من الطبيعى أن تزدحم الحياة السياسية فى مصر بالأفكار والآراء والأزمات التى يصنعها الحراك السياسى الإيجابى، بعد ستين عامًا من القهر والقمع والاستبداد الفاشى الذى عاشته مصر تحت حكم إرهابى بشع، صادر الحرية وأهدر الكرامة وترك المجال للصوص والفاسدين كى يمرحوا ويرتعوا دون رادع من قانون أو ضمير، وحارب الإسلام واعتقل الإسلاميين وحشرهم فى السجون المظلمة وقتل كرامهم تحت التعذيب الوحشى، وعلق قياداتهم على أعواد المشانق، واستعان بأبواق مأجورة، على استعداد أن تبيع الآباء والأمهات بثمن بخس فى سبيل تحقيق مآربها ومصالحها الحرام، وكان فى مقدمة هذه الأبواق المأجورة نفر من الشيوعيين؛ تلامذة الصهيونى الخائن هنرى كورييل، تحولوا بعد أن أخرجهم خروشوف من السجون أو جندتهم أجهزة الأمن لخدمة النظام المستبد الفاشى فى صوره الثلاث.. هذه الأبواق المأجورة تصدرت المشهد السياسى والثقافى طوال ستين عامًا، وأقصت غيرها بكل قسوة وبجاحة ووقاحة، ولم تستحِ وهى تعلن بعد الثورة أنها من الثوار والمناضلين، وسمحت لنفسها أن تقنّن للثورة والثوار، وأن تجعل من نفسها وصيًا على الأمة، وأن تطالب علنًا – ويا للعار! – بإقصاء الإسلام لأنه يغيّر هوية مصر، وتدعو الجيش المصرى للانقلاب على الحرية والديمقراطية دون أن يهتز لها جفن، أو يصعد الدم إلى وجهها..! وهاهو شيوعى حكومى يدعو فى صحيفة حكومية واسعة الانتشار الجيش المصرى إلى حل مجلسى الشعب والشورى، والجمعية التأسيسية والعودة إلى نقطة الصفر لوضع دستور أولاً يليه إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، إنه يحلم باستعادة جريمة 1954م التى اقترفها زعيمه خالد الذكر! يبدأ الكاتب الشيوعى المتأمرك مقاله بانتظار الجيش ليتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين بالطريقة التى يريدها هو، فيتهم أفراد الجماعة بأنهم أصحاب مشروع متكامل لتغيير هوية الدولة المصرية، وتجاوز الوطن إلى الأمة وإحياء الخلافة، ثم يحرض على جهة رسمية لا نعلمها قائلا: "الخطورة فى العام الأخير أن ثمة دلائل تشير إلى انحياز ما من مركز الثقل فى الدولة المصرية إلى الجماعة، والدليل السماح لحزب منطلق منها على أسس دينية بالعمل لأول مرة فى حياتنا السياسية"، وكأن الشيوعى الحكومى لا يعرف أن مصر مسلمة، والحزب الذى يعادى الإسلام هو الذى يجب منعه مثل الأحزاب الشيوعية التى تم التصريح بها فى زمن المخلوع وما بعده، ثم يتطوع بتقرير أمنى على غرار مخبرى المباحث يقول فيه: إن الإخوان بعد الرئاسة سوف ينقضون على الجيش نفسه، ولديهم الميليشيات المسلحة، الجيش المصرى هدف نهائى لهم، فهو العمود الفقرى للدولة، حتى وإن بدا فى سياسات المجلس الحالى ما يمالئ الإخوان،.... وما يجرى الآن تغيير هوية الدولة المصرية إلى الخلافة، التى سيصبح فيها المختلف دينًا مجرد ذمى، والمختلف رأيًا مارق، لا حقوق للمواطنة لأن الوطن نفسه ليس موجودًا فى مفهومهم ونظرياتهم،.. وفى اللحظة المناسبة سيعلن أحد حكام الخليج خليفة للمسلمين، وتبايعه الجماعة". هذه بعض مسوغات الكاتب الشيوعى المتأمرك ليقوم الجيش بانقلاب عسكرى، حيث تمتد فترة الانتقال إلى ما لا نهاية، ويسعد الكاتب وأمثاله الذين عاشوا فى حظيرة مبارك الثقافية بالاستمرار على حجر السلطة الحاكمة التى تغدق عليه وعلى أسرته كما كان المخلوع يفعل! هذا الكاتب الثورى (بعد يناير) هو الذى كتب عن مبارك بعد عودته من الرحلة العلاجية فى ألمانيا (مارس 2010): تحت عنوان (قائد القوات) مشيدًا بالسيرة المباركية، منذ أصغى إلى اسم اللواء طيار محمد حسنى مبارك بعد عام 1967، وعرف أن من صفاته 'الإرادة الحديدية، الجلد، سعة الأفق، الذكاء، والسمعة الطيبة والعلاقات الحسنة مع الآخرين'. ثم نقل عن زكريا عزمى أن الرئيس مبارك لم يكن يبدى غضبًا على عناوين الصحف التى تهاجمه (أى مبارك) بل كان يبدى قدرًا كبيرًا من التسامح والصبر معلقًا إنها الديمقراطية'، وأضاف الكاتب الثورى الشيوعى الحكومى: 'لقد جنبت خصاله القيادية مصر الكثير من المخاطر فى ظروف عالمية ومحلية مضطربة، ورغم كل المصاعب أشعر أن قلب مصر يتجدد، يموج بالحركة ويضخ الأمل، وعندما رأيت الصور الخاصة باستئناف الرئيس لنشاطه شرعت فى تدوين هذه الشهادة التى تخص أبعادًا عامة وخاصة تتصل بالرئيس وملامحه الإنسانية، وسعة صدره، وأيضًا ما أكنه تجاهه من امتنان ومودة'. ولكن صاحبنا الثورى (بعد يناير) ومحرض الجيش على الانقلاب على الديمقراطية والإسلام؛ يقول فى ندوة بعد ثلاثة أشهر من سقوط المخلوع: إن نظام مبارك 'أسوأ نظام مرّ على مصر... حتى من الاحتلال الأجنبى، فالنظام السابق جرف البلاد، ونهبها بكل طاقته، حتى إن المساحات المخصصة لهموم المصريين فى خطابات مبارك تقلصت.. حتى اختفت تمامًا وحل محلها سخرية واحتقار وتجاهل'. وقد دفع هذا التحول رفيقًا شيوعيًا يعيش فى لندن لوصفه بأنه من خدام الاستبداد وأنه 'كان مع قرينه .. أول المبادرين إلى مد أيديهم لأخذ ما يمكن من القصعة!' أى قصعة مبارك.