يعقد المجلس العسكرى اجتماعات مكثفة مع مختلف القوى السياسية للتوصل لحلول لأزمة تأسيسية الدستور بعد الانسحابات المتوالية من القوى الليبرالية واليسارية, اعتراضًا على رغبة حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى السيطرة على كل شىء. من جهة أخرى تتوالي الاعتراضات وردود الفعل الغاضبة والطعون إلى المحكمة الدستورية العليا من أجل بطلان الجمعية التأسيسية, وطلب تفسير المادة 60 من الإعلان الدستورى الذى تسبب فى الكثير من المشاكل ووفقًا لمراقبين برلمانيين فإن انسحاب "الأزهر" سيشكل تطورًا وبعدًا جديدًا للأزمة ويزيد من الضغوط على القوى الإسلامية من أجل التنازل والتوافق مع القوى السياسية الأخرى لكتابة دستور يعبر عن كل الأطياف. وحسب سياسيين فإن هناك العديد من السيناريوهات لمواجهة الأزمة الناشبة ومنها على سبيل المثال حل البرلمان واختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديدٍ, إلا أن هذا السيناريو يواجه اعتراضًا كبيرًا، خاصة من القوى الإسلامية, واصفين ذلك بأنه غير دستورى ويسبب أزمة سياسية خطيرة. السيناريو الآخر هو أن ينجح المجلس العسكرى فى التوصل إلى توافق وطنى مع كافة القوى، وتقريب وجهات النظر لإنهاء الأزمة الحالية، وتبدأ الجمعية التأسيسية فى كتابة الدستور الجديد. الدكتور محمد حبيب، وكيل مؤسسى حزب "النهضة"، والنائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين، قال: إنه مع السيناريو الثانى الذى بدأه المجلس العسكرى بعقد اجتماعات مكثفة بين القوي السياسية والضغط على حزبى "الحرية والعدالة و"النور" الممثلين للتيار الإسلامى من أجل التنازل لضم بعض الشخصيات الليبرالية واليسارية من أجل تحقيق توازن فى تأسيسية الدستور، من أجل أن يكون الدستور الجديد معبرًا عن كل أطياف الشعب المصرى وليس عن الإسلاميين فقط. وكشف حبيب عن أنه فى حالة إصرار الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية على الوضع الحالى فإن المجلس العسكرى سيلجأ إلى اختيار 100 شخصية وعرضهم على استفتاء شعبى, وهنا تتحول المواجهة إلى الشارع، وتتصعد الأمور, محذرًا من العواقب الوخيمة، ومطالبًا الإسلاميين بالتعلم من دروس الماضى وبأن يعودوا لحكمتهم وعقلهم. من جانبه قال الدكتور رفيق حبيب، نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية للخوان المسلمين، إن الانسحابات مجرد شو إعلامى فقط وأمانة البرلمان لم يصلها إلا عدد قليل من الانسحابات الرسمية, مشيرًا إلى أن الباب سيظل مفتوحًا للجميع للتراجع والتوافق من أجل كتابة دستور يعبر عن كل الأطياف. وأكد أنه فى حالة إصرار المنسحبين على موقفهم فإنه سيتم الاستعانة بالأعضاء الاحتياطيين، مستبعدًا دخول المجلس العسكرى فى صدام مباشر مع تأسيسية الدستور, وأى عمل يخالفه سيكون غير دستورى وسيتصدى الشعب لذلك. قال الدكتور عاطف البنا الفقيه الدستورى وعضو اللجنة التأسيسية إن أى من السيناريوهات التى سيتبعها المجلس العسكرى غير دستورى، فالمجلس العسكرى لا يحق له تعديل المادة 60 لأنها مادة استفتى عليها الشعب المصرى، وبالتالى لا يمكن أن يضع هو اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. وأكد البنا أن عدد الذين انسحبوا من اللجنة التأسيسة "قليل جدًا"، مشيرًا إلى أنهم كونوا لجنة للتفاهم مع المنسحبين من اللجنة التأسيسية ومناقشتهم فى أسباب انسحابهم وتقريب وجهات النظر. وأوضح أن حل الأزمة يتمثل فى هدوء القوى السياسية التى لا تهدأ دائمًا وتحاول دومًا إثارة الجدل وتترك الأمور تسير وفقًا لبرنامج العمل، فالشعب هو من خول مجلسى الشعب والشورى لتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. وعما يشاع حول أن اللجنة التأسيسية لم تشمل ذا الكفاءة أكد البنا أن اشتمال اللجنة التأسيسية على 4 أو 5 من الفقهاء الدستوريين كافٍ جدًا، وتمثيل طوائف الشعب لا يستلزم أن يكون عدد الممثلين بحجم الطائفة؛ ولكن يجب أن يكون هناك من يعبر عنهم. وأضاف أن هناك بعض الحركات والقوى السياسية تريد أن تخلق أزمة من لا أزمة فى وضع الدستور وتضخم الخلافات، وجاء الوقت لتسكت هذه القوى حتى تسير مصر لبر الأمان. بينما قال الدكتور ربيع أنور، الفقيه الدستوري، إن الانسحابات المتواصلة سيؤدى إلى إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية بحيث تكون أغلبها أو جميعها من خارج البرلمان وهذا يكشف سوء إدارة مجلس الشعب والشورى للأمر، ونية الأغلبية فى السيطرة على اللجنة التأسيسية. وحمل أنور المجلس العسكرى جزءًا من مسئولية الأزمة، لأنه لم يفسر المادة 60، وكان من الممكن عمل مذكرة تفصيلية توضح المقصود من المادة 60 لفك الغموض الذى يحيط بها. وأكد أن الحل بيد المجلس العسكرى فى تحديد القصد من المادة 60 أو تعديلها كما أصدر الإعلان الدستور ويحدد حينها هل يكون أعضاء اللجنة التأسيسية من داخل البرلمان أم جميعهم من خارج البرلمان حتى لا يستغل البرلمان الفرصة ويفسر المادة على هواه؟ وأوضح أنور أن السيناريو الأقرب للتطبيق هو التوافق بين مجلس الشعب والمجلس العسكرى وإعادة اختيار أعضاء اللجنة من الأول بحيث يتم إضافة بعض الشخصيات واستبعاد البعض الآخر. على صعيد آخر قال اللواء سامح سيف اليزل، الخبيرى الإستراتيجى، إن المبدأ خاطئ من البداية، فالطبيعى فى وضع أى دستور أن ينتخب الشعب المصرى من يضع الدستور، وليس ممثلو الشعب المصرى هم الذى يحددون، حيث يطرح بعض الشخصيات على الشعب الذى يختارهم عن طريق الانتخاب. وأكد أنه من البداية كان هناك العديد من الاعتراضات على نسبة ال50 % من داخل البرلمان، وأن وضع الدستور كان يحتاج من 20 إلى 25 أستاذًا متخصصًا فى القانون والفقه الدستورى مع مجموعة مختلفة تمثل توجهات الشعب المتنوعة، مشيرًا إلى أنه من الواجب أن يحدث نقاش بين كاتبى الدستور ومختلف طوائف الشعب حتى لا يستفتى الشعب على الدستور إلا وهو مدركه جيدًا. وقال الدكتور جمال عبد الجواد، مدير مركز الأهرام الإستراتيجي، إن هناك أزمة سياسية خطيرة على الأبواب فى حالة إصرار الإخوان المسلمين على السير قدمًا فى كتابة الدستور دون الاهتمام بالانسحابات المتوالية من اللجنة التأسيسية, مشيرًا إلى أن كل شىء وارد ويمكن أن يتدخل العسكرى لوقف ذلك ويحل البرلمان. وطالب قوى الإسلام السياسى بالتعقل والحكمة فى وزن الأمور وتقدير خطورة المرحلة الحالية التى تمر بها البلاد, والوفاء بوعودهم بشأن التوافق على كتابة الدستور بين كل القوى السياسية بحيث يكون الدستور الجديد معبرًا عن كل أطياف الشعب المصرى. وطالب إيهاب الخولى، نائب رئيس حزب "الإصلاح والتنمية" بإعادة تشكيل اللجنة التأسيسية من جديد بشكل تتضمن تمثيل متوازن لكل القوى السياسية وكافة فئات المجتمع, مهددًا باللجوء إلى الاعتصام المفتوح من جانب القوى السياسية المنسحبة، وعدم الاعتراف بالدستور الجديد والطعن فى شرعيته. وأشار الخولى إلى أن المحكمة الدستورية العليا مطالبة بتفسير المادة 60 من الإعلان الدستورى التى تسببت فى أزمة حادة قد تؤثر على مسار التحول الديمقراطى وتحقيق أهداف الثورة.