مثلما استهدف مصطلح "التوافقى" للإساءة إليه.. حتى باتت أية شخصية عامة تتوارى خجلاً حال أُطلق عليها لقب "المرشح التوافقى".. واعتبرها "عارًا" لا يُمحَى إلا إذا أُريق على جوانبه الدم.. فإن كلمة "صفقة" فى العمل السياسى.. باتت هى الأخرى "فضيحة" تلاحق صاحبها و"نجاسة" لا طهارة منها إلا بالاغتسال سبع مرات.. إحداها بالتراب! لا توجد مثل هذه "الثقافة" إلا فى مصر!!.. وهى ظاهرة "غريبة" تحتاج إلى تأمل.. إذ يمارس المصريون "السياسية" بأدوات "دراويش" الموالد.. أو بافتراض "الطهر السياسى" فى أية جماعة تشتغل فى العمل العام. قبل الثورة.. كان الإخوان فى بؤرة الاستهداف، وتم الإساءة إليها، باعتبارها "بتاعة صفقات" ولا تزال بعدها تطاردها ذات الصفة، وكأنها تعقد صفقات "سلاح" أو "مخدِّرات" ولا تتعامل مع "سياسيين" إنما مع عُتاة المجرمين فى العالم! بعد إعلان الجماعة عن اختيارها ل"الشاطر" مرشحًا لها على منصب الرئاسة.. تواتر الكلام بشأن "صفقة" بين الإخوان والمجلس العسكرى.. باعتبارها "مؤامرة" أو "تواطؤًا" بين القوتين الرئيسيتين.. أو محاولة رسم صورة لهذا الاختيار باعتباره "جريمة" فى حق الثورة أو الوطن أو الشعب المصرى. الصفقات.. هى إحدى الأدوات المشروعة فى الصراعات السياسية.. ومن "الشطارة" أن يجيد كل تيار أو جماعة استخدام تلك الأدوات على النحو الذى يحقق أهدافها المحددة.. فلا تثريب أن يعقد الإسلاميون أو اليساريون أو الليبراليون صفقات مع هذه القوة أو تلك.. ويظل الحكم عليها بمعايير "المصالح والمفاسد" أى فى إطار "المقاصد العامة".. إذ إن "الصفقة" مجردة لا عيب فيها من حيث دورها كأداة فى إدارة الصراعات السياسية.. ولا ضرر منها طالما حققت أهداف طرفى "العقد" من جهة وفى سياق "مشروع" يستهدف "المصلحة العامة" وفق الاجتهادات السياسية لطرفيها من جهة أخرى. وإذا افترضنا أن "الشاطر" جاء ثمرة الاتفاق بين "الإخوان" و"العسكرى".. فإن المسألة فى محصّلتها الأخيرة، محض "صراع سياسى".. وليست "مؤامرة".. وربما يكون الطرفان قلِقين من فارسى الرهان "أبو إسماعيل" و"أبو الفتوح" ؛ لأن الأخيرين لن يكونا حال فاز أحدهما بالمقعد الرئاسى خدَمًا فى بيت طاعة مكتب الإرشاد ب"المقطم" أو فى ثكنات "العسكرى" بكوبرى القبة.. ولعلهما اتفقا على "دعم" شخصية لا تكون مصدر "إزعاج" لهما. بالتأكيد قد يغضب آخرون من هذا "المنحى".. غير أنه ليس من حق قوة سياسية أن تفرض على أخرى خطط عملها وأجندتها السياسية.. وليس من الحكمة أن تكتفى بالهجوم والشتيمة والثرثرة على الفضائيات.. وإنما بإبداع خطط مواجهة وصفقات مناظرة.. أو بتشكيل "لُوبيَّات ضغط" تجهض خطط "المنافس" أو "الخصم".. إنها لعبة السياسة فى أية دولة ديمقراطية. [email protected]