وسط حالة الذهول التى أصابت الجميع ، وأنا منهم ، بعد ترشيح الإخوان للمهندس خيرت الشاطر ، ووسط اضطراب فكرى واضح لدى أصحاب الرأى من قيادات الفكر الإسلامى، أجدنى أقف مشدودًا بكل احترام لموقفين متعارضين تمامًا، أحدهما معارض للترشيح، والآخر يؤيده ، أما الموقف الأول فهو موقف الدكتور محمد البلتاجى عضو المكتب التنفيذى لحزب "الحرية والعدالة" والقيادى البارز فى الإخوان المسلمين والذى أعلن على الرأى العام بكل شجاعة أنه يعارض رأى الحزب والجماعة فى تقديم مرشح للرئاسة، وقرر أنه قد صوَّت فى اجتماع الهيئة العليا للحزب برفض القرار، ولكنه فى نفس الوقت أعلن أنه يحترم رأى الأغلبية من إخوانه ويعرف إخلاصهم ويتفهّم أسبابهم . هذا موقف عظيم لرجل جدير بكل الاحترام ، ليس لأنه خالف الإخوان ، ولا لأنه أعلن ذلك بكل شجاعة ، ولكن لأنه رغم المخالفة فى الرأى وعدم الاقتناع برأى الأغلبية، لم يسمح لنفسه أن يخرج على القرار الذى توصلت إليه الأغلبية وألزم نفسه به، وهذا هو جوهر الديموقراطية ، ومعكوس هذا الموقف يمثل حقيقة الديكتاتورية ، فلو أنك، عزيزى القارئ، خالفت حزبك الرأى ورأيت نفسك أفضل من جماعتك أو حزبك، وعظم رأيك عندك واحتقرت رأى الآخرين، فاعتزلْتهم وانفردت بإنفاذ قرارك مغالبةً لرأيهم ، فاعلم أخى أنه فى هذه الحالة يكون جنين الديكتاتورية قد سكن عقلك وأنه سينمو مع الأيام ليتغوَّل على كل مَن حولك ، وعند هذه النقطة من التأمل وجدت أن الاختيار قد أصبح منحصرًا عندى فى الشاطر وأبو إسماعيل وحدهما دون غيرهما، وهنا أنتقل بك عزيزى القارئ إلى تأمل الموقف الثانى وهو موقف الشيخ الجليل الدكتور محمد عبد المقصود، والذى خرج على الأمة بعد ساعات قليلة من القرار؛ ليعلن بكل شجاعة وتجرُّد أنه يؤيد مرشح الإخوان للرئاسة، الشيخ يدرك بلا شك أن موقفه هذا سوف يعرضه لكثير من الانتقاد والتجريح، وبصفة خاصة من أهل فريقه من السلفيين، ومن أقرب المقربين إليه، ولكنه لم يأبه لذلك؛ لأنه يعلم أن موقعه فى الأمة كداعية صاحب كلمة مسموعة يفرض عليه أن يعلن رأيه واضحًا صريحًا فى كل أمر يهم المسلمين ، فالنصيحة واجبة لأولى الأمر ولعامة المسلمين وخاصتهم ، لاحظ، عزيزى القارئ، قصر المدة بين القرار وبين إعلان الشيخ قراره الحاسم مما يعطيك انطباعًا بأن الرجل يدرك جيدًا ما يقول وأن الرؤية لديه واضحة تمامًا ، لقد أعاد إلىَّ هذا الموقف ذكرى مقالة سيدنا عمر الشهيرة عند حرب المرتدين: "فلما رأيت أن صدر أبى بكر قد انشرح للأمر عرفت أنه الحق"، لقد دعانى انشراح صدر الشيخ الجليل لهذا الاختيار إلى مزيد من التأمل، فوجدت أننا نفاضل فى الواقع بين رجلين، كلاهما مشهود له بالفضل، ولا ينكر أحد دينهم وتقواهم وجهادهم وصبرهم ونصرهم لدين الله على مر السنين، فإذا جاءت الانتخابات بأحدهما فهو بلا شك مكسب للإسلام، ففِيمَ الحيرة إذًا؟!، أعتقد أن الأمر قد أصبح واضحًا ، لقد رشح الأستاذ حازم أبو إسماعيل نفسه؛ لأنه لا الإخوان ولا السلفيون كان لهم مرشح على الساحة، فكان الأمر محسومًا لصالحه بلا جدل، أما الآن بعد أن قدم الإخوان مرشحًا فلا نجد عليه شيئًا فى دينه وتقواه، فما الذى يدعونا إلى الوقوف ضدهم ليشمت فينا وفيهم أعداء الإسلام فى الداخل والخارج؟، إن محاولة التوفيق بين المرشحين ليتنازل أحدهما للآخر تبدو مستحيلة، ومن ثم فإن المسئولية تنتقل أمام الله إلى المؤسسات الإسلامية والأحزاب السلفية، إذا أيدت هذه الهيئات والمؤسسات الجماعة الأم فى اختيارها فسيتوحَّد الصف الإسلامى ويصبح للمسلمين كلمة واحدة، يلقون بها فى وجوه أعدائهم، أما إذا أيدت هذه الهيئات والمؤسسات المرشح الآخر فستتفرَّق كلمة المسلمين، وذهبت رِيحُهم، ولمَن يرى أن حازم أبو إسماعيل أفضل من الشاطر، أقول: بفرض ذلك ، فإن إمامة المفضول للفاضل جائزة، ولا شىء فيها، ولكن تفريق كلمة المسلمين جريمة لا تُغتفر، وتوحيد الصف الإسلامى فريضة واجبة، عزيزى القارئ، احسم أمرك. كامل مندور [email protected]