إنّ قضية الإيمان باليوم الآخر تمثّل قضية مركزية لحياة الإنسان وحركته علي الأرض ، وبدونها تفقد حياة الإنسان معناها وجوهرها.. فالإيمان باليوم الآخر هو الذي يُشعر الإنسان بمسؤوليته ، ويضبط مسيرته وسلوكه في الحياة ، بل هو الدافع لفاعلية الإنسان في الكون وإعمارالأرض ، والتي تتجلي في دقته في العمل ، وإحسانه لفن الحياة .. " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " الملك2
وما استحالت الحياة خرابا ودمارا إلا من أناس لا يرجون لله وقارا ، ولا يحسبون للآخرة حسابا .. ك ( فرعون ) الطاغية المتكبّر الجبّار ، الذي لم يكن يؤمن بالرجوع إلي الله في الآخرة ، فذبّح الأبناء ، واستحيا النساء ، وفعل ما فعل ..
وما زالت البشرية تعاني من وحشية الحضارة المادية الطاغية ، التي يحكمها المنطق الفرعوني ، وتُقدّمُ ضحايا للتسابق في ابتكار أشد أنماط الأسلحة تخريبا وفتكا وتدميرا ، لا لشيء ، إلا لإشباع رغبة الاستعلاء والاستكبار في الأرض بغير الحق ..!
وإن أكثر ما تعانيه أمتنا من المشكلات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية ، بسبب وهن الإحساس بحقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر، ممّا دفع معظم الناس إلي الأنانية والظلم والجشع والطمع إلي غير حد..!
مع أنه لا شيء يكبح جماح الإنسان ، ويحدُّ من طغيانه وطمعه ، ويهذّب سلوكه في الحياة ، كدقة إحساسه الواعي بحقيقة اليوم الآخر ، الذي يعود فيه الناس لرب العباد ، ".. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " النجم،31.
ولله درُّ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذ قال : (( مَنْ خَافَ اللهَ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ ، وَمَنِ اتْقَى اللهَ لَمْ يَصْنَعْ مَا يُرِيدُ ، وَلَوْلَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَكَانَ غَيْرُ مَا تَرَوْنَ )) !
إن آفة الآفات أن تنقلب الوسائل إلي غايات ، وتكون الدنيا – وهي دار ممر - غاية الإنسان ، ومبلغ علمه ، كشأن أقوام نعي الله – عزّ وجلّ - ،عليهم ، وخاطب نبيّه صلى الله عليه وسلم ، بالإعراض عنهم :
ولما اجتمع نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم يطالبنه بنفقة أوسع ومتاع أرغد ، جاء الوحي يصادر هذا كله – فبيت النبوة غير بيت الملك – " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا "الأحزاب ، 29،28.
فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، وبقين في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ربط الإسلام بين سعي الإنسان لعمارة الكون ودقة الإحساس بحقيقة الإيمان باليوم الآخر ، بفهم عميق ، وتوازن عجيب ، لكيلا يغترّ الإنسان ويطغي .. فقال جلّ شأنه : " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"الملك،15.
وإذا استوي الإنسان علي ما يركبه في السفر – من سيارة أوسفينة أوطائرة .. - ذكر نعمة ربه ، وكبّر ثلاثا – كما جاء في السنة - ، ثم قال : " سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ " الزخرف،14،13
وكذلك ربط بين ضبط سلوك الإنسان المؤمن في الحياة - قولا وفعلا - ودقة الإحساس الواعي بحقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرِمْ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )) البخاري ومسلم.
* وجاءت تربية الإسلام – صباح مساء – لدعم وتأكيد هذا التوازن العجيب بين تمتّع الإنسان بالحياة ودقة إحساسه الواعي بحقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر ..
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: ((بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا))، وَإِذَا قَامَ قَالَ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)).
وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ))البخاري ومسلم وغيرهما.