أئمة الأزهر: وأد ل"فن الخطابة" ومهين لبلد الأزهر.. إسلاميون: نخشى تجريف الدين وانصراف الناس عن الخطبة.. و رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان ينتقد انفراد الوزير بشئون الدعوة أثار قرار وزارة الأوقاف بإعداد خطب الجمعة ل5 سنوات مقبلة جدلاً واسعًا، على إثره تجدد الصراع بين "الأوقاف"، ومشيحة الأزهر الشريف، مع التصريح بأنه سيتم عرضه على رئيس الجمهورية، دون التشاور مع مؤسسة الأزهر أو هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية. واستنكرت مشيخة الأزهر، توحيد الخطبة لمدة 5سنوات, مؤكدة أن هذا القرار ينقص من حق علماء الدين بمصر والأزهر الشريف؛ لأنه سيحول الخطيب أو الإمام إلى ببغاء يردد ما كتب له في الورقة، كما أن هذه الخطبة قد تصلح في مكان ولا تصلح في مكان آخر، ومهمة المنبر هي معالجة مشاكل المواطنين وليست الدولة فقط، على حد قولها. فعلى الرغم من محاولات الأزهر المستميتة لإسقاط فكرة الخطبة المكتوبة, والحد منها إلا أنها لم تنجح كليًا؛ حيث أعلنت وزارة الأوقاف تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة وذلك لمدة 5 سنوات مع الاستمرار في توحيدها، وتعميمها مكتوبة, وقد خلت اللجنة المكلفة من أي ممثل رسمي للأزهر؛ حيث ضمت عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ومجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، وعبدالله مبروك النجار، العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، وأحمد علي عجيبة، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (تابع لوزارة الأوقاف)، وسامي الشريف، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ونبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر. وقد اشتملت على خطتين قصيرة المدى، وتشمل 54 خطبة للعام الأول، ومتوسطة المدى وتشمل 270 موضوعًا لمدة 5 سنوات، كما أن موضوعات الخطب في الخطة الخمسية ستشمل 13 محوراً؛ هي: الأخلاق، والقيم الوطنية، وقضايا التطرف والإرهاب، والعمل والإنتاج، والمعاملات، وبناء الأسرة، والشباب، والمرأة، ودور ذوي الاحتياجات الخاصة في بناء المجتمع، والتعليم والتثقيف والتربية، والإيمانيات، والمناسبات الدينية، والقضايا العامة. من جانبه، يقول جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، إن إعداد الخطب ل5 سنوات مبادرة جاءت من جانب الأوقاف؛ لأنها المعنية بذلك، وليست طلبًا مباشرًا من الرئاسة، وهي استجابة لدعوة الرئيس منذ سنتين بتجديد الخطاب الديني, مشيرًا إلى أن لجنة إعداد الخطب التقت عدداً واسعاً من المفكرين والساسة والمتخصصين في كل المجالات، وكان هناك اتفاق على ترسيخ الأخلاقيات والعقائد والقيم الإنسانية والترسيخ للهوية الوطنية خلال خطب الجمعة ل5 سنوات. وأضاف ل"المصريون" أن الأحداث الهامة، سيتطرق الأئمة إليها في الجزء الثاني من الخطبة عقب جلسة الاستراحة. وعن عقوبة عدم الملتزمين بالخطب طيلة ال5 سنوات، قال طايع: "بعدما يحدث التوافق على موضوعات الخطب سيتم دراسة كيفية معاقبة المخالف"، مستبعداً أن يكون هناك مخالفون، خاصة إذا توافق جميع النخب على هذه الموضوعات, مؤكدًا أن تنفيذ خطة ال5 سنوات ستكون في شهر مارس 2017. ويرى الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف الأسبق، أن وزير الأوقاف الحالي يتم استخدامه كأداة من قبل الدولة للإطاحة بشيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، من منصبة، لتعيين الدكتور علي جمعة، المفتي السابق شيخًا للأزهر، وذلك بسبب عدم تلبية الدكتور الطيب رغبات النظام السياسي بشكل كبير مثل المفتي السابق، وذلك بحسب تصريحاته، مضيفًا أنه يتم توجيه وزير الأوقاف للتصعيد أمام الأزهر في موضوع الخطبة المكتوبة وتحدي الأزهر، إلا أن لجوء الدكتور أحمد الطيب للمشير طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، دفع وزير الأوقاف للتنازل والاعتذار عن إقرار الخطبة المكتوبة، بعد أن تدخل طنطاوي عند رئيس الجمهورية الذي استجاب على الفور وطلب الجلوس مع شيخ الأزهر، ليخرج بعدها وزير الأوقاف معتذرًا عن إقرارها بشكل إجباري. وفى هذا السياق، استنكر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، هذا القرار قائلاً: "هذا القرار مُهين لبلد الأزهر الشريف لأن المأثور عن سيدنا النبي "صلى الله عليه وسلم" وخلفائه الراشدين رضوان الله عنهم والعلماء والدعاة في كل زمان ومكان ارتجال الخطبة وعدم كتابتها ونقل هذا العمل الرائد عبر الأجيال إلى أن ابتدع الساسة في منطقة الخليج كتابة الخطب لأمور سياسية معينة. وأضاف "كريمة في تصريح خاص ل"المصريون" أن ما وصفه ب"البدعة المرزولة" أدت إلى قتل الابتكار ووأد الارتجال، فصار الخطباء مجرد قارئي لنشرات إخبارية فلا تواصل ولا تفاعل مع الجمهور وسار الأداء رتيبًا مُملًا، مشيرًا إلى أن هذا إن صلح في بلاد فيها سياسات استبدادية لنظم الحكم السياسية لا يليق بمصر الأزهر والتاريخ الإسلامي. وأشار أستاذ الفقه إلى أن ما أقدمت عليه وزارة الأوقاف يعد وأدًا لفن الخطابة وهذا يؤدي إلى عدم الحاجة إلى كلية وأقسام الدعوة الإسلامية، أو إلى مهارات الخطابة ويمكن إسنادها إلى أي حامل أي شهادة ولو أصحاب الدبلومات. ويقول أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب ورئيس جامعة الأزهر السابق, إن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، يسعى لتقديم كتاب به خطط سنويًا يجمع فيه عددًا من الخطب من باب التخفيف على الإمام والخطيب وأيضًا الحث على الالتزام بالمعلومات الموجودة، وأن تقدم في توقيت زمني محدد لا يمكن تخطيه. وعن اعتراض الأزهر على أسلوب وزارة الأوقاف في الانفراد بالدعوة وتهميش دوره يوضح رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان في تصريح خاص ل"المصريون" أنه تواصل من قبل مع وزير الأوقاف في موضوع الخطبة المكتوبة وحثه على عدم تجاهل دور الأزهر وهيئة كبار العلماء فيما يتعلق بالدعوة، ومن المفترض أن يكون هناك تكامل ما بين هيئة كبار العلماء والأزهر من جانب ووزارة الأوقاف من جانب آخر، حتى يستطيع الجميع خدمة الإسلام. ولفت إلى أن الخلاف السابق على موضوع الخطبة المكتوبة كان في زاوية، لا الجهتين، وتم تجاوزه في اللجنة الدينية بمجلس النواب بحضور وزير الأوقاف عن طريق التنازل عنه من خلال أسلوب الإجبار واعتبار الالتزام بالخطبة المكتوبة اختيارًا. واستنكر رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب انفراد وزير الأوقاف بموضوع وضع خطة لخطبة الجمعة لمدة خمس سنوات دون أن تتم مشاركة مؤسسة الأزهر وهيئة كبار العلماء حتى وإن كان مسئولاً عن أمور الدعوة على المنابر، لكن الأزهر وهيئة كبار العلماء هما أساس الدعوة في مصر والعالم الإسلامي. وعلى صعيد آخر، قال أحمد بان، المتخصص في ملف الإسلام السياسي، إن إعداد الخطبة سلفاً ل5 سنوات هو استمرار لتجريف الخطاب الديني وليس تهذيبه؛ سعيًا من وزير الأوقاف لاسترضاء السلطة أو تفصيل خطاب على مقاس هذه السلطة، حسب تعبيره. وحذر "بان"، من انصراف الناس عن خطبة الجمعة؛ بل والدين ذاته، الأمر الذي قد يدفعهم للبحث عن خطاب آخر تقدمه جماعات أخرى كالإخوان أو السلفيين أو الجهاديين، وهو ما يشكل خطرًا، حسب قوله, مؤكدًا أن الخطاب الديني، خاصة خطبة الجمعة، هو الرابط القوي بين الناس والدين، وعندما يتم تدمير العظة الأسبوعية سينعكس ذلك على حالة الانتماء الروحي إلى الدين.