كتبت فى هذا المكان قبل ذلك مدافعًا عن الإخوان ومثنياً على أدائهم ومعضدًا لهم لذا فحديثى اليوم لايمكن تصنيفه فى دائرة الخصومة للجماعة وتأكيداً ليس من باب الخصومة مع الإسلام إذ يعتبر كثيرون أن الخلاف مع "الجماعة" لا يعنى إلا الخلاف مع الإسلام نفسه وتلك كارثة تحتاج إلى حديث آخر. ولكن هناك العديد من التساؤلات "المشروعة" تفجرت بشدة مع إقدام الجماعة على ترشيح المهندس/ خيرت الشاطر لمنصب الرئاسة فإذا كانت الجماعة– كما تقول – قد استشعرت خطراً داهما على الثورة، وهو خطر نستشعره جميعاً ومن هذا الباب أقدمت على خطوة ترشيح الشاطر ونكصت عن وعدها القديم الذى قطعته على نفسها منذ يوم الخميس 10 فبراير 2011، ولكن لماذا لم تلجأ إلى تزكية أحد المرشحين ذوى الخلفية الإسلامية الموجودين على الساحة منذ حوالى عام كحل مقبول؟ هل لأنها لم تستشعر فيهم الكفاءة المطلوبة لقيادة مصر؟ أم أن الأمر مرتبط بنظرة "الجماعة" لبقية أطياف الحركة الإسلامية الذين تعتبرهم مجرد "خارجين" عن الجماعة الأم؟ وهذه النظرة أثرت كثيرا على تعامل الجماعة مع بقية فصائل الحركة الإسلامية وفرضت حالة من العزلة الاختيارية للجماعة عن بقية إخوانها فى الوقت الذى كانت تمد فيه جسور التواصل مع بقية القوى السياسية "العلمانية" بكل همة ونشاط. بل إن مرحلة ما بعد الثورة لم تشهد تغيرا كبيرًا فى هذا الاتجاه إذ بقى السلوك العام للجماعة محكوما بهذه النظرة ولم نشهد تقاربا حقيقياً بينها وبين بقية أطياف الحركة وفى الوقت الذى اجتهد فيه المرشد العام للجماعة فى التواصل مع أطياف سياسية ودينية متنوعة لم نشهد له زيارة واحدة لأى من فصائل الحركة الإسلامية الأخرى بل ولم نشهد دعوة جدية من مكتب الإرشاد لرموز التيار الإسلامى للاجتماع فى المقر العام للجماعة حتى فى الافتتاح الكبير للمقر الجديد فى المقطم شهدنا ألوان الطيف السياسى والدينى إلا الرموز الكبيرة للحركة الإسلامية من قيادات الحركة السلفية والجماعة الإسلامية وغيرهم!!! هذا النظرة "الدونية" لبقية أطياف الحركة الإسلامية (ومنهم أصحاب نضال وجهاد مؤثر ربما فاق الإخوان) جعلت الجماعة تبنى قرارها بمفردها ثم تبحث عن الدعم والتأييد فى مرحلة تالية وكأن مطلوبًا من الحركة الإسلامية أن تتحول إلى "بصمجية" على قرارات مكتب الإرشاد وإلا تعرضوا لحملة تشويه واسعة النطاق. كما أن جماعة الإخوان كان لزاما عليها (بصفتها الجماعة الأم، كما تصف نفسها) أن تسعى لبناء موقف موحد للحركة الإسلامية ينطلق من القواسم المشتركة وليس من باب تحقيق المصالح الضيقة للتنظيم وأظن أن العام المنصرم كان كفيلا للوصول إلى هذه الأرضية المشتركة التى لو تحققت فلربما ساهمت فى دفع العجلة إلى الأمام أكثر مما نحن فيه الآن. أيضًا فإن موقف الجماعة الحدى من التاركين لها يحتاج إلى مزيد من المراجعة لأنه يشوه صورة الجماعة قبل من تركها فمن غير المعقول أن يظل شخص ما محمولا فى الأعناق تدبج فيه قصائد الشعر والمديح ثم يتحول – إثر خلاف بينه وبين مكتب الإرشاد – إلى شيطان رجيم، وهو السلوك الذى يقابله التاركون المذممون بسلوك عدائى غير مبرر ولا مقبول فى حق جماعة تربوا فى كنفها لعقود طويلة، وظهر ذلك واضحًا فى الهجوم الأعنف ضد الجماعة طيلة الأيام الماضية من أبناء "الأمس"، والذين تلقفتهم الفضائيات وأفسحت لهم المجال فى مشهد أدمى القلوب وفتح المجال للتساؤل عن منهجية التقديم داخل الجماعة وما سر هذا البأس الشديد بين أصدقاء الأمس وفرقاء اليوم. أسئلة كثيرة مازلت أرى أنه من واجبنا أن نصارح بها جماعة نعتز بها وبتاريخها كثيرا كما أرى أنه من حقنا على جماعة الإخوان أن نسمع لها إجابة فلا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها.