هل أحد لديه أى تفسير لما يجرى فى مصر الآن من ضبابية وعدم وضوح الرؤية ومن تفكك القضايا وتفرق الحقيقة وضياع أطرافها وتفرق دمها بين الشعب المصرى بأطيافه المختلفة؟ خد عندك آخر مثل المحامى الجيزاوى المحتجز فى السعودية بتهمة تهريب أقراص مخدرة لدينا أكثر من وجهة نظر وجهة نظر السعودية أنه مدان ومعترف ووجهة نظر السفير المصرى أنه بالقطع مدان (وهذه إحدى مزايا البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج التى تصبح عبئًا على جالياتها فى الغربة، مما يجعل المصرى أيًا كان مستواه يقول ياليتنى كنت فلبينيًا من جمال وروعة أداء البعثات الدبلوماسية الفلبينية مع جالياتها وأغلبهم من الخدم لكن حقوقهم مصانة أكثر من أى دكتور جامعة أو طبيب جراح أو مهندس أو صحفى أو حتى دبلوماسى مصرى). وأيضًا وجهة نظر وزير الخارجية محمد كامل عمرو من أن السفير المصرى مخطئ لأنه أدان الجيزاوى قبل أن يلتقيه ويسمع منه، ووجهة نظر المحامى الذى قال إن لديه معلومات بأن الجيزاوى اتعلق فى السقف حتى يعترف بأنه تاجر حبوب مخدرة، ووجهة نظر القنصل المصرى فى جده، والذى زار الجيزاوى وقال إن المحامى الشاب اعترف بحمل الحبوب المخدرة، وأنه لم يكن يعرف أنها ممنوعة وحملها لصالح شركة فى السعودية، ثم وجهة نظر المعتصمين والمحتجين أمام السفارة السعودية والمطالبين بطرد وجلد السفير السعودى، هذا إلى جانب وجهات النظر المتعددة التى تطرحها الفضائيات المختلفة مع أن أى فضائية لو أرادت أن تحقق سبقا صحفيا لأرسلت مندوبًا لمقابلة الجيزاوى فى سجنه وكنا سنعرف الحقيقة خاصة أن الجانب السعودى لن يمانع لو تم طلب المقابلة بشكل إعلامى وبضغط جماهيرى. المحصلة النهائية كم كبير من الضباب وضياع للحقيقة بما تجعل الجميع غير قادر على الجزم بحقيقة ما حدث، وهو ما يستدعى ضبط النفس حتى تتبين لنا الحقيقة قبل أن نقوم بأى تصرف قد يجعل السعودية تخسر مصر أو مصر تخسر السعودية. ولو أرادت الحكومة المصرية أن تحل القضية وبسرعة لقام وزير الخارجية المصرى بزيارة إلى السعودية لفهم الموضوع ومقابلة الجيزاوى وإعلان الحقيقة، لكن ولأن الحكومة المصرية بعد الثورة مازالت تنتهج نفس سلوكيات الغيبوبة والتوهان بعد الثورة فقد تركت الأمر يتصاعد حتى لم يعد الجانب السعودى قادرًا على احتمال كم الشتائم والتطاول على الملك عبد الله، وعلى السعودية فكانت النتيجة أن السعودية استدعت سفيرها للتشاور ولا نعرف ماذا سيحدث بعد. هذا ما يحدث بين أكبر دولتين عربيتين فى المنطقة تكاد تقطع العلاقات بينهما لأننا لا نعرف كيف ندير أزمة ولأن بعض تجار الخراب من المحسوبين خطأ على الثورة المصرية يديرون الأزمة بحناجرهم دون أن يعطوا لأحد فرصة لكى يصل إلى الحقيقة، ومن ثم يتم التعامل بعدها مع الأمر بالعقل وبالحكمة، ولو كان الجيزاوى بريئا لا نترك حقه ونعرى ما حدث له أمام الرأى العام ونحاصر السفارة والسفير بالمظاهرات ونعيد إليه حقه وكرامته ولو قمنا ساعتها بأى رد فعل دبلوماسى فلن يجرؤ أحد على لومنا، ولو كان مدانًا نقدم اعتذارًا للعاهل السعودى وللشعب السعودى عما حدث إما أن نتخذ ردود أفعال غير واعية ولا محسوبة فى قضية لم تظهر فيها الحقيقة فهذى إحدى الإفرازات الغبية للتفكير المحدود والضيق. ولن أتحدث عن 2 مليون مصرى فى السعودية ومستقبلهم حتى لا يهاجمنى المستثورون وابدأ سماع كلمات أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها وأن الكرامة قبل الخبز لأن أغلب هؤلاء والحمد لله لا يحتاجون الخبز لأن لديهم منه مخزون بالأطنان وراتبهم الذى يتعدى مئات الآلاف شهريا ولا أقول المليون كفيل بضمان عيشة كريمة لهم فى بيروت أو دبى بعد أن ينهار هذا البلد من جراء أفعالهم، أما الاثنان مليون مصرى وأسرهم من ورائهم فلا يساوون شيئا لدى تجار الخراب.