عقدت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف اجتماعا طارئا أول من أمس لمناقشة قضية الطلاق الشفهي. وقالت الهيئة عقب اجتماعها: «بإجماع العلماء باختلاف مذاهبهم و تخصصاتهم انتهوا إلى وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق. وتابعت أنه على المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة». وناشدت الهيئة «جميعَ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التي يُنادي بها البعض، حتى لو كان بعضُهم من المنتسِبين للأزهر؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين في الحُرمة». وأضاف البيان: «تتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن «يتساهلون» في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم. وكان الرئيس السيسي، قد وجه في خطابه بمناسبة ذكرى عيد الشرطة في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، بضرورة سن قانون يمنع وقوع الطلاق، لكن في حالة استيفاء الأوراق الرسمية وأمام مأذون شرعي. ويرى السيسي أن معدلات الطلاق في ازدياد مضطرد في مصر وأن الأثار الاجتماعية لذلك كبيرة جدا. وقد اختتم الرئيس المصري، توجيهه بعبارة لفتت نظر السامعين والمتابعين للخطاب وقتها إذ قال موجها حديثه لشيخ الأزهر الذي كان في مقدمة الحضور «تعبتنى يا فضيلة الإمام»، وهي العبارة التي وجدها الكثيرين وقتها تخص قضايا أخرى عالقة بين الرئاسة والأزهر. تبعات تصريحات السيسي بدأت بعد يومين فقط من إطلاقها إذ تحدث مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام في حوار تلفزيوني، قائلاً «قانون الأحوال الشخصية القائم والتطبيق القضائي والإفتائي لا يساعد أبداً على أن نقول بأن الطلاق إذا صدر من الزوج ولم يوثقه بأنه لا يقع، ولكن بعد التحقيق والتحري إذا رأينا بأن هذا الطلاق هو واقع لا محالة فنُفتي حينها بأن هذا الطلاق واقع، ونطالب السائل أن يوثقه عند المأذون». وأشار إلى أن «القانون المصري يلزم الزوج بتوثيق ذلك الطلاق الذي أوقعه خلال 30 يومًا وإلا وقع تحت طائلة القانون. وبين أن «الطلاق الشفهي يقع إذا تحقق ذلك وثبت لدى القاضي ذلك بدليل من أدلة الإثبات فإنه يقضي بوقوع الطلاق، فنحن أمام قانون يلزم القضاء بالتحقيق في المسألة ولا يوقف وقوع الطلاق على أن يوثق». وفى إشارة واضحة لتبني المفتي لمقترح الرئيس السيسي، قال علام «هناك ظروف معينة قد تستدعي الأخذ من مذهب معين، ولكن في الوقت نفسه الشريعة قائمة على التيسير ورعاية مصالح الناس، ومن ثم فإنه يجوز الأخذ بأي قول معتبر من أقوال وآراء العلماء والمذاهب الفقهية المختلفة، بما ييسر على الناس أمور دينهم ودنياهم ما دامت تتصل بالأدلة الشرعية». وفى تتابع متصل للأزمة وتصريحات مفتي الجمهورية، دعت هيئة كبار العلماء، علام لحضور اجتماعها الذي عقد بالأمس لمناقشة قضية الطلاق الشفوي، حتى يضمنوا عدم تشتت الأقاويل بشأنها أما جمهور الناس، خصوصاً ما بين الأزهر والمفتي. نور فرحات الفقيه الدستوري وأستاذ فلسفة القانون وتاريخه، علق في تصريح ل«القدس العربي» على قضية الطلاق الشفوي، قائلاً: «الأزهر الشريف انحاز لآراء الفقهاء الأقدمين دون نظر للواقع والمصلحة ومستجدا تهما، وذلك هو منهجه الفكري، ولكن أنا أرى أنه برغم أن الحديث الشريف قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، الطلاق والعتاق والنكاح أي أن الأثر الديني يقع بمجرد النطق بالعبارة ولو كان هزلاً». وأعتبر ان «تنظيم الطلاق عملا قد شهد مرونة حتى بعد عصر الرسول فقد كان الرسول (ص) لا يوقع الطلاق بائنا ثلاثا بعبارة واحدة (بقول الرجل لزوجته أنت طالق ثلاثا) ويعتبره طلقة واحدة يجوز الرجوع فيها، فجاء عمر وخالف ذلك وأوقعه بائنا لا رجعة فيه حتى لا يترخص الناس في إيقاع الطلاق» وأضاف فرحات» قبل سنة 1911 كان الزواج يتم شفاهة/ إلا أنه نتيجة لخراب الذمم تدخل المشرع سنة 1911 ثم سنة 1933 وأصبحت دعوى الزواج لا تسمع عند الإنكار ما لم يكن ثابتا بوثيقة رسمية أي أن القاضي لا شأن له بالمنازعات الزوجية في الزواج غير الموثق». وتابع: «بما أن المقرر في الشريعة أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح وأن مالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب وأن سد ذرائع الفساد مصدر للشريعة والطلاق الشفوي مفسدة فقد يتم دون علم الزوجة وقد يتم بعلمها في غيبة شهود ومع ذلك قد يتمسك الزوج باستمرار علاقة غير شرعية على ما في ذلك من حرمة». وزاد: «من الممكن الأخذ بحل مماثل لما أخذ به المشرع بالنسبة لتوثيق الزواج فينص على عدم سماع الدعاوى المترتبة على الطلاق مالم يكن ثابتا بوثيقة رسمية وفى حالة ادعاء أحد الزوجين غير ذلك توقف مؤقتا آثار العلاقة الزوجية كإجراء وقائي ومن حق المحكمة أن تحكم على وجه السرعة بإثبات الطلاق إذا قام الدليل على وقوعه أو أقسمت الزوجة بيمين حاسمة على ذلك مع عقاب الزوج المطلق شفاهة». وثمة خلاف مكتوم بين الأزهر والرئاسة منذ فترة ليست بالقصيرة على خلفية الانتقادات التي وجهها السيسي للأزهر في مناسبات متفرقة. فقد قال في أحد الاحتفالات بليلة القدر «سأحاججكم أمام الله عز وجل» وذلك في معرض حديثه عن استشراء التطرف الإسلامي وأثره في العالم وعدم مراجعة علماء الأزهر لكتب التراث، التي رأى أن بعضا منها يحمل غلوا في التطرف. أما تجديد الخطاب الديني، فقد كان له نصيب من خطابات السيسي الموجهة للأزهر حيث دعا إلى ثورة دينية وإلى تجديد الخطاب الديني، قائلاً: «ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدار المئات من السنين، يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها وأنه قد آن الأوان لتجديد الخطاب الديني، الذي ظل رهينة تراث محدود بمعطيات الماضي وأبعاده». تصريحات الأزهر كانت مقتضبة في الرد على دعوات الرئيس المستمرة لتجديد الخطاب الديني، ولم تكن تتعدى أن هيئة كبار العلماء تدرس العديد من القضايا. الباحث في الشؤون الإسلامية سامح عيد، قال في تصريح ل«القدس العربى» حول مرجعية الخلاف: «أعتقد أن أحد أهم جذور الخلاف تتمثل في المعركة الدائرة بين الأزهر ووزير الأوقاف الحالي مختار جمعه والذي يستشعر الأزهر أنه مدعوم من الرئيس، فقد تحرك شيخ الأزهر لإلغاء فكرة الخطبة المكتوبة التي تبناها وزير الأوقاف وصدرت التعليمات بذلك من خلال اجتماع موسع لهيئة كبار العلماء، ثم قام وزير الأوقاف بإقالة عدد كبير من قيادات الأزهر من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، و كان على رأسهم وكيل الأزهر، عباس شومان، ومستشار شيخ الأزهر، محمد مهنا، وأستاذ الفقه المقارن أحمد كريمة، وأستاذ الشريعة الإسلامية، سعد الدين الهلالي، مما أغضب شيخ الأزهر. وقررت هيئة كبار العلماء الانسحاب من عضوية المجلس ردا على هذا القرار الذي اعتبره شيخ الأزهر موجها إليه شخصيا حيث أن الشخصيات المقالة هي محسوبة بشكل أو بآخر عليه.