صباح السبت الماضى كنت على موعد مع السباب والتطاول من قراء "المصريون" والأهرام فى الأول تعليقًا على مقال هامان مبارك، ظنًا منهم أنى أقف فى صف عمر سليمان، بينما قرأت نفس السباب وأكثر.. تعليقا على مقال ببساطة من أنصار سليمان، لأنى قلت إنه فشل فى كل مهمة تولاها بما فيها التنبؤ بالثورة وحماية نظامه. وظهر الأحد نشرت بوابة الأهرام خبرا منسوبا لمصادر برلمانية من حزب الحرية والعدالة أنهم بصدد العزل السياسى ل 19 إعلاميًا ثم رفعت الخبر بعد قليل، ومساء اليوم نفسه نفى ثلاثة من كبار قيادات الحزب هم محسن راضى وعلى فتح الباب وحسين إبراهيم الخبر واعتبروه محاولة للوقيعة مع الإعلام والإعلاميين وكانت بعض المواقع الصفراء قد نقلت الخبر وكالعادة لم تنشر النفى، وفى صباح ذلك اليوم اتصل بى زميل من قيادات التحرير يبلغنى أن بعض الإسلاميين عاتبون وغاضبون منى لأنى انتقدت جماعة الإخوان عندما تساءلت عن شرعيتها وعن المظلة التى تعمل تحتها وعن مصادر تمويلها وعضويتها، وأعترف مرة ثانية لهذه الجريدة وموقعها، الذى احترمته، أنى حزنت من التعليقات المسيئة من بعض من اعتادوا على اتهام الآخرين تشفيا وحقدا وهم كالأنعام أو كالحمار يحمل أسفارًا فلا التاريخ المهنى أو الوطنى أو الأخلاقى يجعلنى فى تلك المساحة التى يضعوننى فيها وليست مهمة الإعلامى أن يرضى كل الناس أو يردد ما يقولونه أو ينافقهم ولكن أن يبحث عن الحقيقة ويقولها وله على الأقل أجر الاجتهاد وكنت أعرف أن اللجان الإلكترونية صوبت سهامها نحوى ولم يكن أمامى إلا أن أقول حسبى الله وكفى بالله شهيدا. أعرف أن كثيرا من الإسلاميين وصلتهم الإمارة فجأة فلم يميزوا بين من معهم ودفع الثمن ومن كان ضدهم وحين وصلتهم السلطة لا يريدون نقدا ولا أظننى أستطيع الصمت عما يتحفنا به سيدنا صبحى صالح، وهو يصف المجلس العسكرى بكفار قريش حتى وإن اختلفنا مع المجلس لأنه بهذا يظن أننا نعيش فى عصر النبوة وأنه أحد الصحابة أو أن الإخوان هم رماة أحد يوم حنين ثم وصف الإخوان لخيرت الشاطر بيوسف هذا الزمان، الذى خرج من السجن ليحكم مصر لكى يرد عليهم نشطاء الفيس بوك أن معنى ما يقولونه عودة النبى سليمان لكى يدخل النمل فى الجحور واستمر اللغو عن أبى لهب وبقية فرسان عصر الجاهلية لينتهى الأمر بأن من دخل مقر الإخوان فى المقطم سيصبح آمنًا من الاغتيال الإلكترونى والسياسى، أما كفار كوبرى المقطم فلا صلح ولا حوار ولا أمان لهم. وهكذا لم يعد للحوار معنى طالما هناك أطراف لا تسمع كما لا معنى للأوراق والكتابة طالما لا أحد يقرأ أو حتى يتوثق من اتهاماته لأنه من غير المعقول أننا كنا ننتقد النظام السابق بالصوت والصورة والقلم وكلها وقائع ثابتة وموثقة ولم يخونا أو يضع صورنا فى الميادين والقوائم الثورية، بينما الذين يخلعون أفكارهم كما يخلعون أحذيتهم يتصدرون المشهد الإعلامى ويتربعون عليه ولكل الذين يتغنون قومهم بلا حياء أذكرهم بقول الله تعالى "وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"، وإلا ماذا يعنى إطلاق أحد المرشحين للرئاسة الجهاد إذا تم اتخاذ قرار باستبعاده أو أن يقف مستشار جليل، وهو رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، يعلن الندم أن الثوار لم يفعلوا ما قام به الليبيون ضد القذافى ويقف بقية النواب مصفقين، أو أن تطلعنا كل يوم قوائم للمطلوب إعدامهم سياسيًا أو معنويا، الأمر الذى جعل الناس تتجرع الإحباط من الفتن التى شملت العزل والإقصاء والاستقطاب والتخوين بدلا من شعارات الحرية والكرامة والعدالة، التى رفعتها الثورة، ومن المعلوم بالضرورة أن ألف باء القانون أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ولا توقيع عقوبة إلا بحكم قضائى، وكلها أمثلة تقع الأساس لدولة الاستبداد التى تحتمى بالقوانين متى كان ذلك لصالحها ثم نلجأ للشريعة الثورية متى كانت تعطى مخرجًا مناسبًا لتحقيق مصالحهم أيضًا ولن ينسى التاريخ تلك الساعات السبع التى شهدها مجلس الشعب فى مناقشة تفصيلات قانونية ومساومات من العيب أن تكون فى برلمان مهمته التشريع. وهو يتجاهل المبادئ الدستورية الخاصة بعدم رجعية القوانين وعدم فرض عقوبة خارج المحاكم ثم تصويت الأغلبية على التعديلات والرجوع عنها بعد دقائق ثم ينتهى التصويت لصالح المشروع الأصلى وبدا أن النواب يقبلون بالشرعية الثورية بشكل انتقائى ثم يعودون للشرعية القانونية متى دعت الحاجة إليها، كما حدث فى مناقشات قانون تعويض الشهداء التى استغرقت 60 يوما، بينما تم تمرير قانون مباشرة الحقوق السياسية فى يوم لأن الشرعية الثورية تقتضى ذلك. وأعرف أن كل هذا سيجلب المزيد من السباب علما بأن من بدأ تلك الحملة هو المرشد العام الرجل المؤدب حين وصف الإعلاميين بسحرة فرعون، ثم بدأ عزف الكورال وغاية الأمر أن العمل السياسى غير منطق السمع والطاعة، وأن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يجادلونه فى رأيه إذا لم يكن وحيًا من عند الله ولم يتهمهم أحد أو يضعهم فى قوائم.. والكارثة أننى كنت أظن أن من ذاق الإقصاء بأوامر أمن الدولة وصبيان لجنة السياسات لايجب أن يضعوا سيف الإقصاء على رقاب الآخرين حتى لو كانوا من أبناء النظام السابق، فما بالك بمن كان لهم نصيرا ومتعاطفا ومدافعا عنهم عندما كان الآخرون يفرون منهم، ولهذا كفى بالله شهيدا ولله الأمر من قبل ومن بعد!