ست سنوات مرت على الإفراج عني بعد سجن طويل قرر فيه السجان أن أبقى فيه مدى الحياة وألا أخرج إلا جثة هامدة محمولاً إلى المقابر , ولكن إرادة الله كانت هي الغالبة والنافذة فخرجت إلى النور يوم 12/3/2011 وتنفست نسيم الحرية في أجواء ثورة 25 يناير وتطلعت إلى وطن أفضل وحياة كريمة أستطيع فيها أن أعبر عما أريده وأخدم وطني قدر أستطاعتي , كما تمنيت أن يسود في بلدي الأمن والأمان ويتمتع المواطن فيه بإرادته الحرة وحقوقه الكاملة . ولقد جرت عدة انتخابات حرة نزيهة أفرزت الممثلين الحقيقيين للشعب , كما تولى الدكتور محمد مرسي منصب الرئيس بعد تصفيات الإعادة وفي جو ديمقراطي أشرف عليه القضاء تحت رعاية القوات المسلحة , وكنت أتصور أننا أنهينا حقبة إستبدادية وانطلقنا نسطر مستقبلنا وفق إرادة شعبية توافقية تقضي على كل أشكال الفساد وتصحح الأوضاع وتقودنا نحو مشروع وطني متفق عليه , ولكن سرعان ما طفت الصراعات على السطح وهي تحمل حقداً دفيناً ورفضاً للآخر , فدخل الوطن في نفق مظلم إزدادت ظلمته كلما مر الوقت , فلقد شهد عهد الدكتور محمد مرسي المزيد من الحرية والعدل ولكن شابه الفشل الإداري في السنة الأولى للحكم مما حشد ضده الخصوم فأسقطوه في 3/7 , وكنت من الذين رفضوا العزل على هذا النحو لكوني أدرك خطورة مثل هذا النوع من التغيير , فهو يفتح باب صراع طويل وخطير على الوطن كله , فلقد كان من الصواب استمرار الضغوط السياسية حتى يستجيب الرئيس للطلبات القانونية والمنطقية , ولاشك أن الفرصة كانت سانحة لاحتواء الأزمة لكن الدكتور مرسي رفض وتمسك بموقفه في الوقت الذي لم تكن مؤسسات الدولة راغبة في التعامل معه , فضلاً عن رفضها لاستمرار حكم الإخوان . ولقد ثبت يقيناً أن فكرة عزل الدكتور مرسي تفادياً للنزاع المسلح لم تكن صحيحة , إذ ظهر أن العزل تسبب في صراع مفتوح إلتزم فيه تحالف دعم الشرعية بالسلمية , إذ أن المرشد العام للإخوان أكد على السلمية في كلمته الشهيرة ( سلميتنا أقوى من الرصاص ) وهو التوجه المعتمد والتوجيه الواضح الذي لا لبس فيه , كما وجهت قيادة الجماعة الإسلامية إلى الالتزام بالسلمية وأن من يخالف ذلك سيتعرض للمساءلة والفصل , ولذلك فإن ما وقع من أحداث عنف هي أعمال فردية ومن عناصر لا علاقة لها بالتحالف نشأت في مناخ غاضب وساخط . ولقد هالني ذلك الصراع الذي وقع في سيناء وتسبب في سقوط الضحايا من أبناء الوطن الواحد , ثم ما رأيناه مؤخراً من استهداف أقباط سيناء بالقتل والحرق وهو أمر ترفضه مبادئ الإسلام ولا يقوم به إلا شخص عدواني فاقد للضمير والإنسانية . كما وأصبح كثير مما يجري على أرض مصر محل انتقاد واعتراض , فالحكومة الحالية تدير الأمور بالخيار الأسوأ بين البدائل المتاحة , فلا مكان للكفاءات الوطنية , ولا مكان للمختلف سياسياً , ولا مراعات للأولويات في المشروعات القومية , ولا معالجات جذرية لحالة الغلاء التي أرهقت الفقراء والأغنياء على حد سواء , ولا مواجهة فعالة للفساد المستشري , فأصبحت الحياة صعبة على المواطنين في الوقت الذي ترفض فيه أطراف الصراع أي جهود تبذل في مجالات المصالحة الوطنية والحل السياسي العادل . إن المفاتيح الحقيقية لاجتياز ما نحن فيه من أزمات إنما تكون في إعلاء كلمة الله تعالى ورد المظالم إلى أهلها , والمصالحة الوطنية على أسس عادلة , وإنهاء التعامل الربوي الذي يهدم الاقتصاد , ومحاصرة الفساد واقتلاعه من جذورة , والحوار المجتمعي حول القضايا العامة لاختيار الأفضل , وتقديم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية , وحشد الجهود نحو التنمية والبناء . وختاماً فإن شعوري بعدم تحقيق هذا الذي أذكره كمدخل حقيقي لحل مانحن فيه من أزمات يلقي بظلال قاتمة على ذكرى الإفراج عنى ويجعلني مهموماً وقلقاً على مستقبل هذا الوطن . هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل لنا مخرجاً بفضل منه ورحمة إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد . والله المستعان