإرشاد ولم يمتثل لأمر ولم يهتد بدليل ولم يستنر بعلم... إنَّ ترك الطمأنينة في الصلاة من الأخطاء العظيمة التي يقع فيها بعض المصلِّين، وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك من أسوأ الناس سرقة... فقال صلى الله عليه وسلم: ((أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ )) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: ((لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا– أَوْ قَالَ– لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)) رواه احمد والحاكم وصححه الالباني. فعدَّ النبي عليه الصلاة والسلام السرقة من الصلاة أسوء وأشد من السرقة من المال!... والطمأنينة في الصلاة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)) رواه البخاري ومسلم. وقد أخذ أهل العلم من هذا الحديث أن من لم يُقِم صلبه في الركوع والسجود فإن صلاته غير مجزئة وعليه إعادتها، كما قال صلى الله عليه وسلم لهذا المسيء في صلاته: ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)) رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ)) رواه البخاري ومسلم. والإتمام إنما يكون بالطمأنينة... وقال علي بن شيبان رضي الله عنهما: خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ رَجُلًا لَا يُقِيمُ صَلَاتَهُ -يَعْنِي صُلْبَهُ- فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ: ((يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ )) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال: «لو مات هذا على ما هو عليه لمات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم، فأتموا الركوع والسجود، فإن مثل الذي لا يتم ركوعه ولا سجوده مثل الجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين، لا تغنيان عنه شيئا». رواه ابو يعلى وحسنه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((.. نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ)) رواه أحمد وحسنه الألباني. وقد رأى حذيفة رضي الله عنه رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ، قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري. وفي رواية: وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا رواه البخاري. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى صَلَاةِ عَبْدٍ لَا يُقِيمُ فِيهَا صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا)) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا)) رواه مسلم. فالواجب على المسلم أن يحافظ على الطمأنينة في صلاته تمام المحافظة؛ فيتم ركوعه والرفع منه وسجوده والرفع منه، عملا بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) رواه البخاري. وقد ذهب علماء المسلمين استناداً إلى ما تقدم من النصوص الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها إلى أن تعديل الأركان في الركوع والسجود والقومة بينهما والقعدة بين السجدتين فرض في الصلاة وركن من أركانها، تبطل الصلاة بتركه، ويلزم من وقع في ذلك إعادة الصلاة... قال أبو يوسف رحمه الله: (تعديل أركان الصلاة- وهو الطمأنينة في الركوع والسجود- فرضٌ تبطل الصلاة بتركه)... فالواجب على كلِّ مسلم أن يحافظ على صلاته وإقامتها تمام المحافظة في شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، ويأتي بذلك كله على التمام والكمال؛ فهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ)) رواه الترمذي وصححه الألباني. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يقيمون الصلاة على الوجه الذي يرضيه... Rabie Al-Zawawi General Manager Email: [email protected]