"مجلس شورى العلماء: هيئة مستقلة يجمع أعضاءه عقيدة (هى عقيدة السلف الصالح) ومنهج هو (منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة). ومن هذا المنطلق تكون قراراته وتوصياته وبياناته بصفة مستمرة مرتكزة على هذين الأصلين: أولًا: إن مجلس شورى العلماء هيئة مستقلة يجمع أعضاءه - العشرة الموقع أسماؤهم فى نهاية البيان - عقيدة (هى عقيدة السلف الصالح)، ومنهج (هو منهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة). (العقيدة، والمنهج)".. هكذا عرَّف هذا التكتل السلفى نفسه، الذى جمع أعضاءه العشرة بعضهم بعضاً، وأطلقوا على أنفسهم "مجلس شورى العلماء"، وقد وصفه (أحد أعضائه) بأنه مجلس مكوّن من أكابر العلماء!. وبهذه المقدمة التى تمثل زياً شرعياً وصبغة دينية للموقف السياسى؛ قدموا بيانهم لدعم مرشحهم للرئاسة. وهذا البيان -الذى استقبله مؤيدو المرشح بالتكبير والتهليل- يأتى فى سياق متحفز جداً لدرجة التشنج لمساندة حازم أبو إسماعيل رئيساً لمصر، حيث وصل إلى حد زعم أحد خطباء السلفية أن التخلى عن دعمه قد يكون تخلياً عن الدين!! هذا الخطاب الدينى المتشنج لا يتناسب مع ما قدمه حازم أبو إسماعيل من طرح هادئ وعقلانى ورزين، يخاطب فيه جموع المواطنين، الذين من حقهم أن يروا فيه أملهم فى مصر جديدة، أو لعلهم لا يرون ذلك، وهذا حقّ أصيل من أصول المواطنة التى افتقدها المصريون طويلاً. ولا سبيل لأن تنتزعها مجالس الشورى الخاصة وتوصياتها ذات النبرة الدينية. أما الاستقواء بسمت (التّدين) والشعارات البراقة والمصطلحات الرنّانة للترويج لموقف سياسى ما؛ فقد برهنت نتائجه القريبة على كثير من الفشل والذوبان والفضائح فى مجال الممارسة كما شاهدنا؛ لكنه لا يزال عادة مألوفة فى ظل الجهود التى تبذلها تلك التيارات للبحث عن دور على المسرح السياسى. فى الوقت الذى لا تزال فيه بعض تلك التيارات فى حاجة لأن تستفرغ قواها لطرح مبرر منطقى لوجودها أصلاً، فضلاً عن تفسير قناعاتها بتنوعها وامتيازها عن غيرها؛ بالبحث عن تأصيل منطقى لنشأتها، ثم البرهنة على صواب أفكارها ومعتقداتها. فالواقع يشهد على أنها نشأت - فى معظمها- بوصفها ردود أفعال بمستويات مختلفة (شدة واعتدالا ورخاوة)، وأن التجمعات البشرية التى تتمثلها قد تشكلت بفعل (العواطف) الجياشة لا (الأفكار) المتمكنة، فى حين ظل التراث باتساع جنباته وضخامة مؤلفاته (منجماً) قريباً، كلٌّ يهرول إليه ويتحصل منه على ما يوافق هواه، ويدعم موقعه وموقفه مباشرة أو بالتأويل. ومن هنا لا نملك التعامل مع مصطلح (السَّلفية) إلا بوصفه مصطلحاً فضفاضاً جداً، يلجأ إلى الزمن ليستمد منه قوته، وإلى أسماء تاريخية بعينها يتترس خلفها ويتخذ من أقوالها سلاحاً فى مواجهة الخصوم. واحتكار طوائف معينة لهذا المصطلح فيه كثير من الغبن للتيارات التى انضوت تحت مسميات أخرى؛ لأنك إذا فتشت فى الجناح الصوفى مثلاً -على اختلاف توجهاته - ستجد كذلك أن التراثَ القديم يمثل مصدره الوحيد الذى يستمد منه وجوده ونشأته ونشوته، ف(ابن عربى) فى فتوحاته المكية لم يكن مؤلفاً قومياً، و(ابن الفارض) لم يكن شاعراً حداثياً، والحلاج لم يكن منظّراً يسارياً، وابن الجنيد والشاذلى والبدوى وغيرهم لم يكونوا من خريجى السوربون! حتى كُتُب السحر الملقاة على بعض الأرصفة فى شوارع القاهرة ليست من مؤلفات المستشرقين؛ بل هى مؤلفات سلفية أيضاً، نُسِخَت –قديماً- على أوراق صفراء مغبرة ألوانها!. وبين هذين التيارين الأصوليين (الصوفى والسلفى) بون شاسع، وبينهما عشرات الاتجاهات والأفكار والمواقف، وعدم الاستناد إلى (منهج علمى واضح) لكيفية التعامل مع التراث، والاكتفاء ب(فهم) شخصيات منتقاة من التاريخ؛ يلقينا فى (تجمعات عاطفية)، ترتاح لهذا الشيخ وتصفه بالعلامة، وتتمايل حول ذلك الإمام وتصفه بالعارف. (وكُلٌّ يدَّعى وَصْلاً بليلَى ... وليلى لا تُقِرُّ لهم بِذَاكَا). إننا نعيش فى القرن الخامس عشر (الواحد والعشرين الميلادى)، وخلفنا أربعة عشر قرناً من تراث السلف الذى اختلط فيه الحابل بالنابل، والصدق بالكذب، والخطأ بالصواب، وفيه تعددت الأسماء، واختلفت التوجهات، وتنوعت المشارب.. فأين تذهبون؟!