تابعت مثل غيرى من ملايين المصريين مليونية "تقرير المصير"، إذ أنه كان المتوقع أن تكون إعادة لإحياء لروح ثورة 25 يناير، ولكنها كشفت عن حالة التشرذم السياسى الذى تعيشه مصر بين مختلف الأحزاب والتيارات والفصائل السياسية والدينية, بل زاد الموقف اشتعالاً المناوشات التى تصاعدت إلى اشتباكات, ما يعكس أننا لا نعرف ثقافة الاختلاف، فالبعض من "المتعصبين سياسيًا" يطبق مبدأ "إن لم تكن معى فأنت ضدى"، دون مراعاة لتباين وجهات النظر الذى من شأنه أن يصل بنا فى النهاية لبلورة رأى واحد من أجل مصلحة الوطن. وتحول ميدان التحرير إلى ما يشبه "حوار الطرشان"، فباستثناء أنصار أبو إسماعيل الذين جاءوا لهدف واضح من البداية هو الاعتراض على ما وصفوه بتزوير اللجنة العليا للانتخابات أوراق تتعلق بجنسية والدة الشيخ لإقصائه من سباق الترشح للرئاسة, جاءت مطالب باقى القورى الثورية مكررة، وأبرزها إقرار قانون العزل السياسى وإلغاء المحاكم العسكرية وإقالة حكومة الجنزورى ومحاكمة رموز النظام السابق فى محكمة ثورية بميدان التحرير وعدم كتابة الدستور تحت حكم العسكر، فضلاً عن إلغاء المادة 28 من الإعلان الدستورى, إلا أن الغريب هو تضامن جماعة الإخوان المسلمين مع هذه المطالب رغم انهم قاتلوا لكى يظهر الإعلان الدستورى للنور ولا يمكن أن ننسى الحشد الذى مارسوه إبان التصويت على الإعلان الدستورى, كما أن انسحابهم من المشهد الثورى منذ نجاحهم فى حصد أغلبية البرلمان ورفضهم الدائم للمليونيات بحجة أنها ضد أمن واستقرار مصر يؤكد أن الجماعة تتصرف بمنطق "مصلحتى فين؟"، فلا مانع من مد يدى لليبرالى أو أى معارض مهما كان انتماؤه رغم المعارك الطاحنة بينهم إبان أزمة جمعية تأسيس الدستور مادام يمكن أن يساعدنى هذا المعارض لتحقيق هدفى، وهى انتهازية سياسية باتت مكشوفة لدى العامة والبسطاء, كما أنها ستصبح مادة ثرية لتحليلات الخبراء والمتخصصين فى ظل إصرار الإخوان على تأكيد التناقض فى مواقفهم. ولفت نظرى أيضا مواقف غريبة تعمق الفوضى السياسية، فقد نظم عدد من رابطة مشجعى ألتراس مسيرة بالتحرير، وهتفوا داخل الميدان ضد التيارات الإسلامية مرددين هتافات: "بيع بيع الثورة يا بديع"، "راح راح الكرسى يا أبو صلاح"، "عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ملهمش أمان". وهو موقف يسحب من رصيد الألتراس فى الشارع, لأن قضيتهم الحالية هى شهداء مذبحة استاد بورسعيد ولكن اتهام تيار أو فيصل سياسى أو دينى بالتخوين من شأنه أن يؤدى لعواقب وخيمة ولولا العقلاء لتصاعدت المشكلة لاشتباك دموى. أما المتاجرين بمصر فهم كثر, وبالطبع يجدون من يدعمهم بالخارج لتنفيذ أجندات لتدمير "أرض الكنانة", ولا ندرى السبب فى رغبة البعض فى "تدويل" قضيتنا رغم أنها وطنية خالصة.. ولكن أين هم الوطنيون الحقيقيون الذين يسعون لمصلحة بلدهم لا لنفخ جيوبهم بالدولارات؟!. كما استفزنى ما تعرض له د.محمد البلتاجى، عضو مجلس الشعب وأمين عام حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين بإلقاء الأحذية فى وجهة فور صعوده لمنصة الجمعية الوطنية للتغيير فى ميدان التحرير, وكان مجموعة من الحاضرين قاموا بطريقة منظمة برشق البلتاجى بالأحذية بعد دقائق من إلقائه لكلمته للحاضرين أمام المنصة، فيما يبدو أنه لم يعجبهم ما قاله.. فهل تدنت لغة الحوار بيننا إلى الرشق بالأحذية؟ [email protected]